نظير الكندوري - خاص ترك برس
جاء الاستفتاء الكردي في شمال العراق ليشكل عامل توحيد بين دولٍ طالما كانت مختلفة في سياساتها الخارجية وبملفات عديدة، ففي الوقت الذي كانت تركيا وإيران تتناكفان في موضوع العراق وسوريا، ولم تكن لتركيا علاقات وطيدة بالعراق، جاء الاستفتاء الكردي ليجعل تلك الدول جميعاً تتوحد على هدف مشترك، متمثل في أفشال مساعي البارزاني للاستقلال عن العراق، ذلك لما سيشكله هذا الاستقلال من تهديدٍ جدي لجميع تلك الاطراف.
تُرجمت هذه المخاوف الى تأسيس حلف مؤقت غير رسمي، هدفه العمل على وأد المحاولة الكردية للاستقلال.
لكننا نعلم ان التنافس التركي- الإيراني في المنطقة، لا يوقفه مثل هذا التحالف المؤقت، والذي سوف ينهار قريباً لا محالة، لتعود إيران لسابق عهدها بدعم مناوي تركيا الداخليين والخارجيين.
وما تواجد حزب العمال الكردستاني في مناطق الأحزاب الكردية العراقية الموالية لإيران، إلا مصداقاً لما نقول، ودليل على ما تضمره إيران من ضغينة لتركيا.
وبعد ان وصلنا إلى أخر فصول الازمة الكردية وشارفت على الانتهاء، يجد المراقب للأحداث، أن تركيا خرجت منها بخسارة لحليف مهم هو البارزاني، وتكاد ان تفقد كل نفوذ لها سواء في كردستان أو العراق بشكل عام.
بينما خرجت منها إيران وهي تسيطر على كامل كردستان من خلال حلفائها الذين يسيطرون بالأصل على باقي أجزاء العراق. لقد كان اعتماد تركيا على حليف واحد في العراق هو البارزاني، أحد أهم أسباب القصور السياسي لتركيا تجاه العراق، وبعد ان انتحر البارزاني سياسياً بسبب استفتائه الأخير، وجدت نفسها بغير حليف لها في العراق، على عكس الحالة الإيرانية التي أكملت احتواء العراق بعربه وكرده وسنته وشيعنه، وكان حرياً بتركيا ان تعمل مثلما عملت إيران، لا أقصد أن تكون محتلاً جديداً للعراق مثل إيران والولايات المتحدة، إنما تساعد العراقيين بتوحيد صفوفهم ضد الاحتلالين وبطريقة شرعية.
لقد كان التعامل التركي في الازمة الكردية الأخيرة مختلفاً تماماً عن التعامل الإيراني، كان لإيران حلفاء متعددون في العراق، وفي أوج سخطها على الاكراد لم تتخلى عن حلفائها، وأبقت خطاب المودة الرسمي هو الغالب بعلاقاتها معهم، ولم تقطع اتصالاتها السرية معهم.
للدرجة التي ترى الأحزاب الكردية الان نفسها (حتى بعد ما فعلت إيران بهم ما فعلت) يجدون أنفسهم أقرب لإيران من تركيا.
كل ذلك يستدعي من تركيا إعادة التفكير والانطلاق بشكل مختلف عما كان سابقاً.
في أخر حديث للرئيس التركي رجب طيب أردوغان قال فيه: (حينما تتساقط آلاف القذائف على أراضينا، من حق القوات التركية التواجد في سوريا والعراق) فهل يُفسر كلامه هذا بأن الدرس قد تم استيعابه من قبل تركيا؟
هل بقيت فرصة لتركيا لتتدارك خسارتها؟
لكن هل من فرصة لتركيا لتتدارك خسارتها الكبيرة في العراق بشكل عام وفي كردستان بشكل خاص؟ والجواب هو نعم، وذلك من خلال إعادة تركيا النظر في أوليات سياسيتها الخارجية، وأدراك ان للعراق أهمية كبيرة لا تقل عن أهمية سوريا التي توجه تركيا كل جهودها لها؟ وان تعي تركيا بأن التهديد لوحدة الصف التركي لا يأتي من جارتها سوريا فحسب، بل ان ما يجري في العراق هو أكثر خطورة على الامن القومي التركي من سوريا، ومصداق كلامنا ما جرى في شمال العراق مؤخراً.
وإذا كان الحال هذا، فأن الواجب على تركيا التفكير بأن يكون لها تدخلاً بنَّاءً في العراق، تضمن خلاله استتباب الاستقرار فيه حتى لا يشكل مرة أخرى مصدر تهديد لها في المستقبل.
