نظير الكندوري - نون بوست
مع انطلاق المظاهرات في مدن إيران المختلفة، وازدياد وتيرتها بسرعة لتتحول شعاراتها من الاعتراض على الوضع الاقتصادي السيء الذي يعيشه الشعب الإيراني، إلى شعارات سياسية تطالب بأسقاط النظام واستبداله بنظام أخر. توقع كثير من المراقبين ان الموقف الدولي سيكون مختلفاً عن الموقف الذي نراه اليوم، بالأخص مواقف الدول التي عانت من سياسات النظام الإيراني المعتمدة على التدخل في شؤون الدول الأخرى، ودعم الميليشيات الإرهابية المنتشرة بأكثر من دولة عربية.
وما يهمنا هنا هو الموقف الرسمي التركي حيال تلك المظاهرات، فعلى الرغم من أن الموقف التركي كان ولا زال داعماً لشعوب المنطقة وتطلعاتها في الانعتاق من الأنظمة الدكتاتورية، إلا إننا تفاجئنا بموقفها من الانتفاضة الإيرانية. كانت وجهة النظر الرسمية التركية حيال تلك المظاهرات، أنها صنيعة الولايات المتحدة وإسرائيل لغرض تفكيك الدول التي تقف في وجهها!! وفي ذلك يقول وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو: "يوجد شخصان يدعمان ما يجري هما الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو". وبموقفه هذا يجعل المظاهرات الايرانية مجرد اعمال شغب تمت بتحريض من الغرب واسرائيل نافياً عنها وطنيَّتها ومطالباتها بتغير النظام الذي لم يضطهد الشعب الايراني فحسب، أنما كل شعوب المنطقة.
الأسباب الحقيقية للموقف التركي
والمراقب للسياسة التركية يجد ان الأسباب التي جعلت تركيا تتخذ مثل هذا الموقف الغريب عن مسارها السياسي المعتاد، أكثر مما أعلنته على وسائل الاعلام، ويتعلق بمخاوف تركية داخلية وخارجية، منها خوف تركيا من ان تتحول المظاهرات إلى حرب أهلية تفكك إيران، وسوف يصب ذلك في مصلحة إسرائيل، واحتمالية انتقال هذه العدوى للداخل التركي المشكل ايضاً من عرقيات مختلفة كما هو الحال في إيران، ولمصلحة ذات الدولة. خاصة وأن تركيا تعاني من مشاكل كبيرة مع الحركة الانفصالية الكردية في جنوب وشرق البلاد. السبب الاخر هو التجربة المريرة التي مرت بها تركيا مع الازمة السورية التي هددت أمنها القومي، ومشكلة اللاجئين السوريين التي أصبحت مشكلة اجتماعية واقتصادية في تركيا واستغلت احزاب المعارضة تلك المشكلة ضد حزب العدالة والتنمية الحاكم، وحدوث مشكلة مماثلة لدولة كبيرة جارة كإيران يشكل تحدياً خطيراً على تركيا لو تدفق من هناك نازحين بأعداد كبيرة. كما وترفض تركيا التدخل الخارجي بإيران بشدة، على اعتبار أن ما يحدث شأن إيراني داخلي، ومن شأن التغاضي عن التدخل بالشأن الداخلي الإيراني، أن يكون مسوغاً للتدخل بالشأن التركي مستقبلاً، لكنَّ هذا ما لا تؤمن به إيران. حيث ان سياسة إيران الخارجية تعتمد بالكامل على سياسة التدخل بدول الجوار وخلق مناطق النفوذ لها دون مراعاة لموضوع عدم التدخل بالشؤون الداخلية للدول الأخرى.
أما بخصوص التحالفات الاقليمية فكما هو معلوم فأن تركيا وجدت نفسها وبغير رغبة منها ضمن تحالف يضم الروس والإيرانيين في المشكلة السورية وبالضد من الولايات المتحدة الامريكية التي تهدد تركيا بتشكيل دويلة كردية في شمال سوريا وبمحاذات الحدود التركية، الامر الذي يشكل خطر جدي على الامن القومي التركي، فتجد تركيا ان أي تخلخل لهذا التحالف من خلال سقوط النظام الإيراني، سوف يؤثر سلباً على جهود تركيا بالملف السوري.
وتعتقد الحكومة التركية ان من الواجب عليها أن تقف بموقف مساند للحكومة الايرانية، رداً على موقف الاخيرة المساند لها بموضوع المحاولة الانقلابية الفاشلة التي جرت في 15 تموز / يوليو 2015. وتعتقد الحكومة التركية بأن تغير أي نظام حكم ديمقراطي يجب ان يكون من خلال العملية الانتخابية وليس من خلال الفوضى، ذلك ما عبر عنه وزير الخارجية التركي الذي ذكّر بالموقف الدولي من الانقلاب في مصر وكيف دعمت الدول الغربية الانقلاب ضد حكومة محمد مرسي المنتخبة والشرعية، وقارنه بالحكومة المنتخبة في طهران والتي "يجب ألا تسقط إلا بالانتخابات"، لكنه نسي ان أيَّة انتخابات لا يمكنها اسقاط نظام ولي الفقيه في إيران، لان الانتخابات هناك وببساطة تجرى ضمن منظومة ولي الفقيه، وبالتالي فأن ما يجري في إيران هو بعيد عن أية آلية ديمقراطية يعرفها العالم.
