ترك برس
نشرت صحيفة فرانكفورتر روندشاو الألمانية، تحليلا للمحرر السياسي تيمور تينتش، عن حركة فتح الله غولن، المتهم الرئيس بتدبير محاولة الانقلاب الساقط في تركيا عام 2016، رأى فيه أن الحركة "مافيا لا علاقة لها بالدين، لكنها تستغله من أجل الوصول إلى السلطة".
وعرض تينتش لسيرة غولن منذ أصبح إماما وهو في سن الثامنة عشر وكان يكتسب باستمرار في فترة الثمانينيات المزيد من الأتباع بوصفه داعية متنقلا. وكان شعاره هو "بناء المدارس بدل المساجد"، ولذلك كان يتمتع بدعم نشط من الحكومات العلمانية في الفترة بين عامي 1986 و1997.
وفي تركيا أنشأت حركة غولن بسرعة وفي فترة قصيرة مراكز للدروس الإضافية ومساكن للطلبة وجامعات، وكانت هذه المنشآت التعليمية تشكل الأساس المالي للحركة، وتدير شؤونها المالية من شركة كيناك القابضة. وأضيفت إلى هذه المشاريع أيضا شركات إعلامية ومستوصفات وكذلك مصرف للإقراض، هو بنك آسيا.
توجه حسب التيار الإسلامي المحافظ
يقول الباحث في العلوم الإسلامية، بكيم آغاي، من جامعة غوته في فرانكفورت إن "غولن صوّر على أنه ’مسلم نموذجي" ، كان يقدم توليفة بين القيم الإسلامية والفصل الذي وضعته الكمالية بين الإسلام والسياسة". ويضيف: "لكن عند النظر عن كثب إلى كتبه نلاحظ أن فهمه للإسلام يتوجه حسب التيار المحافظ، وأن حججه وبراهينه تقليدية، وهدفه هو تشكيل نخبة متديِّنة تكون قادرة على قيادة الدولة والسيطرة عليها في نهاية المطاف."
وينقل تينتش عن غونتر زايفرت من المعهد الألماني للشؤون الدولية والأمنية (SWP) في دراسة أعدها، أن حركة غولن تمكنت شيئا فشيئا من التغلغل في جهاز الدولة التركية. ويضيف: "لأن هذه الشبكة قد تخلت عن الإظهار الاستعراضي لهويتها الدينية، ولكن أيضا لأن غولن كان يتعاون في السابق مع الدولة، فقد تمكن أتباع الحركة، على الرغم من بعض موجات التطهير في مطلع التسعينيات، من تكوين علاقات في الدوائر الحكومية وأجهزة الدولة، وخاصة في الشرطة والقضاء وكذلك في الجيش".
وقد أخذ هذا بعدا جديدا مع انتصار حزب العدالة والتنمية الإسلامي المحافظ في انتخابات عام 2002. وتحالف حزب رئيس الوزراء حينها رجب طيب أردوغان مع أتباع غولن، الذين كانوا موجودين بالفعل في أجهزة الدولة.
في تلك الفترة كان فتح الله غولن، منفيًا منذ فترة طويلة في ولاية بنسلفانيا الأمريكية. فبعد وقوع انقلاب الثامن والعشرين من شباط/ فبراير 1997، اتهمت حركة غولن بأسلمة الجيش.
لا علاقة لحركة غولن بتركيا ولا بالإسلام
يقول الباحث في العلوم السياسية، بيرم بالجي، من معهد الدراسات السياسية الفرنسي (Sciences Po) إن حركة غولن تعمل في الخارج "بوصفها ممثلا عالميا للقيم الإسلامية المحافظة والقومية التركية، ينشر اللغة والثقافة التركية في العالم". ويضيف أن المؤسسات والمنشآت التعليمية والثقافية لا تهتم فقط بالوصول إلى أبناء الجاليات التركية في الخارج، بل بالوصول أيضا إلى المجتمع المضيف.
ويلفت بالجي إلى أنه لا توجد للحركة في كثير من الأحيان في الخارج أي علاقة بتركيا أو بالإسلام. ففي أوروبا الغربية والولايات المتحدة الأمريكية تركز الحركة على الرقي الاجتماعي للأشخاص المحرومين وكذلك على الحوار بين الأديان مع المسيحيين واليهود، وكثيرًا ما يخفي أنصارها صلتهم بفتح الله غولن.
وفي منطقة القوقاز وأفريقيا أسس أنصار غولن شركات وساهموا في التعاون الاقتصادي. وقد استغل حزب العدالة والتنمية أيضًا هذه العلاقات. ففي الفترة بين عامي 2002 و2013 ارتفع عدد السفارات التركية في أفريقيا من تسع عشرة إلى أربع وثلاثين سفارة. ووفقا لتعبير بالجي، "كان أتباع غولن طليعة هجوم القوة الناعمة التركية".