كيف السبيل لذلك؟
ولتحقيق هذه الرؤية لا بد لتركيا ان تدرس الحالة السياسية في العراق، فبعد انتهاء الازمة الكردية الحالية ستتجه انظار جميع السياسيين العراقيين الى الانتخابات النيابية القادمة سنة 2018 ، وسينهمكون في بناء التحالفات وعقد الصفقات السياسية لرسم الحالة السياسية للدورة الانتخابية الجديدة، وتبرز في خضم هذا الحراك السياسي هذا، فرصة كبيرة لبناء تحالفات جديدة تضمن أعادة التوازن للعملية السياسية الحالية التي تهيمن عليها الأحزاب الموالية لإيران لو وجدت راعي لها، وهنا يأتي الدور التركي لدعم مثل هذه التحالفات، وذلك من خلال العمل على تقريب السياسيين الاكراد والسياسيين العرب السنة لتشكيل تحالف بينهما ليكونوا منافسين حقيقيين للتحالفات السياسية الموالية لإيران، بل ويمكن ان تستفيد تركيا من جهود بعض الدول العربية التي تحاول حالياً تقريب بعض سياسي الشيعة الذين يودون الانعتاق من الهيمنة الإيرانية، وتحاول اقناعهم بالانضمام الى هذا التحالف الكردي السني، ليجعلوه تحالفاً عراقياً موسعاً يقف بالضد من تحالفات اتباع إيران بالعراق.
يسبق ذلك القيام بتحرك تركي سريع ومنذ الان على القيادات الكردية الجديدة لفترة ما بعد البارزاني، وترميم العلاقة مع الحزب الديمقراطي الكردستاني (جماعة البارزاني) والعمل ايضاً على الحزبين الاسلاميين الكرديين الاخريين، الاتحاد الإسلامي الكردستاني والجماعة الإسلامية، والاحتفاظ بعلاقات جيدة مع الأحزاب ذات الولاء الإيراني وعدم قطع الود معهم (حزب الطالباني وحزب كوران) وبنفس الوقت العمل مع جميع الأطراف السياسية العربية السنية، ومحاولة لم شملهم لكي يتحالفوا مع الكرد تمهيداً للانتخابات القادمة، ان هذه الجهود التركية سوف تلاقي ترحيباً من لاعب أساسي في العراق، هو الولايات المتحدة الامريكية التي يهمها كثيراً أي جهد يصب في تقويض النفوذ الإيراني في العراق، وربما يلعب الامريكان دور تجميع الجهود التركية مع جهود الدول العربية وجعلهما يصبان في مجرى واحد، بالإضافة الى قدرتها على تشجيع العبادي ليكون مع تلك الجهود أو على الأقل ليس ضدها.
ماهي فائدة العراقيين من كل هذه المساعي؟
نحن نفهم الفوائد التي ستعود بها تلك الجهود على مصالح تركيا والدول العربية، فيا ترى ما هي المصلحة التي تعود للشعب العراقي من كل تلك الجهود؟ لقد ذاق العراقيون ويلات التدخل الإيراني طيلة الأربعة عشر سنة الماضية، وبالتالي فأن أي جهد يصب في تحجيم هذا النفوذ ولجمه، سيعود قطعاً بالفائدة على الشعب العراقي، الامر الاخر هو أن المساعي التركية في العراق ستكون على أساس المصلحة المشتركة بين البلدين، ففي الوقت الذي تأذت تركيا كثيراً بسبب اهمالها للموضوع العراقي، حتى أصبح يمثل تهديداً يصل تأثيره إلى امنها الداخلي، ومصالحها الاقتصادية مع هذا البلد، فلديها الان مصلحة حقيقية في إعادة الاستقرار داخل العراق، ويجب عليها المساهمة في هذا الجهد.
أما من ناحية الشعب العراقي، فأن المشاكل التي يعاني منها منذ الاحتلال ولحد الان، كانت بسبب الاحتلال الأمريكي والتدخل الخارجي لدول الإقليم في العراق، وبالتالي فأن حل تلك المشاكل تستوجب تدخل خارجياً أيضاً، لا سيما وأن الشعب العراقي قد اُنهِك من الاحتراب الداخلي، ووصل الامر به إلى فقدان قدرته على حل مشاكله بمفرده دون مساعدة من الاخرين، وعندما كانت المشاكل التي يعاني منها العراقيين لا تضر أحد من دول الجوار، لم يكن هناك محفز لتلك الدول للتدخل لإنهاء معاناته، لكن بعد ما بدأ الشرر يتطاير من النار العراقية ويصل لدول الجوار، كان لزاماً عليها المساهمة بإطفائها، وما نعنيه في كلامنا هذا، ان المشكلة العراقية يجب ان تحل من خلال تدويلها، ويجب ان لا يترك مصيره تقرره طهران فقط.
