أحمد عبد الرحمن - خاص ترك برس

لطالما شكلت علاقة العثمانيين الأتراك كحكام بالعرب كرعايا جدلاً كبيرا بين من يعتبرهم حكاماً مستبدين تولوا السلطة بالقوة، وبين من يعتبرهم فاتحين ومخلصين وحكاماً عادلين.

هذا الأمر لا ينطبق على المغرب حيث يأخذ الجدل هناك منحى آخر بين من يقول بتبعية المغرب للخلافة العثمانية وبين من يعتبر العلاقة بينهما علاقة ندية بين دولتين. والسبب في ذلك عدم وجود وثائق رسمية توضح قطعًا ماهية العلاقة بين المغرب والخلافة العثمانية. وللمفارقة فإن جميع أسماء البلاد العربية باللغة التركية الحالية هي نفسها باللغة العربية ماعدا المغرب فاسمه بالتركية "fas" (فاس) وهو الاسم الذي كان يطلقه العثمانيون على المغرب الأقصى، وهو أيضاً اسم لمدينة في المغرب حالياً.

في تشرين ثاني/ نوفمبر من العام 2009م أقيمت في العاصمة المغربية الرباط، ندوة دولية بعنوان "المغارب والبحر الأبيض المتوسط الغربي في العصر العثماني". خلال الندوة عرض د. فاضل بيات - الحاصل على شهادة دكتوراة في التاريخ من جامعة أنقرة - وثيقة عثمانية مؤرخة في شهر آب/ اغسطس 1567م تتضمن رسالة موجهة من الخليفة العثماني سليم الثاني إلى الأمير السعدي عبد المؤمن في المغرب، يعلمه فيها عدم رضاه عن تسلمه السلطة بدلاً من أخيه عبد الله الغالب، الذي كان قد عينه الخليفة سليمان القانوني والد سليم الثاني حاكماً هناك، وختمت الرسالة بما يلي: "هذا مرسومنا الشريف العالي السلطاني وأمرنا المنيف السامي الخاقاني ما زال نافذاً ومطاعاً في المشارق والمغارب أرسلناه إلى العلماء الفضلاء والصلحاء وجميع الأمراء والكبراء وأهالي الإسلام بإقليم فاس وديار مراكش وبلاد السوس وسائر توابع تلك الأرض المباركة". بهذه الرسالة أكد د. فاضل بيات تبعية المغرب للخلافة العثمانية، ويومها دار جدل كبير حول مدى صحة هذه الوثيقة.

لندع الجدل جانبا ولنحلل بشكل حيادي عقلاني، فإذا سلمنا أن المغرب لم يخضع لسلطان الدولة العثمانية فهو أمر لا يعني بالضرورة أن العثمانيين كانوا متلهفين لإخضاع المغرب ولم يستطيعوا ذلك، فمن المعروف أن الوجهة الأساسية للعثمانيين المسلمين هي الغرب الأوروبي الصليبي الذي كانوا يخوضون معه صراعاً مريراً، لهذا السبب نراهم لا يتدخلون في بلد مسلم يعتبرونه امتدادا طبيعيا لهم إلا حسب المصالح العثمانية أو بناء على طلب اهله، أما لتخليصهم من حكام ظالمين أو لحمايتهم من الاعتداءات الخارجية كما فعل أهل الجزائر الذين كتبوا للسلطان سليم الأول عام 1518م طالبين مساعدته لصد هجمات الأسطول الإسباني الذي نجح في احتلال جزء من الساحل الجزائري. في ذلك الوقت كان المغاربة وحكامهم  يبلون بلاءً حسنا في مواجهة الصليبيين حيث نجحوا في إفشال جميع هجماتهم على سواحل المغرب وهو ما نال رضى رعاياهم ورضى الخلافة العثمانية على حد سواء، فما الحاجة إذاً لدخول العثمانيين إلى المغرب والسيطرة المباشرة عليه وهو يقوم بواجبه على أحسن وجه؟!.

صحيح أن العلاقة بين الخلافة العثمانية وحكام المغرب شابها التوتر في بعض الفترات، لكن الأمر لا يعدو كونه خلافات إخوة ضمن عائلة واحدة، ولا أدلَّ على ذلك من قيام العثمانيين بمساندة إخوانهم السعديين حكام المغرب عسكرياً في معركة وادي المخازن - القصر الكبير- في 30 آب/ أغسطس عام 1578م ضد تحالف صليبي تشكل ضدهم وكانت نتيجة المعركة انتصار كاسح للمسلمين، حيث كان لخبراء المدفعية العثمانية دور بارز في ذلك النصر المؤزر. و على الجانب الآخر نجد أن الدولة العلوية في المغرب في العام 1816م وقفت مع الجزائر - التي كانت ولاية عثمانية في ذلك الوقت- بعد الهزيمة في حملة أكسموث وأسهمت بشكل كبير في إعادة بناء عاصمة الجزائر وتجديد أسطولها.

في الحقيقة غياب الوثائق يديم الجدل، وللوصول إليها يتوجب الاطلاع على الأرشيف العثماني في إسطنبول، الذي يقول عنه الدكتور فاضل بيات إنه يضم أكثر من 100 مليون وثيقة مفردة، إضافة إلى 375 ألف سجل، وأغلب السجلات مكونة من أكثر من ألف ورقة، وفي الورقة الواحدة قد يكون هناك 3-4 وثائق، وهذا كله في متناول الجميع.

فحبذا لو يتطلع الباحثون العرب على الجزء الذي يهمنا كعرب من هذا الكنز التاريخي لينتهي هذا الجدل ولتنكشف صفحات غائبة أو مغيبة من تاريخنا الإسلامي العريق.

وإلى ذلك الوقت ولحين اطلاعنا على الحقيقة المستندة على وثائق تدعمها، فالشيء الثابت هو أنه لن ينقص من قيمة لؤلؤة الأطلسي أن تكون ضمن خلافة عثمانية إسلامية جامعة، كما أنه لن يقلل أيضاً من هيبة الدولة العثمانية العلية أن تقيم علاقات أخوية مع بلادٍ تتشارك معها نفس المذهب وتتحالف معها ضد عدوٍ مشترك ما زال يتربص بنا إلى يومنا هذا.

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!