زهراء معاذ - خاص ترك برس
حقّقت الدراما التركية في عقدها الأخير صعودًا قياسيًا في المشاهدات لم يشهده التلفزيون التركي من قبل، وباتت مفضلةً لدى المشاهد الأجنبي في مختلف دول العالم. حيث تُعتبر تركيا اليوم ثاني مصدِّرٍ للدراما في العالم بعد الولايات المتحدة الأمريكية، وتقوم بتصدير مسلسلاتها إلى أكثر من 90 دولة مختلفة. ومؤخرًا، بات من السهل على أي مشاهدٍ من أي مكان في العالم أن يجد المسلسل التركي المفضل لديه مترجمًا أو مدبلجًا بلغته الأم.
هذا النجاح القياسي الذي تعيشه الدراما التركية، يدفعُنا للتساؤل : "ما السبب حول تعطّش الجميع لمشاهدة الدراما التركية؟!".
لا شكّ أن الإنتاج والتسويق يلعبان دورًا رئيسًا في أي نجاحٍ يُحقق على المستوى الإعلامي، ولا شك أن شركات الإنتاج التركية بذلت مجهودًا كبيرًا ومضاعفًا لنقل الدراما الخاصة بها وإيصالها إلى ما وصلت إليه اليوم، لكن الدراما التركية ليست من ذلك النوع من البرامج التي نشاهدها فقط لأنها تُعرض على التلفاز، فالمشاهد الأجنبي يبحث بجدّ ليعثر على حلقة من حلقات مسلسله التركي الذي يقوم بمتابعته، لقد دخلت الدراما التركية إلى قلب المشاهد وعقله قبل أن تدخل إلى شاشة تلفازه أو حاسوبه.
في ظل أعمال الأكشن والتشويق والإثارة والجريمة التي باتت تُقدم من قبل مختلف شركات الإنتاج حول العالم، تلك الأعمال التي تعرضُ الحياة العائلية بشكل خجول دون التطرق إلى الحياة اليومية التي تعيشها العائلة، أو عرض صور هذه العائلات ضمن فئة من المسلسلات تتناسق مع سير المسلسل نفسه بعيدًا عن الحقيقة والواقع، تقدم شركاتُ الإنتاج التركية دراما واقعية تحدّثنا عمّا تعيشه العائلة بشكلٍ يومي من مشاكل ونزاعات وصراعاتٍ أحيانًا، ومن محبةٍ وألفةٍ وسعادةٍ وتعاون. هذه العائلة التي لم تعد تركيةً فحسب، وإنما تبين أنها تعكس صورًا عن العائلات الموجودة في الخارج أو ربما عن العائلات التي يتمنى المشاهدُ لو كان جزءًا منها.
هذا الجانب الحقيقي من حياة كل إنسان، بعيدًا عن أعمال الجريمة أو الأعمال المخابراتية التي برغم مصداقيتها وصلتها بالواقع في كثيرٍ من الأحيان إلا أنها لا تشكّل جزءً حقيقيًا أو ملموسًا من حياة 90 بالمئة على الأقل من المشاهدين.
صعوبة البحث عن عمل، الطموح في تحقيق مرتبةٍ أكاديمية عالية من خلال الدراسة، التيهانُ بين الآمال الشخصية وبين ما قيّّدنا الواقعُ فيه، الرغبةُ دائمًا بتحقيق الذات، كلُّ تلك الحالات الإنسانية التي يتمُّ التطرق إليها في العمل الدرامي التركي، فضلًا عن قصص الحبّ التي تحملُ في طيّاتها آلاف التفاصيل واللحظات والآلام، استطاعت جذب المشاهد بعد أن وضعته أمام صورة متكاملة لما تكون حياةُ الإنسان عليه.
وبما أن الإمبراطورية العثمانية كانت قوةً عظمى على مستوى العالم، وحكمت معظم الدول الإسلامية، فإن اختيار شركات الإنتاج التركية تسليط الضوء على تلك الفترة التي تعدُّ محورًا يدورُ حوله الكثير من الجدل والمناقشات، وعلى عددٍ من الشخصيات البارزة كأرطغرل والسلطان عبدالحميد ثاني، كان عاملًا هامًّا في انتشار الدراما التركية إلى مشاهدين من أجيالٍ وثقافاتٍ ووجهاتٍ مختلفة.
من الشرق إلى الغرب، ومن الشمال إلى الجنوب، هذه مجموعة من الدول التي غزتها الدراما التركية:
1- البلقان وشرق أوروبا
حققت الدراما التركية نجاحًا واسعًا في منطقة البلقان، وكان العملُ الأكثر مشاهدة في البوسنة والهرسك مسلسل "القرن الرائع" أو "السلطان سليمان".
2- العالم العربي
أصبحت الدراما التركية جزءًا رئيسيًا من التلفزيون العربي، وكانت سببًا في إنتاج العديد من الأعمال العربية بطابعٍ مختلفٍ وجديد بعد أن استمدّت العديدُ من الأعمال العربية أفكارَها من التلفزيون التركي.
3- أمريكا اللاتينية
بعد نجاح العلاقات التجارية التركية مع 33 دولة في أمريكا اللاتينية أصبح تصديرُ المسلسلات التركية إليها أمرًا هامًا في تعزيز العلاقات بين المؤسسات من جهة، وبين شعوب القارة اللاتينية والجمهورية التركية من جهةٍ أخرى.
4- أفغانستان
اعتاد الأفغان على مشاهدة الأعمال الهندية أكثر من غيرها، ولكن مؤخرًا فاقت نسبُ المشاهدات هناك للمسلسلات التركية أي نوع مسلسلاتٍ آخر.
5- إيران
حققت الدراما التركية مشاهداتٍ عالية في إيران وأصبحت ضمن الأعمال الأولى التي يطلبها المشاهد الإيراني
6- الهند
استطاعت الدراما التركية غزوَ أرض بوليوود أيضًا، فمنذ عام 2015 تُدبلج المسلسلات التركية وتترجم إلى الهندية بشكلٍ مستمر.
7- بنغلاديش
أيضًا منذ 2015، بدأت الدراما التركية تحقق أعلى المشاهدات في بنغلادش
8- ماليزيا
بدأت ماليزيا مؤخرًا في شهر آب/ أغسطس من العام الجاري 2017 بشراء الأعمال التركية لعرضها على تلفزيوناتها الرسمية، وتشعر شركات الإنتاج التركية بالحماس تجاه ذلك.
ومع هذا النجاح الكبير الذي تعيشه الدراما التركية، يشعر البعضُ أن انتشارها الواسع بدأ يشكل عبئًا عليهم؛ حيث يبلغ عددُ حلقات الجزء الواحد المسلسل التركي عادةً الـ 40 حلقة، وتتجاوز مدةُ كل حلقة الـ 130 دقيقة، وبما أن الدراما تُصوّر في تركيا بالتزامن مع عرضها على التلفزيون، يرى بعضُ الكتّاب التُّرك أن أمر كتابة الحلقات بات صعبًا ومرهقًا أكثر من السابق.
ميريتش ديميراي، كاتب مسلسل "الأزقة الخلفية Arka Sokaklar" كان أحدهم. يقول ميريتش: "ككاتب سيناريو، كان الأمر رائعًا حتى العشر سنين الأخيرة، حيث أصبحتُ مضطرًا لكتابة حلقة لمدة 60 دقيقة كل أسبوع، أما اليوم فأنا أكتب حلقة لمدة 130 دقيقة أسبوعيًا! لقد أصبحت عمليةً ميكانيكيةً جدًا وغير مثيرة. بتنا فقط أحاول الحفاظ على سير الميلودراما في العمل".
لا شكّ أن لكل نجاحٍ كبيرٍ سلبياته إلى جانب إيجابياته، ولكن لا بدّ من الإشارة إلى أن الأعمال التركية الدرامية ساهمت بشكلٍ كبير في دعم السياحة في تركيا ورفع نسبها بالتزامن مع ارتفاع نسب مشاهدات الدراما التركية.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!