ترك برس
عندما يتردد اسم الفنانة فخر النسا زيد بين محبي الفنون التشكيلية في العالم العربي وتركيا يتذكر الجميع لوحتها "انشطار الذرة وحياة النبات" التي بيعت بما يقارب ثلاثة مليون دولار قبل بضع سنوات، وهو أعلى سعر لعمل فني من الشرق الأوسط. ورغم ذلك لا يكاد هذا الاسم يكون معروفا لدى الغرب وهو ما دفع متحف "تيت مودرن" في لندن إلى عرض أعمالها بهدف رفع الغموض عن الفنانة التركية.
ولدت فخر النسا لعائلة عثمانية ثرية في إسطنبول عام 1901، وترعرعت في بويوك كادا، أكبر جزر الأميرات. كانت عائلتها كلها من المبدعين، جمعت بين المكانة الاجتماعية بسبب قربها من السلطة والاهتمام بالفن والأدب. كان والدها محمد شاكر باشا دبلوماسيا ومؤرخا شغف بالتصوير ودراسة التاريخ. أحد إخوتها كان وزيرا فيما كان الآخر كاتبا.
لكن حياة فخر النسا لم تخل من الدراما. ففي سن الـ12، قتل والدها برصاص سيفات شاكر، شقيقها الأكبر، الذي أصبح فيما بعد كاتبا بارزا اشتهر باسمه الأدبي "صياد هاليكارناسوس". تركت هذه المأساة أثرا كبيرا في جميع أفراد الأسرة، وعانت فخر النسا من الاكتئاب طوال حياتها ووجدت متنفسا في الرسم الذي كانت تعتقد في البداية أنه لن يعدو أن يكون أكثر من مجرد هواية.
في سن الـ19، التحقت فخر النسا بأكاديمية الفنون الجميلة، فكانت من أوائل النساء اللاتي درسن فيها، لكنها ابتعدت عن الأكاديمية بعد أن تزوجت الروائي عزيز مليح ديفريم عام 1920. ومن خلال ديفريم، أصبح الزوجان أعضاء في الدائرة المقربة من كمال أتاتورك، مؤسس الجمهورية التركية.لم يدم زواجها طويلا إذ سرعان ما انفصلت لتتزوج في أثينا عام 1934 من الأمير زيد بن علي وهو شقيق ملك العراق فيصل الأول، لتحمل لقب الأميرة وتغير اسمها التركي إلى الاسم العربي.
في الأربعينيات تعرفت فخر النسا على مجموعة الفنانين الطليعيين لتطوير الفن الحديث في تركيا. وأقامت أول معرض لرسومها في عام 1944، في شقتها في إسطنبول، فكان المعرض الأول في إسطنبول الذي تقيمه امرأة وحدها.
تأثرت فخر النسا في البداية بالثقافة الأناضولية، وطورت نمطا يجمع بين تقاليد اللوحة الأوروبية الحديثة والموضوعات الشرقية، مثل زخارف النسيج في لوحتها "الركاب من الدرجة الثالثة" عام 1943. وفي وقت لاحق عندما انتقلت إلى باريس في الخمسينيات، تحولت إلى التجريد، ثم تخلت عن التجريد وتحولت إلى رسم لوحات فاقدة الألوان.
يعتقد كثير من النقاد أن فخر النسا لم تحظ بالمكانة اللائقة التي تستحقها في تاريخ الرسم المعاصر، وذلك نابع من كونها فنان مسلمة رسمت لوحات تجريدية. وهناك سبب آخر لعدم معرفة عالم الفن الغربي بها، هو أنها لم تضطر إلى بيع لوحاتها، وبالتالي لم تصبح لاعبا أساسيا في سوق الفن.
وقد ألهمت شخصية فخر النسا وحياتها وحبها للرسم كثيرين من أفراد عائلتها. وقد أشارت قريبتها نيرميديل إرنر بينارك في فيلم وثائقي بعنوان "فخر النسا ونجاد" في عام 2006 إلى أن فخر النسا كانت الملكة في عائلتها، وكانت شخصية متحكمة لا تحب أن يجادلها أحد. وقد قطعت علاقاتها مع ابنها الرسام نجاد ديفريم بسبب التنافس بينهما. ويقول بعض النقاد إنها غارت من النجاح الذي حققه ابنها وهو في العشرين من عمره في خمسينيات القرن الماضي في باريس، وحاولت أن توجد مكانا لنفسها.
وبعد وفاة الأمير زيد عادت الأميرة فخر النساء بصحبة ابنها الأمير رعد لتستقر في عمان. وأنشأت في عام 1976 معهد فخر النساء الملكي للفنون الجميلة. وتوجهت إليه بنشاطها وبرعاية فنانات فيه حتى وفاتها عام 1991، عن تسعين عاما.
وعلى الرغم من أن المعهد استمر لمدة أربع سنوات فقط، من عام 1976 إلى عام 1980، فإن محاولة زيد الأخيرة لنبت بذور الفن في الشرق الأوسط قد آتت أكلها. وبقي إرثها وأثرها في كثير من الفنانين، وفي مقدمتهم أولى طلابها،سهى شومان، مؤسسة مؤسسة دارة الفنون خالد شومان، أبرز المعالم الثقافية في مدينة عمان.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!