ترك برس
إن الحديث عن العربية في تركيا، يستدعي التحول العميق من مرحلة ما يسميه الباحث في التاريخ التركي أقطاي ألتن "طمس اللغة العربية في تركيا" ضمن مجموعة "إصلاحات سياسية" تلت انهيار الإمبراطورية العثمانية، إلى مرحلة العودة إلى رحاب العربية، وبدء عملية طمس أخرى هذه المرة لـ"الهوّة التي أحدثت بين الأجيال" وفق ألتن.
ورد ذلك في "مجلة الجزيرة" ضمن عددها الجديد لشهر أكتوبر/تشرين الأول الجاري، الصادر تحت عنوان "العربية تعود لتركيا"، حيث يسلط الضوء على جوانب من حضور اللغة العربية في المجتمع التركي، بدفع من حكومة العدالة والتنمية، التي تتجه نحو المنطقة العربية سياسيا واقتصاديا وإعلاميا، وبمساهمة الحضور العربي المتزايد على الأراضي التركية لجوءً واستثمارا.
وأشارت المجلة إلى أنه في عهد رئيس الوزراء التركي الراحل، عدنان مندريس، سمح برفع الأذان في مساجد البلاد بالعربية، ثم إنشاء مدارس لتعلمها، صاحب ذلك إقبال شديد من الأتراك على حفظ القرآن الكريم وتعلم العربية. وفي سنة 1996، انخرطت بلدية مدينة إسطنبول في برنامج تعليم الطلاب الأتراك ومن دول مختلفة التركية واللغات الأجنبية، وبينها العربية.
بينما وافقت الحكومة في أبريل/نيسان 2010 على مقترح تقدمت به وزارة التعليم بشأن جعل العربية مادة اختيارية بالمرحلة الثانوية، وصدر القرار بالصحيفة الرسمية لتلتحق في هذا الباب بالإنجليزية والفرنسية والألمانية والروسية وغيرها من اللغات.
وفي يونيو/حزيران 2013، أصدرت المديرية العامة للتعليم الأساسي التابعة لوزارة التعليم قرارا بتدريس العربية أسبوعيا لطلاب الابتدائية والإعدادية. ثم بدأت تركيا منذ سبتمبر/أيلول 2016 بتدريس العربية في صفوف الابتدائية بمدارسها الحكومية، بمعنى أنها سترافق الطلاب في كل مراحلهم التعليمية الأساسية.
وخلال مشاركته في فعالية بأحد المراكز الثقافية، قال الرئيس رجب طيب أردوغان، كلمة فتحت الباب رسميا أمام الانتقال بتعليم العربية من المدارس ورياض الأطفال إلى المستوى الأكاديمي عبر الجامعات المتخصصة..
وقال أردوغان إنه "ليس هناك أمة في العالم لا تستطيع قراءة وكتابة تاريخها وحضارتها. ليس هناك أمة في العالم لا يمكنها قراءة شواهد قبور أجدادها"، في إشارة إلى عدم قدرة الأتراك اليوم على القراءة والكتابة بالعربية والعثمانية التي كانت تكتب بالحرف العربي، على عكس ما كان عليه أجدادهم.
تقول سمية (24 عاما)، طالبة شعبة اللغة العربية وآدابها بجامعة أوروبا الإسلامية الخاصة-فرع إسطنبول، إن سبب توجهها لدراسة العربية هو محبتها لأن تعرف لغة القرآن أولا ولكي "يفتح أمامي باب حضارة غنية يمكن أن أتعلم منها الكثير".
ولم تجد الفتاة صعوبة في إيجاد مؤسسة مناسبة تحقق لها هدفها، فتركيا اليوم "باتت تضم مؤسسات عديدة تقدم ليس فقط دروس تعلم العربية، وإنما تقدم أيضا التخصص بها وعلى مستويات عالية"، حسبما أوردت المجلة.
تعمل سمية اليوم كمنتج ميداني في إحدى القنوات التلفزيونية الناطقة بالعربية، وتقول إن تعلمها تلك اللغة صنع أيضا عالمها المهني، دون أن توقف رحلة التعلم فـ"هي لغة تتطلب مجهودا وبحثا دائمين". كما تقول: "بالأخص لمن اختار أن يجعلها مهنته فيما يخص الترجمة الفورية، وسوقها نشط في البلاد لاحتضانها فعاليات عربية تركية كثيرة".
ومن بين المؤسسات المتخصصة في العربية، أكاديمية باشاك شهير للعلوم العربية والإسلامية، وتسعى إلى أن تصبح أول جامعة تركية مرخصة تدرس بالعربية 100 %.
انطلقت الأكاديمية بستِ كليات، هي الشريعة الإسلامية وأصول الدين والتربية الإسلامية والدعوة والإعلام الإسلامي واللغة العربية، وتحاول توفير المواصفات اللازمة لتحقيق برنامج الإدارة، والتعليم بمستوى الإجازة والدراسات العليا، ويدرس لديها حاليا 270 طالبا وطالبة عربا وأتراكًا ومن جنسيات مختلفة.
وتراهن الأكاديمية على المساهمة في استقطاب 35 ألف طالب، يهاجرون من تركيا سنويا لتعلم العربية والعلوم الشرعية في بلاد عربية.
تضاف إلى هؤلاء أعداد أخرى من المقيمين العرب في تركيا، وهي الجاليات التي تسهم في تدريس العربية من جهة، ومن جهة أخرى تبحث عن مؤسسات مسجلة لدى الدولة تمكن أبناءها من العلوم الإسلامية وآداب اللغة العربية، ما ينبئ بما يمكن وصفه بأنه "سوق تعليمي" ينمو.
ويقول محمد المختار الخليل، مدير تحرير موقع "الجزيرة نت"، إنه إلى جانب تأثر قرابة ثلث اللغة التركية الحديثة بالمفردات العربية، وخصوصا ذات الصلة بالمسائل الدينية والفقه، فإن اللغة التركية ذاتها كانت تكتب بالحرف العربي، مما سهل التواصل مع اللغة ومراجعها، قبل أن تقطع هذه الصلة على يد مؤسس الدولة التركية العلمانية كمال أتاتورك باعتماده الحرف اللاتيني في كتابة التركية.
يُضيف الخليل: "وبحكم العلاقة السياسية بين الطرفين، اهتمت الإمبراطورية العثمانية باللغة العربية كلغة تواصل مع سكان المنطقة العربية التي كانت تحت إدارتها لسنوات طويلة، لذلك يحتفظ الأرشيف العثماني بكم هائل من الوثائق العربية التي تؤرخ للمنطقة وتفاصيل حياتها السياسية والثقافية وحتى ملكية العقارات والأراضي".
ويُشير إلى أن "الارتباط الوثيق بين تركيا والعالم العربي، بدأت تدب فيه الحياة في العقد الأخير، مع حكم حزب العدالة والتنمية الذي يرى في المنطقة العربية عمقه الاستراتيجي والتاريخي، ويحرص على تجذير هذه العلاقة من خلال السياسة والاقتصاد، كما من خلال نشر اللغة العربية وتعليمها في المجتمع التركي، ومخاطبة الشارع العربي بلغته فيما يخص الشأن التركي والتعريف بتاريخه وواقعه".
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!