د. زبير خلف الله - خاص ترك برس
يقوم رئيس الجمهورية التركية السيد رجب طيب أردوغان بزيارة إلى القارة الافريقية تشمل هذه المرة ثلاث دول افريقية وهي السودان والتشاد وتونس، وتأتي هذه الجولة الافريقية للرئيس التركي في سياق خيار الانفتاح الذي انتهجته تركيا منذ سنة 2002 في سياستها الخارجية وسعيها إلى أن تكون حاضرة في كل مناطق النفوذ المختلفة في العالم للاستفادة من هذه المناطق سواء كان على المستوى الاقتصادي أو على المستوى الاستراتيجي.
وبغض النظر عن العلاقات التاريخية القديمة بين تركيا والقارة الافريقية في العهد العثماني فإن افريقيا باتت تمثل خيارا استراتيجيا مهما بالنسبة الى تركيا الجديدة لما تتميز به القارة من ثراء في الثروات الطبيعية الهائلة وكذلك لأهمية هذه القارة من الناحية الاستراتيجية في سياق الصراع الجيوستراتيجي بين القوى الإقليمية والدولية.
أهمية القارة الافريقية بالنسبة الى تركيا
انتبهت تركيا حتى من قبل مجيء حزب العدالة والتنمية بقيادة أردوغان الى الاهمية الكبرى التي تتميز بها القارة الافريقية من الناحية الاقتصادية ومن الناحية الاستراتيجية وعلى أن القارة الافريقية تعد مجالا حيويا يمكن أن يساهم في تفعيل الدور الديبلوماسي والاقتصادي لتركيا اقليميا ودوليا ويعطيها قدرة على لعب دور مؤثر في المنطقة.
وتنظر تركيا الى افريقياعلى أنها القارة الأهم التي تتمتع بموقع استراتيجي بالغة الأهمية يتحكم في الطرق المائية الدولية ويتحكم في كل المضائق الذي تعبر منها التجارة العالمية ولعل قناة السويس تأتي في مقدمة المضائق الكبرى الذي ظلت وستظل المنفذ الأهم في العالم الذي يتحكم في سياسة الخارطة الجيوسياسية والاقتصادية في السياسة الدولية ، كما نجد مضيق باب المندب الذي لا يقل أهمية عن قناة السويس بل ربما يمثل اكثر أهمية منها باعتباره يتحكم في مدخل قناة السويس ولعل هذا مايفسر احتدام للصراع في اليمن بين القوى الاقليمية والدولية. وهناك مضيق آخر مهم جدا بالنسبة الى تركيا تتميز به القارة الافريقية وهو مضيق جبل طارق الذي يربط بين القارة الأوروبية والقارة الافريقية وهو معبر مائي مهم على المحيط الأطلسي ويوصل الى القارة الأمريكية والأهم يوصل الى غرب القارة الافريقية الغنية بالثروات البحرية وبموقعها الاستراتيجي في المجال الاقتصادي الحيوي اضافة الى كونه المعبر المائي الأهم في الجهة الشمالية الغربية للقارة الافريقية مما يجعل تركيا توليه أهمية كبرى خصوصا أن هناك دولا أوروبية خصوصا فرنسا وانجلترا تريدان التحكم في هذا المضيق الحيوي المهم على مستوى النشاط الاقتصادي وعلى مستوى الخارطة الجيوستراتيجية في العالم.
إذن تأتي أهمية القارة الافريقية بالنسبة الى تركيا على اعتبار أن هذه القارة غنية جدا بثرواتها الطبيعية المختلفة خصوصا النفظ والفوسفات واليورانيوم والذهب والنحاس والحديد وغيرها من الثروات الطبيعية التي لا تتوفر في بقية القارة الاخرى في العالم وهذا مايجعل تركيا تولي لهذه القارة أهمية كبرى ولعل زيارة أردوغان للسودان والتشاد وتونس تعد واحدة من الخطوات المهمة التي تخطوها تركيا لكي تكون لاعبا مهما في الساحة الافريقية التي تشهد تنافسا كبيرا بين عدة قوى دولية تحاول الاستفادة من هذه القارة الثرية من حيث المصادر الطبيعية المختلفة ومن حيث كذلك أهمية موقعها الاستراتيجي.