أما ما تقوم به وسائل الاعلام التركية من مقارنات بين ما يحدث في إيران وما حدث في تركيا سنة 2013 التي خرج فيها متظاهرين بأحداث “جيزي بارك” ، والتي بدأت على شكل احتجاجات محدودة على قطع بضع أشجار في ميدان “تقسيم” في إسطنبول، لم تلبث لتتحول لمظاهرات واسعة تخللها الكثير من الفوضى والعنف، واتهمت أنقرة حينها بعض الدول بدعمها لإدامتها وتأجيجها، لكن مقارنة وسائل الاعلام التركية بين الحادثتين بعيدة كل البعد عن الحقيقة فالذي حدث في "جيزي بارك" كان واضح جداً التدخل الغربي في اذكاء نارها، بينما المظاهرات الإيرانية خرجت لأسباب حقيقية تمثلت بمعاناة الشعب الإيراني من فقر وجوع وهم يعيشون في بلد من أغنى البلدان النفطية.
هل تقوم إيران بمثل ما تقوم تركيا؟
ولو عقدنا مقارنة بين المواقف التركية والمواقف الايرانية لوجدنا هناك تباين كبير بين البلدين بينهما، فالأخيرة لا تتردد بدعم أية منظمة إرهابية ضد تركيا ما دامت تحقق لها مصالحها الاستراتيجية بالمنطقة، والأمثلة على ذلك واضحة وكثيرة، فالذي تقوم به إيران في سوريا ومنذ أكثر من ستة سنوات، واضح بشكل كبير وبالضد من تركيا، من خلال مساندتها للنظام الدكتاتوري في دمشق ودعمه بالمليشيات الإرهابية التي جمعتها من كل حدب وصوب، وإرسال الخبراء العسكريين والمقاتلين الإيرانيين إلى سوريا. كل تلك الجهود كانت بالضد من تركيا التي دعمت ثورة السوريين ورغبتهم بالتحرر من الدكتاتورية.
والمثال الاخر هو دعم النظام الإيراني لمنظمة حزب العمال الإرهابية وتسهيل تواجدها في العراق وتقديم الدعم العسكري لها بواسطة مليشيا الحشد الشعبي والحكومة العراقية المواليين لإيران. وإيران تعلم تمام العلم بأن تلك المنظمة الإرهابية هي من أشد المنظمات وأكثرها اجراماً في تركيا. بالمقابل لم تقوم الحكومة التركية بأي عمل سواء عسكري أو سياسي ضد نظام الحكم في إيران أو استهداف مصالحها، وحاولت إقامة علاقات جيدة مع إيران، بل إنها تدفع ضريبة مساندتها لإيران في فترة خضوعها للعقوبات الاقتصادية وتحاول الإدارة الامريكية استغلال ذلك لغرض فرض عقوبات اقتصادية عليها لخرقها تلك العقوبات.
وفي الوقت الذي لم يمضي على الموقف التركي الداعم للنظام الإيراني ضد التظاهرات السلمية للشعب الإيراني سوى أقل من عشرة أيام، قامت إيران بحث النظام السوري بالهجوم على مدينة إدلب، تلك المدينة التي تقع ضمن مناطق خفض التوتر والتي تم الاتفاق عليها بين الدول الثلاث الضامنة روسيا وإيران وتركيا، مسببة بنزوح مئات الالاف من السوريين تجاه تركيا، وهي تعلم تمام العلم ما في هذا الموضوع من حساسية لتركيا. وفي ذلك قال رئيس الوزراء التركي بن علي يلدرم: "إن القصف المتزايد على مدينة إدلب، سيتسبب في موجة هجرة، ووقوع ضحايا". فهل إيران وروسيا دول يمكن الاعتماد على المواثيق التي تعطيها؟ وهل مثل هذه الأنظمة يمكن التعامل معها على أساس الرد بالإحسان على اساءاتها؟
ما يفترض ان يكون عليه الموقف التركي؟
وفق قاموس السياسة المتعارف به بين الدول هو الرد بالمثل على أي تصرف تقوم به دولة ما ضد دولة أخرى، فيا ترى هل فكرت القيادة التركية ان تقوم بالمثل ضد دعم النظام الإيراني لمنظمة حزب العمال الكردستاني، وتقوم بدعم منظمة مثل منظمة مجاهدي خلق الإيرانية؟ وهل يمكن لتركيا ان تدعم القوى المناهضة للتواجد الإيراني بالعراق بمثل ما تقوم إيران بدعم المليشيات الإرهابية بالعراق وحكومته الطائفية؟ وهل تستطيع تركيا القيام بالرد بالمثل على دعم إيران للأسد في سوريا؟ من خلال دعم تركيا للمعارضة المسلحة السورية بنفس المستوى؟ تلك نقاط لا بد للقيادة التركية ان تفكر بها قبل ان تقدم على دعم النظام الإيراني ضد المتظاهرين السلميين في مدن إيران.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس