ترك برس
رأى مدير مركز "سيتا" التركي للدراسات السياسية والاقتصادية والاجتماعية في أنقرة، برهان الدين دوران، أنه سياسة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب المتعلقة بـ"الإسلام السياسي"، تحمل براءة اختراع إسرائيلية إماراتية، وأنها ستفشل مثلما فشلت سياسة سلفه باراك أوباما غير الصادقة حول "الإسلام المعتدل".
وأضاف الخبير التركي، في مقال تحليلي نشرته صحيفة "صباح" التركية، أنه واشنطن لربما تقوم من خلال تصرفها هذا بـ"فتح الطريق أمام المتطرفين" وهي تدرك ذلك جيداً.
واعتبر دوران أن سياسة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب المتناقضة تجاه الشرق الأوسط، بدأت تتشكل وتتضح معالمها رويدا رويدا. فقبل أن تهدأ الضجة التي أحدثتها أزمة القدس، طرحت نيكي هيلي الممثلة الدائمة للولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة، ادعاءً مفاده أن الصواريخ التي أطلقت من اليمن باتجاه السعودية، قُدّمت من قبل إيران، وفق موقع "أخبار تركيا".
هيلي وخلال حديثها الذي أظهرت فيه أجزاء من الأسلحة، قالت بأن "موقف إيران في الشرق الأوسط تزداد سوءاً وإنها تحرك النزاعات في المنطقة". هذه الادعاءات تلقت الدعم من قبل التصريحات التي أتت من السعودية والإمارات.
من الواضح أن الهدف من هذا هو صرف الأنظار عن "مسألة القدس" التي وحّدت المسلمين، والتركيز على إيران من جديد. يبدو أن واشنطن مصرة على تعبيد الطريق الواصل إلى النزاع السعودي – الإيراني، وفق الكاتب التركي.
وتابع دوران أنه من الصعب الحديث عن استناد سياسة الإدارة الأمريكية المتعلقة بالشرق الأوسط، إلى تحليل قائم على تقييم صحيح وسليم للأطراف الإقليمية، ومشاكل المنطقة ونقاطها الأيديولوجية الحساسة.
بل على العكس، إنها سياسة قائمة على ردة الفعل وتستند إلى رفض التفريق بين "الإسلام المتطرف – المعتدل" ومقاربة "ضم إيران إلى النظام" كما كان في عهد الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما. الأمر الذي لا يقتصر على استحالة وضع سياسة منسجمة.
بل تنتهي إلى تحديد وتوجيه اللوبيات الإسرائيلية والإماراتية في واشنطن، سياسات الولايات المتحدة. إضافة إلى ذلك، يمكن الحديث أيضاً عن قيام الإنجيليين بدفع الإدارة العليا في الولايات المتحدة إلى فكرة أن "كل أنواع الإسلام خطيرة".
وبهذا تنتهي إلى الزوال جميع الحسابات الاستراتيجية الأمريكية في المنطقة، وذلك بسبب العقلية الإسرائيلية – الإماراتية وبسبب "سياسة الإسلام السياسي" الذي يدافعون عنه، فضلاً عن أنها تدفع المنطقة إلى فوضى طويلة الأمد.
الأكثر من ذلك، يبدو أن استراتيجية إدارة ترامب حول تقليص دور إيران، فارغة وعبارة عن مقولة ذات هدف مختلف. الأمر الذي يزيد من رواج فكرة أن الهدف الرئيسي هو دفع المنطقة إلى مزيد من الحروب وشراء الأسلحة.
ويمكنني ذكر ثلاث أمثلة تُبعد واشنطن عن هدفها حول "تقليص إيران" الذي حددته خلال قمة الرياض في مايو/أيار الماضي.
1- تم شلّ تأثير مجلس التعاون الخليجي عبر بدء حصار قطر وما أعقبه من انقسام داخل المجلس. حيث اضطرت الدوحة إلى زيادة تعاونها عن قرب مع طهران.
2- على الرغم من محاولات ولاة العهد الذين يستمدون شجاعتهم من ترامب، لدفع رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري إلى الاستقالة، إلا أن النتيجة باءت بالفشل.
3- قرار ترامب حول الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل كانت عاملاً آخر في حدوث انقسام داخل الخليج. فقد شاركت السعودية والإمارات بمستوى متدني في قمة إسطنبول الأخيرة حول القدس، في حين كانت مشاركات الكويت وعمّان وقطر على مستوى رفيع. وبهذا تم منح إيران ووكلائها مزيداً من الحجج لتوجيه الاتهامات.
في الواقع إن ما يكمن في أساس السياسة الأمريكية الدافعة إلى الاستقطاب والنزاع، هو "سياسة الإسلام السياسي" التي اختارتها هي بنفسها. وهذا الخيار يستند إلى مزاعم إسرائيل والدول الداعمة للمنظمات المتطرفة مالياً وأيديولوجياً منذ زمن بعيد.
وخير مثال على ذلك تصريحات المستشار القومي للرئيس الأمريكي ماك ماستر حول أن "تركيا تدعم الإسلام المتطرف" والذي يرى أن "حزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا يتمتع بهوية إسلامية تُبعد تركيا عن الغرب" ليعود بعد فترة قصيرة ويعدل هذه التصريحات ليصف تركيا بأنها دولة "معتدلة ومتقدمة"، لكن على الرغم من هذا فإنه أظهر مقاربته "المتطرفة" للحركات الإسلامية.
وبهذا أظهر وجود تشابه في آرائه مع آراء المستشارين المستقيلين ستيفن بانون أو سباستيان بوركا.
بحسب عقلية ماك ماستر أيضاً، فإن "تسيّس" الحركات الإسلامية ستؤدي حتماً في النهاية إلى "التطرف". هذا المقترح الذي لدى عقلية ماك ماستر، هي نفس المقترح الإماراتي، والسعودي ونظام عبد الفتاح السيسي الذين يخشون من الحركات الإسلامية الديمقراطية.
محاولة إخماد جميع الحركات الإسلامية "المسيّسة" عبر إعلانها أنها "إرهابية" بما فيها حركة الإخوان المسلمين، لا يحمي شعوب الخليج من أيديولوجية التطرف. إذ أنه من الواضح جداً أن هذه المقاربة أفلست مراراً بدءاً من أيام القاعدة وحتى تنظيم "داعش" مؤخراً.
باختصار، يجب إلقاء نظرة على التاريخ القريب من أجل التنبؤ بالفشل والإفلاس الذي ستؤول إليه سياسة ترامب المتعلقة بـ "الإسلام السياسي" والتي تحمل براءة اختراع إسرائيلية إماراتية، مثلما فشلت وأفلست سياسة أوباما غير الصادقة حول "الإسلام المعتدل". ولربما تقوم واشنطن بتصرفها هذا، بـ "فتح الطريق أمام المتطرفين" وهي تدرك ذلك جيداً.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!