إن تركيا تنظر إلى القارة الافريقية في سياستها الخارجية على انها القارة الأهم في العالم على اعتبار انها قارة تسيطر على حركة المواصلات العالمية بين قارات آسيا وأوروبا وإفريقيا، وتنتج 12 في المائة من إنتاج العالم من النفط والفوسفات في الشمال والنحاس والذهب في الوسط بالإضافة إلى اليورانيوم والحديد والقصدير والزنك والرصاص والألماس، بالإضافة أيضا إلى الموارد الزراعية المتنوعة ومساحات شاسعة من الأراضي الصالحة للزراعة وثروة حيوانية تضم أعداداً ضخمة من المواشي والأغنام والإبل والثروة السمكية الهائلة، ويمثل احتياطيها من النفط 15 في المائة من احتياطي العالم، ويتوفر في القارة 50 في المائة من الطاقة الكهرومائية والمستغل منها 2 في المائة فقط بالإضافة إلى الطاقة الشمسية في الصحاري ىما جعل هذه القارة ساحة للتنافس الدولي.
ولم تكن الأهمية الكبرى التي توليها تركيا للقارة الافريقية وليدة لحظة أو وليدة فترة قصيرة إنما هي أهمية تعود الى عهد الدولة العثمانية التي كانت تدرك تماما الأهمية الاستراتيجية لهذه القارة وكانت على صراع كبير مع فرنسا وإنجلترا والإيطاليين وغيرهم. لذلك فإن الدولة التركية في سنة 1998 أصدرت وثيقة سياسة تركيا في إفريقيا من أجل تعزيز الحضور التركي في الساحة الافريقية على كافة المستويات السياسية والاقتصادية والديبلوماسية والاستراتيجية، وقد عملت حكومة أردوغان منذ سنة 2002 على الانتقال فعليا في تفعيل وثيقة 1998 في سياق سياستها الخارجية المنفتحة على كافة الفضاءات الدولية ومواطن النفوذ التي تعود على تركيا بالمنفعة،
كما عملت تركيا على الدخول الى الساحة الافريقية وفق خلفية استراتجية وفي سياق تنافس دولي كبير على هذه القارة المهمة. وقد عملت تركيا الجديدة في عهد أردوغان من خلال هذه السياسة الافريقية إلى تعزيز الروابط التاريخية والثقافية و الدبلوماسية والاقتصادية بين تركيا وبقية الدول الإفريقية ، وقد كانت زيارة أردوغان التي قام بها سنة 2005 إلى أثيوبيا وجنوب افريقيا مؤشرا مهما على مدى جدية تركيا في الانفتاح على باقي دول الاتحاد الافريقي وتعزيز العلاقات الأمر الذي جعل تركيا تستضيف سنة 2008 المؤتمر الافريقي التركي والتي أعلن فيها عن وثيقة الشراكة التركية الافريقية من الناحية الاستراتيجية والاقتصادية.
ويعد هذا الاعلان مكسبا كبيرا بالنسبة الى تركيا التي يتضح أنها الشريك الاكثر مقبولية لدى الكثير من الدول الافريقية ممثلة في الاتحاد الافريقي مما سمح الى تركيا الى الدخول الى السوق الافريقية بمنتجاتها المختلفة وتشير التقديرات الى أن حجم المبادلات التجارية الى حدود سنة 2016 تفوق 12 مليارا دولارا أي بنمو اكثر من 10 مليار دولار منذ مجيء حزب العدالة والتنمية الى السلطة. ويبدو أن الدبلوماسية التركية اعتمدت آلية مؤتمرات القمة لدعم التعاون مع إفريقيا، حيث تم الاتفاق على أن تنعقد قمة التعاون التركي-الإفريقي مرة كل خمس سنوات حيث انعقدت القمة التركية الافريقية الثانية عام 2013 مما عزز أفق التعاون التركي الافريقي وينتظر ان يتم عقد القمة التركية الافريقية الثالثة سنة 2018 ولعل زيارة أردوغان تاتي ضمن هذه الاستراتيجيات لمشاركة أوسع لبقية الدول الافريقية في هذه القمة القادمة منها السودان والتشاد وبقية الدول الافريقية التي تعمل تركيا على تشريكها في القمة.
التحديات التي تواجه تركيا في افريقيا
على الرغم من النجاحات التي حققتها تركيا في تطوير علالقاتها مع الدول الافريقية الا أن حضورها مقارنة مع بقية الدول الغربية والصين وايران مازال ضعيفا مما يجعل هذه العلاقات الافريقية التركية تمر بتحديات اهمها التنافس العالمي على القارة الافريقية خصوصا بين فرنسا والصين والولايات المتحدة وإيران واليابان وروسيا وايطاليا والكيان الصهيوني الذين نجحوا بشكل كبير في الهيمنة على مصادر الثروات الطبيعية والاقتصادية في افريقيا وعزز حضورهم من الناحية الاستراتيجية وفق قاعدة من يملك الاقتصاد يستطيع ان يتحكم في الخارطة الجيوستراتيجية أو بعبارة أخرى التحكم في مواطن النفوذ والهيمنة.
وهذا الحضور الكبير للقوى الدولية المنافسة يعد تحديا كبيرا بالنسبة الى تركيا التي تحتاج أن تنتهج سياسة خارجية فعالة في كسب علاقات ديبلوماسية مع كل الدول الافريقية خصوصا أن هناك مشتركات تاريخية وحضارية بينها وبين أغلب الدول الافريقية حيث مازال الأفارقة ينظرون الى الدولة العثمانية نظرة إيجابية ولا ينظرون اليها على أنها دولة استعمارية مثلما هو الحال الى بقية الدول الغربية الأخرى التي تتنافس في افريقيا مثل فرنسا والولايات المتحدة وغيرها. وهذه النظرة الايجابية تجاه تركيا تعد نقطة بالنسبة اليها يجب استثمارها بشكل فعال وإيجابي.
لعل التحدي الثاني والأهم هو الحروب الداخلية الموجودة في القارة وخصوصا المسألة الليبية التي تهدد أمن افريقيا واستقرارها مما يتحتم على تركيا أن تعمل بشكل جدي على المساهمة وطرح مبادرة حقيقية لانهاء النزاع والحرب الأهلية في ليبيا التي تعد الدولة الاولى التي تملك ثروات نفطية كبيرة جدا وكذلك النحاس والذهب واليورانيوم اضافة الى الخط الساحلي الذي يبلغ 2000 كلم على البحر المتوسط مقابلا الى تركيا.
لعل صناع القرار في تركيا يدركون مدى خطورة هذا التحدي لكنهم مدعوون اليوم لكي ينجحوا في الدخول الى الساحة الافريقية وأن يقطعوا الطريق على بقية القوى المنافسة التي تعمل على خلق فوضى وحروب أهلية داخل افريقيا حتى يفضى لهم الجو لنهب ثروات هذه القارة الغنية. تركيا الحديث محتاجة ان تتعامل مع الشعوب الافريقية بمعطى انساني مختلف تماما عن الخلفية الاستعمارية التي قادها الغرب ضد أبناء هذه القارة السمراء واستعبدوهم وقتلوهم.
أعتقد ان حجم النشاطات الاغاثية التي تقدمها تركيا الان في عدة دول افريقية وعلى رأسها منظمة الاغاثة الانسانية التركية IHH تفوق بكثير حجم العمل الاغاثي التي تقوم بها كل هذه الدول الغربية المتنافسة وهذا في الحقيقة يخلق سمعة طيبة لدى قادة القارة السمراء ولدى شعوبها ويسهل لتركيا الدخول بشكل قوي في الساحة الافريقية على كافة مستوياتها ومجالاتها.
لعل التحدي الثالث الأخطر هو عملية الهجرة التي تشهدها القارة الافريقية من أبنائها نحو الضفة الشمالية وهذا ربما يضعف القارة في أهم ثروة عندها وهو الطاقة البشرية خصوصا الشباب الذي يعد أهم عامل في مسيرة الاستقرار وتنمية القارة. وهنا يتطلب من تركيا أن تسعى مع بقية الدول الافريقية للحد من ظاهرة الهجرة والعمل سوية على خلق مشاريع اقتصادية وتنموية تساعد على تحقيق الاستقرار الاجتماعي والأمني وتؤهل الشباب الافريقي على الانخراط في بناء قارته والدفاع عنها.
خلاصة القول فإن زيارة أردوغان الى السودان ومن بعدها الى تشاد ثم تونس يعد أحد أهم الخطوات التي يجب على تركيا أن تستمر فيها من أجل ربط علاقات متينة مع هذه الدول . فالسودان تعد الدول الأكثر تعرضا للفقر رغم ما تتميز بع من اتساع مساحات أراضيها الخصبة ذات التربة الأفضل في العالم ، كما ان التشاد هذه الدولة الفقيرة والتي مازالت تعاني الى يومنا هذا من تخلف اقتصادي وتنموي رغم أنها تتمتع بثروة نفظية هائلة ووجود اليورانيوم والنحاس والذهب الا أن كل هذه الثروات مازالت تنهبها فرنسا وبعض الدول الاخرى، أما تونس فهي الدولة الأقرب الى تركيا سواء في المقاربة السياسية أو حتى في المشتركات الثقافية والتاريخية والحضارية وتعد تونس بالنسبة الى تركيا بوابة افريقيا الأنسب لما تتميز به من موقع استراتيجي مهم يطل على الضفة الشمالية الأوربية وكذلك على الضفة الشرقية على تركيا.
زيارة أردوغان إذن هي زيارة تحمل في داخلها مضامين مهمة ترمي الى تعزيز حضور تركيا في افريقيا على المستوى الاقتصادي والاستراتيجي والانساني والديبلوماسي وهذا سيكون له التأثير الايجابي في خلق محاور استراتيجية جديدة لتركيا في قلب القارة الافريقية في ظل صراع المحاور التي يشهدها العالم كله.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس