ترك برس
حذر عمر تشليك الوزير التركي لشؤون الاتحاد الأوروبي من أن الاختلافات الأخيرة بين أنقرة وبرلين بشأن اتفاق جمركي لن يُسمح لها بأن تتحول إلى مشكلة بين تركيا والاتحاد الأوروبي، وذلك في مؤتمر صحفي مشترك مع ألان دنكن وزير الدولة البريطاني لشؤون أوروبا والأمريكتين.
وصف تشليك تصريحات المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل الأخيرة بشأن تعليق المحادثات بين تركيا والاتحاد الأوروبي بشأن اتفاق الاتحاد الجمركي يوم الأربعاء بأنها "مؤسفة"، وقال إنه لا يحق لأي دولة أن تفرض رأيها على بقية مؤسسات الاتحاد الأوروبي.
وفي لقاء يوم الأربعاء مع مدون فيديو شاب قبيل الانتخابات الألمانية المرتقبة في الشهر المقبل، أشارت ميركل إلى أن الاتحاد الأوروبي لن يدخل في محادثات مع أنقرة بشأن تحديث اتفاق الاتحاد الجمركي الموجود بسبب التوترات السياسية الأخيرة. وقالت ميركل: "في كل الأحوال، لن نعقد في الوقت الحالي محادثات مع تركيا بشأن تطوير أو توسيع الاتحاد الجمركي".
إلا أن تشليك حذر من السماح لخلاف ثنائي بأن يتحول إلى مشكلة أكبر، وقال: "إن قرارات الاتحاد الأوروبي تُتّخذ بناءً على مبادئ"، كما حذر من اتخاذ زعماء أوروبيين قرارات ضد "الآليات الأساسية للاتحاد الأوروبي". وصرح بوضوح بأن عبارات ميركل مدفوعة بالتوتر السياسي الأخير بين تركيا وألمانيا. وقال: "ينبغي أن تمنع مؤسسات الاتحاد الأوروبي الموقف الألماني من التحول إلى قضية على مستوى الاتحاد".
وفي إشارة إلى أن قرار الاتحاد بتقديم عرض لتحديث الاتفاق مع تركيا جاء بناء على تحليل أجراه الاتحاد، ذكر تشليك إن التحديث ينبغي أن يُقيّم على أساس الربح المتبادل بشأن توسيع اتفاقية التجارة الحرة. وقال تشليك: "تحاول ألمانيا تحويل مسألة تحديث الاتفاق إلى خدمة لتركيا. أودّ أن أسلط الضوء على أن تركيا ليست لديها طموحات من جانب واحد لتحديث الاتفاق الجمركي".
كما انتقد المتحدث الرئاسي التركي إبراهيم كالن تصريحات ميركل، واصفًا إياها كذلك بـ"المؤسفة"، وذلك في مؤتمر صحفي ظهر يوم الخميس. وقال كالن: "إن استخدام دولة عضو في الاتحاد الأوروبي لهجة أمر تجاه مؤسسات الاتحاد أمر غير مقبول"، مشيرًا إلى أن الاتحاد الجمركي مبني على أساس الربح المتبادل. وإذا هوجم هذا المسعى فإن تركيا وألمانيا سيخسران على السواء.
وتأتي تصريحات ميركل بعد زيادة الأحزاب المعارضة ضغطها على الحكومة الألمانية، سعيًا وراء نغمة أعلى ضد تركيا، وبالتحديد بسبب الاعتقالات الأخيرة في تركيا لقرابة 10 مواطنين ألمان بينهم مراسل وناشط حقوقي بتهمة دعم منظمات إرهابية.
وقد كرّرت المستشارة الألمانية، التي فضّلت في السابق الحوار مع تركيا لحل الخلافات السياسية بين البلدين، يوم الأربعاء أن من المهم الحفاظ على قنوات الاتصال مفتوحة. وجدّدت دعوتها لإطلاق المواطنين الألمان الذين اعتُقِلوا في تركيا في إطار تحقيقات مكافحة الإرهاب. وفي هذا السياق، استبعد مسؤولون أتراك أي أثر سياسي على هذه التحقيقات، وأكدوا أن محاكم مستقلة تتولى هذه القضايا.
ويُذكر أن العلاقات التركية مع ألمانيا ودول أخرى عضو في الاتحاد الأوروبي عانت من تراجعات في الشهور الأخيرة، إذ هاجم مسؤولون أتراك نظرائهم للفشل في إظهار تضامنهم مع أنقرة في مواجهتها لمحاولة الانقلاب الدموية الفاشلة في 15 تموز/ يوليو 2016. كما استنكرت أنقرة ما تراه على أنه توفير السلطات الألمانية الدعم لمجموعات معادية لتركيا.
كما أرسلت وزارة الخارجية التركية مذكرة دبلوماسية إلى ألمانيا يوم الأربعاء بشأن تقارير ذكرت أن عادل أوكسوز أحد المتهمين بتدبير محاولة الانقلاب عُثِر عليه في ألمانيا. ووفقًا لمصادر دبلوماسية فقد أصدرت تركيا المذكرة وطلبت تسليم أوكسوز.