ويصف بينتش نقلا عن صحفي تركي أنشطة الحركة بأنها ذات وجه مدني يستخدم كواجهة لطبيعتها "العسكرية". وقد ظهر ذلك للمرة الأولى في ما يعرف باسم محاكمات "أرغينيكون". ففي عام 2007 وجه مدعو العموم الموالون لفتح الله غولن اتهامات إلى مئات من العسكريين السابقين والسياسيين المعارضين والصحفيين والمحامين بالانتماء إلى منظمة سرية من المفترض أنها كانت تحاول الإطاحة بالحكومة.
وفي الوقت نفسه افتتح رجال الأعمال الأثرياء في الجمهوريات السوفييتية السابقة، وخاصة في منطقة القوقاز، وفي دول البلقان الجديدة وأفريقيا وآسيا الوسطى نحو ألف مدرسة في مئة وستين دولة؛ كانت تقدِّم تعليما حديثا وعلمانيا.
دولة عميقة جديدة
وتؤكد ذلك أيضًا رسائل البريد الإلكتروني الداخلية لشركة ستراتفور الأمنية الأمريكية، التي كشف عنها موقع ويكيليكس في عام 2010. وتذكر هذه الرسائل مخبرين من حركة غولن، يتحدثون حول وجود تسلسلات هرمية واضحة وهياكل قيادية على شكل آمر ومأمور، وكذلك حول "عمليات تجنيد" في مدارس غولن. ويرد في هذه الرسائل أن "الطلاب الأكثر ولاء يوضعون بالتحديد في المناصب المهمة داخل الدولة، والأكثر موهبة يرسلون إلى الأكاديمية العسكرية".
وقد وصف غولن في أعماله المبكرة أتباعه بأنهم "مجندون". لقد تم بطبيعة الحال تجنيد هؤلاء الأتباع في تركيا أولا وقبل كلِّ شيء، ولكن كذلك في مساكن الطلبة، أي فيما يعرف باسم "بيوت النور"، الموجودة أيضا في الغرب بما فيه الولايات المتحدة الأمريكية وألمانيا.
كتبت مجلة "فورين بوليسي" الأمريكية في عام 2010: "صحيح أن الحكومة التركية تمكنت من كبح سلطة الجيش، ولكن مع ذلك فقد ظهرت في تركيا دولة عميقة جديدة. ومن جانبه أدرك أردوغان ذلك أيضا، واتهم المحاكم الخاصة، التي كانت مليئة بكوادر موالين لفتح الله غولن، بأنها تعمل كـ"دولة داخل الدولة".
ونتيجة إدراكه أن حركة غولن قد اكتسبت قدرا كبيرا من السلطة، فقد أعلن أردوغان في شهرنوفمبر/ تشرين الثاني 2013 إغلاق مدارس الدروس الإضافية التابعة للحركة. وبعد شهر فقط، في السابع عشر من كانون الأوَّل/ ديسمبر 2014، بدأ مكتب المدعي العام المقرب من غولن فتح تحقيق شامل بتهمة الفساد ضد أردوغان.
وبعد ذلك أعلن الرئيس التركي أن حركة غولن منظمة إرهابية وفتح الله غولن عدو الدولة رقم واحد. وقد تعرض عشرات الآلاف من المدعين العامين وضباط الشرطة للفصل وكذلك للنقل من عملهم، بالإضافة إلى إغلاق مؤسَّسات وشركات إعلامية ومصادرتها.
العقل المدبّر للانقلاب
تصاعد الصراع بين الرئيس، رجب طيب أردوغان، وحركة غولن في نهاية المطاف مع محاولة الانقلاب الساقط في الخامس عشر من تمّوز/ يوليو 2016، التي سقط فيها أكثر من مئتين وخمسين قتيلًا وألفين ومائتي جريح. وبعد ساعات فقط من هذه المحاولة اتَّضح لحكومة حزب العدالة والتنمية أنَّ أتباع فتح الله غولن كانوا وراء هذا الانقلاب.
ويقول غاريث جينكينز من المعهد السويدي للأمن والتنمية، إن ضباط غولن قد علموا على الأرجح بموجة التطهير التالية في جهاز الأمن وأرادوا استباقها بانقلاب. ويعتقد أن فتح الله غولن من غير المرجَّح أن يكون قد قام بتوجيه عملية الانقلاب كلها.
ولكن مع ذلك فقد رفضت الولايات المتَّحدة الأمريكية طلب تركيا تسليمها فتح الله غولن، وكذلك امتنعت الحكومة الألمانية الاتِّحادية عن تسليم الحكومة التركية أتباع غولن، الذين هربوا بعد محاولة الانقلاب إلى ألمانيا.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!