مستشار رئيس الوزراء التركي إتيان مهتشوبيان - ديلي صباح - ترجمة وتحرير ترك برس
أوجدت زيارة بوتين الأخيرة إلى تركيا فرصة جديدة لمن يهوى إجراء مقارنة بين أردوغان وبوتين كنشاط فكري. تتعدّد نقاط التشابه الواضحة بين الزعيمين. كلاهما في العمر نفسه، وقد أمضى كلّ منهما فترة طويلة في الحكومة ويُعدّان حاكمين مُطلقين للسلطة السياسية كما يُتّهمان باستغلال سلطتهما للحدّ من حريّة الصحافة، إلى جانب نقاط أخرى. ويشير تحليل أكثر أيديولوجيةً إلى أنّ كلا الزعيمين يجمع الوطنية مع النّهج المُحافِظ، ويتبنّى موقفاً حادّاً تجاه الغرب ويسعى إلى غرس ثقة بالنّفس من نوع جديد في المجتمع. أيضاً، هناك آراء أخرى تقول أنّهما مُتآمِران. فهناك رأي عام يزدري الأخطاء التي يرتكبانِها فضلاً عن وجود ازدراء على المستوى العالمي لهذين الزعيمين، الّذين يصعب "كبح جماحهما".
تجدر الإشارة إلى أنّ معظم التقييمات والتحليلات حول الرئيس رجب طيب أردوغان هي غاية في السّطحية بدرجة تدفع إلى الانتباه إلى أنّ المُلاحظات والتّقييمات المُتعلّقة ببوتين قد تكون خاطئة إذا استُخدِم فيها نفس العمق في التحليل. ولهذا السّبب، إنّ من المُفيد ترك الزعيم الروسي جانباً وتفحّص مستوى المنظور حول أردوغان. ربّما يعتقد إنسان غربي عادي يتابع الإعلام أنّ أردوغان يحكم تركيا بقبضة حديدية، ولا يُمكن اتّخاذ أي خُطوة أو نشر أي قصة خبرية أو مقالة رأي دون موافقته.
لكنّ هذه الفرضية لا تربطها بالواقع أي صلة. فالتّأثير الذي يملكه أردوغان على الحكومة يغطّي منظوراً عاماً فقط، وهو مشتَرَك أصلاً مع الحكومة من ناحية السياسة الخارجية والخيارات الأساسية. وهو بناءً على ذلك لا يملك أي تأثير على الاستراتيجيات والخطوات التي تتخذها الحكومة في أي مستوى. يضاف إلى ذلك أنّ الحكومة لا تعاني من مشكلة في مسألة "التشاور" مع الرئيس باستثناء تبادل المعلومات الأسبوعي المعتاد. تملك تركيا الآن الجو الأكثر تعدّدية منذ عقود ولم تمرّ في تاريخ الدّولة أي فترة توسّعت فيها حريّة التفكير بهذه الدرجة. ومع ذلك، لا يعني هذا أنّ اللاعبين السياسيين لا يسعون إلى التّأثير في هذا الجو، وفي هذا الصّدد يملك أردوغان الموهبة والقدرة على الإقناع.
سيكون من الصّعب تفهّم سلوك أردوغان وسبب نجاحه من دون تقديم تحليل حقيقي للجو السياسي التّركي. هذا الجو هو جوّ صراع. وينبع قلقنا الرئيسي من تسونامي النّجاح النّاجمة عن حقيقة أنّ بعض الدّوائر لا تستطيع قبول تولّي حزب العدالة والتنمية للسلطة. صحيح أنّ هذا الوضع فضّل حزب العدالة والتنمية إلا أنّ الحزب تعلّم تدريجياً كيف يستغل هذا الاستقطاب لصالحه. بدون شك، وقف أردوغان كأكثر الأطراف تأثيراً في هذا الجو السياسي المؤثّر وساهمت كل التهديدات التي تعرّض لها في تعزيز شرعيته ومهاراته القيادية. تقبل القاعدة الإسلامية في الواقع هذه الميزة "التسلطيّة" لأردوغان إلى درجة معينة حسب تأثيرها في هذا الصراع. يُمكن القول إنّ أحداً لم يحلم بقائد في وقت يتجه فيه الجو السياسي نحو الطبيعي، وللمفاجأة، لم يكن أردوغان نفسه يحلم بهذا.
بوتين وأردوغان خليفتان لإمبراطوريتين رأت كلّ منهما نفسها متفوقة على الغرب، لكنّها هُزمت مع ذلك. كلاهما يسعى إلى غرس ثقة بالنّفس و"شخصية" قيادية في شعوبهم لتقودهم إلى شعور أصيل بالفخر بأنفسهم. والسبب الرئيسي وراء شعبية هذين الزعيمين يقع خلف قدرتهم على معالجة هذه النّفسية بالتحديد وإظهار موقف صلب وقوي ضد الغرب، لم يكن الغرب يملك رفضه.
مع ذلك، يظل هناك خلاف كبير بين الزعيمين ويمكن القول إنّ هذا الخلاف لمصلحة أردوغان. كان بوتين موظفاً في جهاز الاستخبارات الروسي KGB في عهد الاتحاد السوفييتي في الوقت الذي كان فيه أردوغان ممثلاً لعملية فرز أيديولوجي، حركة من المحيط إلى المركز. يمثّل بوتين صورة مختلفة عن الوضع الراهن في حين أنّ أردوغان رمزٌ لهزيمة هذا الوضع.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس