لوسيا أبيلان - صحيفة إلبايس (الإسبانية) - ترجمة وتحرير ترك برس 

أعادت الحملة الانتخابية في ألمانيا إثارة الجدل بشأن انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي. في المقابل، وفي ظل المكانة الجيوستراتيجية التي تتمتع بها تركيا، لم تتخذ بروكسل قرارا نهائيا بعد فيما يتعلق بانضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي، الأمر الذي لم يشهد أي تقدم يذكر.

في حال قررت تركيا اليوم المضي قدما فيما يتعلق بمسألة عضويتها في الاتحاد الأوروبي، فيجب أن تدرك أنه لن يتم الوفاء بأي شرط من الشروط الأساسية للمفاوضات. فمنذ سنة 1999، أعربت أنقرة عن رغبتها في الانضمام للاتحاد الأوروبي، ولكن بروكسل لم تجرؤ على إخبار أنقرة بأن الطريق إلى التفاوض مسدود وليست هناك نتيجة ترجى من كل محاولاتها. إلى جانب ذلك، أثارت التصريحات التصعيدية للرئيس التركي رجب طيب أردوغان في ظل اقتراب الانتخابات الألمانية، جدلا واسعا بين الطرفين، لدرجة أن هذه القوة العظمى الأوروبية قد أشارت إلى أن لحظة الحقيقة توشك أن تتجلى للعالم.

على العموم، تعد تركيا حليفا استراتيجيا للاتحاد الأوروبي، وذلك في إطار العمل الثنائي لخدمة مصالح مشتركة، مما لا يدعم فكرة القطيعة المفاجئة بين الطرفين. وفي هذا الصدد، تؤكد عدة مصادر أن مسألة انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي، التي لا تزال مجمدة من الناحية العملية، ستستمر إلى حين إيجاد بديل لهذا الانضمام غير المحتمل إلى الدائرة الأوروبية.

من جهتها، تقدمت ممثلة السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي، السيدة فيديريكا موغيريني بالأمس برسالة، أوردت من خلالها: "سنواصل الحوار. وفي الأثناء، سيعتمد الأمر على خوض مناقشات داخلية في صلب الاتحاد، كما سنركز بشكل رئيسي على المداولات التي نجريها مع المفاوضين الأتراك لتحديد مستقبل علاقتنا".

تكشف هذه الرسالة الودية والمتسامحة أن هناك العديد من المسائل التي لا تزال على المحك، في ظل احتمال أن تكون حكومة أنقرة عرضة للانتقادات. على العموم، توجد جملة من التحديات الأوروبية التي تلعب فيها أنقرة دورا رئيسيا.

مسألة الهجرة

لم تكن لهذه المسألة أي صلة بانضمام تركيا للاتحاد الأوروبي، إلى حين اندلاع الحرب في سوريا. عموما، أصبحت الهجرة من أبرز المخاوف الرئيسية التي تشوب العلاقة الحالية بين الاتحاد الأوروبي وتركيا. بالإضافة إلى ذلك، وقعت بروكسل وأنقرة اتفاقا ذو أهمية كبيرة، منذ سنة ونصف، حيث تم وضع حد لتدفق اللاجئين من السواحل التركية نحو اليونان.

خلافا لذلك، في الأشهر الأخيرة، تم تسجيل بعض التحولات فيما يتعلق بمعضلة الهجرة، مما يستوجب التفكير في الرسالة المشفرة التي تروم السلطة التنفيذية التركية إيصالها إلى شركائها الأوروبيين.

وخلال الأيام القليلة الماضية، ووفقا للوكالة الأوروبية لمراقبة الحدود، فرونتكس، تم اكتشاف تسلل حوالي 500 شخص إلى الأراضي اليونانية. ومن هذا المنطلق، تسعى أوروبا إلى أن تتجنب تقديم أسباب حقيقية لتركيا على خلفية عدم قبول طلبها الانضمام للاتحاد الأوروبي، وذلك حتى لا تتهاون في مراقبة السواحل. والجدير بالذكر أن الضغط على السواحل في الوقت الراهن، أصبح أقل حدة.

من جانبها، صرحت إيلكا تويغور، الباحثة في المعهد الملكي إلكانو، بأنه "عندما تم غلق طريق البلقان، فقدت هذه الرسالة أهميتها، أتوقع أن الاتفاق بين البلدين سيستمر طالما تواصل أوروبا تقديم مبالغ مهمة للطرف الثاني"، وذلك في إشارة إلى ما قدره 6 مليارات يورو، التزم الاتحاد الأوروبي بدفعها إلى أنقرة، لتقديم خدمة أفضل إلى حوالي 3 ملايين لاجئ تستضيفهم تركيا، علما وأن هذا المبلغ يتم صرفه بشكل منتظم.

مسألة الإرهاب

من الواضح أن تركيا تعد بمثابة نقطة رئيسية في إطار التحركات ضد ما يسمى بـالإرهابيين الأوروبيين. ففي واقع الأمر، تمكن معظم المواطنين الذين يحملون جواز سفر أوروبي من الالتحاق بصفوف تنظيم الدولة من خلال اجتياز الأراضي التركية. في المقابل، لم يفتأ الاتحاد الأوروبي يؤكد أن أنقرة توفر معلومات قيّمة بخصوص مكافحة الإرهاب وهو ما لا تستطيع أوروبا تجاهله.

تركيا، حليف رئيسي في الناتو

قد لا تصبح تركيا مطلقا عضوا في الاتحاد الأوروبي، لكنها ومنذ سنة 1952، باتت دولة تتمتع بعضوية كاملة في حلف شمال الأطلسي. وفي الأثناء، أصبحت أنقرة، منذ فترة، الكيان الديمقراطي الأكثر صلابة في العالم الإسلامي. وعلى الرغم من التقلبات المستمرة في صلب هذا المجلس، إلا أن تركيا حافظت على موقعها في حين أنها تتسم بحضور قوي في قلب الفوضى التي تشهدها منطقة الشرق الأوسط. علاوة على ذلك، نجحت أنقرة في الدخول في حوار مباشر مع روسيا، مع العلم أن هذه العلاقة الثنائية كانت حاسمة في إنشاء هدنة في خضم الأزمة السورية. وعلى ضوء كل هذه المعطيات، ليس من السهل تجاهل لاعب مركزي وأساسي مثل تركيا على الساحة العالمية.

تركيا، عملاق اقتصادي

في الواقع، يعتبر وجود سوق يشمل حوالي 80 مليون شخص على أبواب أوروبا، من أبرز العوامل التي لها تأثير كبير على رغبة الاتحاد الأوروبي في إبقاء جسور التواصل ممتدة باتجاه تركيا. ففي حقيقة الأمر، تعد تركيا الوجهة الرابعة للصادرات الأوروبية وخامس أكبر مزود للواردات. وفي سبيل تعزيز هذه التدفقات، فضلا عن تحديد بديل محتمل، اقترحت اللجنة في نهاية سنة 2016، تحديث الاتحاد الجمركي الذي يربط بين البلدين منذ سنة 1995. لكن المداولات في هذا الصدد تسير وفقا لنسق بطيء في صلب المجلس الأوروبي.

في المقابل، وفي خضم سباق الانتخابات، ستطلب ألمانيا من شركائها الأوربيين في بروكسل إعادة النظر في المفاوضات مع أنقرة، وذلك وفقا لما ذكرته مصادر دبلوماسية. من جانبها، أوضحت الباحثة إيلكا تويغور أن "محاولة المساس بالاتحاد الجمركي تبدو أمرا مفاجئا. لذلك، سيكون من الضروري أن نراقب ما إذا كان لذلك علاقة بالانتخابات الألمانية".

عن الكاتب

لوسيا أبيلان

مراسلة صحيفة إلبايس الإسبانية لشؤون الاتحاد الأوروبي


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس