![](https://www.turkpress.co/sites/default/files/field/image/bosphorus-strait-freeze.jpg)
أحمد عبد الرحمن - خاص ترك برس
عندما ضربت إسطنبول أواخر العام المنصرم عاصفة ثلجية عاتية استمرت عدة أيام عادت للأذهان عبارة تقول "إسطنبول تحب الثلج والثلج يحبها".
وهي عبارة تدل على أن الهطولات الثلجية تتكرر دوريا في إسطنبول وإن اختلفت توقيتا وشدة، ورغم قسوة الهجمة الثلجية الأخيرة المفاجئة إذا صح التعبير فإنه لم يحدث تشكل للجليد في مضيق البوسفور، جليد! نعم جليد؟ لا يستغربن أحد منكم قولي هذا فلمضيق البوسفور تاريخ حافل مع الجليد سنستعرضه في المقال التالي.
1ـ تجمد بنكهة الأباطرة
تبدأ القصة في أيام الأباطرة وتحديداً في العام 401م أيام الإمبراطور أركاديوس، إذ تجمد البحر الأسود بشكل كامل ووصلت الكتل الجليدية إلى بحر مرمرة وبقيت طافيةً فيه لغاية شهر آذار/ مارس ورافق ذلك تجمد مياه البوسفور والقرن الذهبي بشكل كامل.
مرت بعد ذلك شتاءات قاسية على أوروبا كما مر على إسطنبول، القسطنطينية وقتها عام 660م، شتاء قاس جدا تساقطت الثلوج خلاله عدة اشهر ومع ذلك لم يتجمد البوسفور، لكن البوسفور كان على موعد مع تجمده الثاني العام 739م في عهد الإمبراطور ليو الثالث الذي كان يعارض إقامة الصلوات أمام الأيقونات المقدسة، حتى أنه أمر بأن تزال أيقونة المسيح عليه السلام من أمام قصره، وعندما تجمد البوسفور في ذلك العام عزا سكان القسطنطينية ذلك إلى ما اعتبروه تعديًا على القديسين.
وفي العام 753م سُجِّلَ تكون كتل جليدية في بحر مرمرة قادمة من البحر الأسود ثم وردت تقارير أخرى عن تجمدات طالت البوسفور في الأعوام 921 و927 و940م.
بعدها مرت فترة تقارب 210 أعوام لم يحدث فيها أي تجمد، أُطلِق عليها "فترة المناخ المثالي" أو "الفترة الدافئة". تلا ذلك في العام 1221 تجمد للبوسفور والقرن الذهبي بشكل كامل. ثم سجل تجمد للبوسفور عام 1232م، وهذه المرة لم يكن المسبب شتاء أوروبا القارس وإنما كان السبب عاصفة ثلجية ضربت مدينة إسطنبول في ذلك العام.
2ـ تجمد عثماني النزعة
وعلى الرغم من أن إسطنبول بدلت ثوبها الديني والقومي بعد عام 1453 فإنها لم تبدل ثوبها الثلجي الأبيض.
ففي القرن السادس عشر ذكر العالم بيتروس جيلوس أن سطح البحر من منطقة كاغت هانة إلى ميناء إسطنبول قد تجمد معيقاً حركة السفن التي كانت تتقدم فقط عندما يتم تكسير الجليد أمامها. لم يذكر في أي عام كان ذلك، لكن من المرجح أنه كان بين عامي 1520 و1550.
في العام 1620م ذكر العالم "هامر بورجستيل" أن جليدا سميكا غطى البوسفور ووصل قارتي أوروبا وآسيا ببعضهما. ثم في العام 1621م ذكر المؤرخ "ديميتيريوس كانتيمير" في كتابه "تاريخ الإمبراطورية العثمانية "أنه وبسبب البرد الشديد تجمد البوسفور ومشى عليه سكان إسطنبول من شطرها الأوروبي إلى أسكودار في الشطر الآسيوي.
ويتحدث المؤرخ العثماني "نجدت ساكو أوغلو" عن شتاء ذلك العام، و يشرح كيف تجمدت المياه في القرن الذهبي وغطت طبقات من الجليد كامل المسافة من أوسكودار على الطرف الآسيوي حتى سراي بورنو على الطرف الأوروبي، وكان ذلك في عهد السلطان العثماني عثمان الثاني.
انتظر الشتاء عهد السلطان محمد الرابع (الصياد) ليعيد الكرّة في العام 1669م مسببًا تجمد البوسفور بشكل جزئي حيث شوهدت كتل جليدية طافية في مياهه، ثم في شباط/ فبراير من العام 1755م رحب شتاء إسطنبول بخليفته الورع عثمان الثالث مسبباً تجمداً في البوسفور لوحظ فيه أن أهالي إسطنبول أمكنهم العبور من أورتاكوي على الجانب الأوروبي إلى سوتلوجي على الجانب الآسيوي من المدينة.
وفي عهد السلطان الإصلاحي عبد الحميد الأول سُجِّل تجمد في البوسفور نتيجة شتاء قارس ضرب إسطنبول في عام 1779م، حيث شوهدت كتل من الجليد طافية في البوسفور مع تجمد جزئي في منطقة القرن الذهبي.
في عهد السلطان عبد المجيد الأول حدث تجمدان، أولهما في في العام 1849م، وتحديدا في السادس من شباط حيث تجمدت منطقة القرن الذهبي بشكل كامل، وثانيهما في العام 1857م. وفي هذه المرة تمكن الناس من العبور من منطقة خليج أوغلو على الطرف الآسيوي إلى خليج أيوب على الطرف الأوروبي مشيا على الأقدام.
وفي عهد السلطان عبد الحميد الثاني وأثناء خوضه للحرب الروسية العثمانية في العام 1878م تجمد البوسفور والقرن الذهبي، والأمر نفسه عاد وتكرر في العام 1893.
3ـ تجمد بطعم جمهوري
ومع أن إسطنبول لم تعد عاصمة للبلاد، فإن الثلج أبى أن يعترف بذلك وألبسها تاجا أبيض ناصعا، مُتوّجًا إياها عاصمة لقارتين، وكان ذلك في العام 1928 حيث سجل أول تجمد للقرن الذهبي جزئيا العام 1928م حيث لوحظ وجود كتل جليدية ضخمة في البوسفور.
ثم في العام 1929 وصلت الكتل الجليدية إلى البوسفور قادمة من نهر االدانوب مارة من البحر الأسود وتراكمت فيه، وهنا نرى صورا توثق ما حدث ففي صورة فوتوغرافية بالأبيض والأسود مؤرخة بتاريخ 4 شباط 1929 يظهر رجلان يلوحان بقبعاتهما وهما يجلسان على كتلة جليدية ضخمة طافية على المياه في طريق الفنار.
صورة أخرى تعود إلى شهر آذار/ مارس من عام 1929 تظهر الكتل الجليدية محيطة بسفينة في البوسفور.
وفي العام 1954 حدث شتاء قارس في إسطنبول، تراكمت على إثره كتل الجليد في البوسفور، وتوقفت الملاحة البحرية عبره لعدة أيام، وكانت تلك آخر مرة يتجمد فيها البوسفور. وفي هذه الصورة المؤرخة عام 1954 في إسطنبول يظهر مدى التجمد الحاصل في مياه البوسفور ذلك العام.
ترى هل سنشهد هذه السنة تجمدا آخر للبوسفور؟ الله أعلم، فلربما تخبئ لنا الأيام الأخيرة من سنة 2017 أو بداية السنة القادمة شيئا من هذا، ولربما يكون شتاءً اعتياديًا، ولكن وإن اختلفت الأمنيات والتوقعات يجمع الكل على أن إسطنبول تزداد جمالا كلما ازدادت بياضا. لننتظر ونرى ما يكون في الشتاء القادم...
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!