من جهتها، أعربت دول أوروبية عن قلقها بشأن القانون وحقوق الإنسان تجاه تحقيق السلطات التركية في منظمة غولن المتهمة بالتورط في محاولة الانقلاب. وفي ألمانيا التي تستضيف 3 ملايين مهاجر تركي، تملك منظمة غولن شبكة كبيرة تضم عشرات المدارس والأعمال ووسائل الإعلام. ومنذ محاولة الانقلاب، فرّ حوالي 4 آلاف مشتبه بارتباطه بمنظمة غولن من تركيا إلى ألمانيا ودول أخرى، وفقًا لتقارير إعلامية محلية.
التغير في السياسة الألمانية تجاه تُركيا يُعتقد أنه سيصبح "سياسة الدولة"
بعد تصريحات ميركل بشأن تركيا، أفادت محطة دويتشه فيله الألمانية بأن الحكومة الألمانية تحاول تحويل الصراع السياسي مع تركيا إلى سياسة دولة، زاعمة أنه ليس أمرًا سريع الزوال ومتعلق بالانتخابات في ألمانيا.
وزعمت النسخة الألمانية من دويتشه فيله بأن مصادر دبلوماسية ألمانية صرحت بأن بلادها كانت داعية رئيسية لتوسيع نطاق الاتحاد الجمركي، إلا أنها عكست سياستها بعد التطورات السياسية الأخيرة.
كما يُعتقد أن ألمانيا أطلقت محادثات دبلوماسية متزامنة بشأن سياستها الجديدة تجاه تركيا مع حكومات في الاتحاد الأوروبي، إضافة إلى المفوضية الأوروبية. ورأت تقارير إعلامية أن مسؤولين ألمان في إطار سعيهم لحشد الدعم من أعضاء آخرين في الاتحاد لا يرون أن التغير الأخير في السياسة مؤقت، ولا أنه موجه نحو الانتخابات في الشهر المقبل.
سياسة تجارية فعالة مع الاتحاد الأوروبي هي ضرورة
تعتبر تركيا الدولة الوحيدة المُوقّعة على اتفاق الاتحاد الجمركي من خارج الاتحاد الأوروبي منذ عام 1996، وتُعدّ واحدة من أكبر الشركات التجاريين للاتحاد بصادرات تصل إلى 66.7 مليار يورو وواردات بحوالي 78 مليار يورو في عام 2016 من البضائع وحدها. أما بالنسبة للخدمات، تقدر الصادرات التركية إلى الاتحاد الأوروبي بنحو 16.4 مليار يورو، وتقدر الواردات الخدمية بـ12.2 مليار يورو، وفقًا لبيانات المفوضية الأوروبية.
ومن بين دول الاتحاد الأوروبي، تعد ألمانيا الوجهة الأولى للبضائع التركية منذ سنوات. وقد كشفت بيانات شهر تموز/ يوليو الماضي أن ألمانيا كانت السوق الأولى للصادرات التركية في 8 قطاعات، تتضمن السيارات، والألبسة الجاهزة، والحديد، والآلات، والمكيفات، والبندق، والفواكه والخضراوات والفواكه المجففة.
وعلى الرغم من المحاولات الألمانية لوقف عملية تحديث الاتفاق الجمركي، إلا أن هذه الأرقام تجعل تركيا الشريك التجاري الأول للبلاد، حسبما أكدت المفوضية الأوروبية. ولذلك يرى خبراء وسياسيون أن تحديث الاتفاق الجمركي سيكون مفيدًا للطرفين.
وفي تقدير صادر في 21 كانون الثاني/ يناير 2016 اقترحت المفوضية الأوروبية تحديث اتفاق الاتحاد الجمركي الحالي مع تركيا، الذي يغطي منتجات صناعية محدودة ويستثني الزراعة والمشتريات العامة والخدمات. وأشارت المفوضية إلى أن تحديث العلاقات التجارية بين تركيا والاتحاد الأوروبي يشكل جزءًا أساسيًا من جهود الطرفين لتعميق العلاقات في مجالات الاهتمام المشترك، وأكدت أن عزمها على مواصلة الوفاء بالتزاماتها كجزء من الاتفاق مع أنقرة. وقالت المفوضية في اقتراحها: "إن تحديث اتفاق الاتحاد الجمركي لينعكس على العلاقات التجارية بين الاتحاد وتركيا سيجلب مكاسب اقتصادية لكلا الشريكين".
ويشير تقرير صادر عن مجلس الجوار الأوروبي بالتعاون مع جمعية رجال الأعمال والصناعيين المستقلين "الموصياد" في عام 2017، إلى أن تحديث الاتفاق الجمركي سيساهم بنسبة 1.44 في الناتج المحلي الإجمالي لتركيا، وسيسمح في الوقت نفسه بنمو اقتصاد الاتحاد الأوروبي بنسبة 0.01 في المئة. فضلًا عن أثره على تحرير المشتريات العامة والخدمات التي تعد ذات أهمية كبرى للجانبين. كما يتوقع أن تزيد صادرات دول الاتحاد إلى تركيا بـ27 مليار يورو، في حين يتوقع أن تزيد صادرات تركيا إلى الاتحاد بـ5 مليارات يورو.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!