كما ان واحدة من أقرب الفوائد التي سيجنيها العرب السنة من تحالفهم مع الاكراد في الانتخابات القادمة، هي حصولهم على عدد أكبر من المقاعد في البرلمان الجديد، يمكّنهم الحصول على مناصب سيادية مهمة في الحكومة المقبلة، إضافة الى وقوفهم امام أي تشريع يخدم إيران أو يكرس للطائفية كما هو الحال الان.
وشيئاً فشيئاً يمكنهم تحقيق التوازن للعملية السياسية والتي ستعود بالنفع على كل العراقيين. ناهيك عن تحقيق اكثر مطلب ملح للعرب السنة وهو تشكيل الإقليم السني الذي سيخلصهم من هيمنة الأحزاب الشيعية وبناء مناطقهم المهدمة، وبالتأكد ان هذا الامر سيحجم النفوذ الإيراني في مناطق العرب السنة بالإضافة الى مناطق كردستان.
ما هي العوامل المساعدة لتلك المساعي؟
هناك عوامل مساعدة عديدة للجهود التركية، للتدخل الإيجابي في العراق، وعوامل أخرى تجبر تركيا على المسير في مساعيها التي ذكرناها أعلاه، فالشعب الكردي يشعر الان بإحباط كبير مما ألت إليه الأمور بعد الاستفتاء على الاستقلال، بل ان الاقدام على الاستفتاء جعلهم يفقدون الكثير من مكتسباتهم التي حصلوا عليها بعد 2003، حيث نقلت صحيفة الاندبندت البريطانية عن العبادي إنه مصمم على إنهاء الاستقلال شبه الكامل لحكومة إقليم كردستان والتي تعود إلى عام 1991.
واستطاعت إيران استغلال هذه الحادثة لتطويع الاكراد وجعلهم تحت نفوذها، وبالتالي فأن تركيا تستطيع الاستفادة من هذا الشعور لكي تعيد التواصل معهم وتشجيعهم على التحالف مع باقي الأطراف السياسية العراقية ضد الأحزاب الموالية لإيران. بل يجب على تركيا الإسراع في عملهم هذا قبل ان تستطيع إيران احتواء كل الاكراد تحت رايتها.
الامر المهم الاخر هو ان على تركيا ايضاً العمل على احتواء حتى الاكراد الذين كانوا داعمين للاستقلال، ذلك لان حالة الإحباط الذي يعيشونها الان، ربما تجعلهم يقدمون على مد يد المساعدة لحزب بي كي كي او وحدات الشعوب الكردية السورية ضد تركيا، وهذا ما يشكل تهديداً مضافاً للتهديدات التي تواجهها تركيا.
كما وأن تركيا تستطيع الاستفادة من الجو العام الدولي المناهض للانفصال، وفشل تجربة انفصال إقليم كاتلونيا في اسبانيا مثال حي على ذلك، وكذلك الاستفادة من ان المثقفين الاكراد قد وصلوا الى حقيقة ان الانفصال الكردي موضوع بعيد المنال حالياً، والمفروض عليهم ان يتعاونوا مع شعوب المنطقة وكذلك مع الدول التي تتعاون معهم بصدق دون ان لهم نية الاستيلاء عليهم كما تفعل إيران. وتركيا كانت من أكثر الدول دعماً لإقليم كردستان في الفترة السابقة.
وحتى السياسيون الاكراد قد وصلوا حالياً لإدراك حقيقة ان تحالفهم مع الأحزاب الموالية لإيران ودعمهم لحكوماتهم في بغداد، قد عاد بالسوء عليهم، وأن الواجب عليهم منذ الان ولاحقاً ان يتحالفوا مع العرب السنة لكبح طموحات إيران بالعراق.
أضف إلى ذلك ان تركيا يمكنها استغلال الرغبة الامريكية الحالية لتحجيم قوة النفوذ الإيراني في العراق، وعلى الأخص بعد تغير سياسة واشنطن من إيران وطالبتها بشكل صريح الأسبوع الماضي بسحب ميليشياتها من العراق.
والاستفادة من الأردن في مسعى توحيد القبائل العربية السنية بسبب عمق علاقات العائلة الهاشمية مع تلك القبائل، واستضافة الأردن للعديد من الشخصيات العراقية السنية على أراضيها، كما يمكن الاستفادة من مساهمة قطر في تلك الجهود بسبب تنافسها مع السعودية التي هي بدورها تريد ان يكون لها دوراً في العراق.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس