محمود أوفور – صحيفة صباح – ترجمة وتحرير ترك برس
أمضينا عامين مُثقلين بالأحداث المزعجة. حيث بدأنا بمحاولة الانقلاب على الحكومة الشّرعية في 17 و25 تشرين الأول/ أكتوبر من العام 2013، مروراً بأحداث الشّغب التي حصلت في 6 – 8 تشرين الأول/ أكتوبر من العام 2014 بحجّة التّضامن مع أحداث بلدة عين العرب (كوباني) السورية والتي ما زالت مستمرّة حتى الآن ولكن في منطقة "جيزرة" التابعة لمحافظة شرناق جنوبي البلاد.
إنّ الهدف الرئيسي الذي كان يكمن وراء هذه الأحداث هو الإطاحة بحكومة حزب العدالة والتنمية وعرقلة مسيرة المصالحة الوطنية بين الأتراك والأكراد والتي عانينا منها على مدى مئة عام تقريباً.
قدّمت القيادة السياسيّة بزعامة رجب طيب أردوغان جواباً مناسباً لكلّ المؤامرات التي أحيكت ضدّ الدّولة التركية من خلال انتخابات الإدارة المحليّة وانتخابات رئاسة الجمهورية التي جرت عام 2014.
والآن ها قد دخلنا عام 2015. وعلى الرّغم من التّوقّعات التي تُفيد بأنّ 2015 لن تكون عصيبةً مثل عامي 2013 و2014، إلّا أنّ هذا العام لا بدّ أنّه سيحمل في طيّاته بعض المشاكل والمعوّقات. وسيكون المِحكُّ الرئيسي لهذا العام في شهر حزيران/ يونيو، حيث ستجري فيه الانتخابات البرلمانية التي تُعدّ استكمالاً لانتخابات الإدارة المحليّة وانتخابات رئاسة الجمهورية. وسيكون هذا الاستحقاق الانتخابي الذي ننتظره بمثابة تصفية الحسابات الأخيرة مع أولئك الذين لفّقوا الأكاذيب وحاكوا المؤامرات ضدّ الدّولة التركية.
وإذا كان الأمر كذلك، دعونا نلقي نظرةً على انتخابات عام 2015 ضمن هذا الإطار.
يدخل حزب العدالة والتنمية هذه الانتخابات خلف قيادةٍ جديدة وقائد جديد. فقبل أربعة أشهر استلم أحمد داود أوغلو منصب رئاسة الحزب من سلفه رجب طيب أردوغان. وعلى الرّغم من كل الانتقادات والتّهجّمات ضدّ هذا الشّخص، فقد رأينا كيف أنّه لا يهدأ ولا يركن بل أنّه يصول ويجول مُستخدماً خبراته الأكاديميّة من أجل خدمة هذا البلد وسدّ الفراغ السياسي الذي توقّع حدوثه الكثير من الحاقدين بعد رحيل أردوغان إلى القصر الرئاسي.
فكلّنا كنّا من الشّاهدين عليه وهو ينتقل من مؤتمرٍ إلى آخر ويجري الإصلاحات الاقتصادية والقضائية ويجدّد المواضع التي تحتاج إلى تجديد وتنشيط في بنية الحكومة التركية. فقد أظهر داود أوغلو من خلال نشاطه غير الطبيعي، عزمه على إنجاح ما وعد به أثناء تسلُّمِه لمهامه في قيادة الحزب والحكومة.
وإنّ الحافز الذي يتلقّاه حزب العدالة والتنمية من قِبل الزّعيم الفخري لحركة الإصلاحات المتمثّل بشخص الرئيس أردوغان والذي أعلن إصراره وعزمه على إنهاء وجود الكيان الموازي داخل بنية الدّولة وإتمام عمليّة المصالحة الوطنية، تجعل من حزب العدالة والتنمية المرشّح الأقوى بالفوز في الانتخابات المقبلة.
وضع أحزاب المعارضة:
بالنسبة لحزب الشّعب الجمهوري، فإنّ الوضع الدّاخلي لهذا الحزب يبدو أسوء بكثير من العام الماضي. فهم الآن لا يجدون من يعقد اتّفاقاً معهم. ولم يبقَ لديهم مرشّح توافقيّ ولا أي حزبٍ يرغب في التّحالف معهم. وعلى الرّغم من كلّ هذا لم يُجرِ حزبُ الشّعب الجمهوري أيّ تغييرٍ في هيكلية الحزب ولم تقُم قيادته بالاعتراف بأخطائها خلال الاستحقاقين الانتخابيين الأخيرين. بل على العكس تماماً فقد ازدادت الأمور تعقيداً داخل الحزب، حيث استقالت أحد أعمدة هذا الحزب "أمينة أولكار تارهان" وأسّست لنفسها حزب الأناضول. كما تمّ إخراج النّائب "سهيل باطوم" الذي كان يشغل مكانةً مرموقة في حزب الشّعب الجمهوري، بالإضافة إلى إحالة بيرغول أيمن غولير إلى اللجنة التأديبية. وهناك احتمال إبعاد مصطفى ساريغول من صفوف الحزب أيضاً.
ومع تراكم كل هذه المشاكل، فإنّ نجاح حزب الشّعب الجمهوري في الانتخابات المقبلة يشبه المعجزة الحقيقيّة. فهم سيحاولون جاهدين كي لا يفقدوا مقعد صدارة المعارضة. أمّا استلام السّلطة في البلاد فهذا حلم يصعب مناله.
أمّا وضع حزب الحركة القومية فهو لا يختلف كثيراً عن وضع حزب الشّعب الجمهوري. فهذا الحزب دخل في أزمةٍ حقيقيّة مع تقدّم المحادثات في عملية المصالحة الوطنية. فهم لا يستطيعون تأييد هذه المسيرة بشكلٍ علني ولا يستطيعون معارضتها على الملأ. وهم الآن بين نارين لا يستطيعون تبنّي سياسة معيّنة تجاه عملية المصالحة الوطنية. وأعضاء هذا الحزب يحاولون استثمار بعض الوعكات التي تصيب مسيرة المصالحة الوطنية للاستفادة منها وضرب حزب العدالة والتنمية من خلالها.
وبما أنّ وضع حزب الحركة القومية هكذا، فإنّ أعضاء هذا الحزب سوف يحاولون الحفاظ على مقاعدهم في الانتخابات البرلمانية القادمة.
المفاجئة الكبرى في هذه الانتخابات، هو خوض حزب الشّعوب الديمقراطي لهذا الاستحقاق الانتخابي تحت سقف الحزب معتمداً وواثقاً من نفسه على أنّه سيستطيع تجاوز عتبة العشرة بالمئة التي تخوّله دخول البرلمان التركي تحت اسم الحزب.
ولو نظرنا إلى تصرّفات قيادات هذا الحزب واستمرار أحداث الشّغب في المناطق ذات الأغلبية الكردية، فإنّنا نستطيع أن نقول بأنّ تجاوز حزب الشّعوب الديمقراطي لعتبة العشرة بالمئة صعب بل أقرب إلى المستحيل.
بالمقابل نجد أنّ أعضاء هذا الحزب يعوّلون على نجاح عملية المصالحة الوطنية من أجل تجاوز العتبة الانتخابية. فالأوضاع الفوضويّة لن تستمرّ حتى حلول موعد الانتخابات لأنّ زعيم حزب العمال الكردستاني عبد الله أوجلان لا يهدأ عن دعوة الأطراف الكردية إلى إلقاء السلاح ونبذ العنف في البلاد.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس