محمد حسن القدّو - خاص ترك برس
النحل المصري والكستناء التركي
البيئة تعني الوسط الذي يعيش فيه الكائن الحي أوغيره من الكائنات من المخلوقات، وهي أي البيئة هي مجموعة الظروف والعوامل التي تساعد الكائن الحي على بقائه حيا واستمرار حياته، ويضيف آخرون من علماء الاجتماع العوامل الاجتماعية والثقافية والاقتصادية إلى تعريف البيئة، والكائن الحي سواء الإنسان أوغيره من المخلوقات تكيّف نفسها متجاورة في ما بينها لغرض استمرار الحياة، والنحل هي إحدى الكائنات التي تعيش في مجتمعات منتطمة توزع الواجبات بينها كلّ حسب ما خلق من أجله، والمعروف أن النحل المصري موجود منذ أقدم العصور وعاش جنباً إلى جنب مع الإنسان المصري منذ بدايات الحضارة المصرية ونحن إذ نذكر النحل المصري ليكون لنا أحد الشواهد وهو شاهد رئيسي على البيئة المصرية الخلّاقة والتي حَوَت الأنشطة الإنسانية والكائنات الحية الأخرى جنبا إلى جنب.
تتميزعاملات النحل المصرية بكونها نشطة في جمع الرحيق حيث تقوم العاملة برحلات كثيرة من أجل هذه الغاية، كما تتميّز العاملات بأنهنّ نادراً ما يتُهن عن خليّتهنّ حتى بوجود أعداد كبيرة من الخلايا قرب خليتها، وهي كذلك مقاومة للكثير من الأمراض، وأبرز مايميزها أنها شرسة شديدة في الدفاع عن خليتها.
ويمتاز ذكر النحل المصري بقدرته على الطيران لمسافات بعيدة تفوق قدرة ذكور السلالات الأخرى من النحل قاطبة، ونترك بقية الشرح للنحالين.
أمّا شجرة الكستناء فهي شجرة معمرة لعشرات بل لمئات السنين وذات سيقان طويلة قد تصل إلى ثلاثين مترا، أمّا العسل المُنتَج من رحيق أزهارها فهو من أرقى أصناف العسل ولا يُجارِيه أي نوع من أنواع العسل سوى عسل السدر.
إنّ ربطَنا لهذا الشاهد وارتباطه بالمجتمع المصري هو من قبيل إعطاء صورة واضحة لأهمية مصر بالنسبة إلى تركيا وأهمية الإنسان المصري وامتيازه وارتباطه بمجتمعه ارتباطا يكاد يكون فريدا، وأبرز ما يُميّزه هو حبه اللامحدود لوطنه.
وعليه فإنّ الاهتمام التركي بتطوير العلاقات في كافة ميادين الحياة مع مصر لم يكن محض صدفة ولم يكن إطلاقا نتيجة لعلاقة نظامي مرسي وأردوغان كما يزعم بعض الذين لا تروق لهم هذه العلاقات، لأنّ تطوير العلاقات التركية على كافة الميادين مع مصر كان قد بدأ منذ سنوات طويلة نتيجة الدراية التامة بخصائص الشعب المصري الذي يُشبِه إلى حد بعيد واقع الإنسان التركي، فكلاهما لم يكن في أيديهما ملعقة من ذهب عند ولادتهم، ولم يملكوا دجاجة تبيض لهما كل يوم بيضة من ذهب، وكنوز الدولتين لم تكن تحت الأرض بل فوق الأرض ,أي إنهما لم يملكان إلا ساعديهما وعقلهما المدبر، وأهمّ ما يميز مصر هو وجود الطاقات الشبابية الكفوءة الحاصلة على أرقى الشهادات العلمية، والإنسان المصري المتواجد في بقاع العالم يحمل فقط مع جواز سفره، رأسماله الذي هو شهادته وكفائته.
أصل العلاقات الاقتصادية المتميزة مع مصر
بدأت المفاوضات المصرية التركية حول التجارة الحرة منذ ثمانية أعوام قبل توقيع الاتفاقية في كانون الثاني/ يناير عام 2005 والتي من بنودها تنص على إلغاء تأشيرات الدخول بين مصر وتركيا بالإضافة الى فتح فروع للبنوك التركية في مصر وكذلك فتح فروع للبنوك المصرية في تركيا وكذلك زيادة عدد الرحلات الجوية بين البلدين.
وتطورت العلاقات الاقتصادية التركية المصرية حيث تم التوقيع على برتوكول إنشاء أول مدينة صناعية تركية مصرية بمدينة السادس من أكتوبر بمساحة تقدر بمليوني متر مربع لإنشاء 140 مصنعاً توفر أكثر من 20 ألف فرصة عمل لمختلف الاختصاصات للكادر المصري وبواقع استثماري بلغ في مراحله الأولى ملياري دولار. وارتفع الرقم في عدد الشركات والمنشآت العاملة التركية على الأراضي المصرية ليصل إلى 418 منشأة لتؤمن أكثر من 52 ألف فرصة عمل للمصريين.
ودخلت العلاقات المصرية التركية بعدا جديدا ووصفت بالأخوية عندما قدّمت تركيا إلى مصر منحة نقدية بقيمة ملياري دولار بدون استرجاع، إضافة إلى قرض بمبلغ مليار دولار من أجل زيادة الاحتياطي المصري من العملة الصعبة.
وفي نهاية المطاف وقبل تدهور العلاقات المصرية التركية وصل حجم التجارة البينية إلى عشرة مليارات دولار، ووصل حجم الاستثمارات التركية في مصر إلى أربعة مليارات دولار وكان من المقرر أن يصل حجم الاستثمارات التركية في مصر إلى عشرة مليارات دولار حسب ما خُطِّط لها في العامين القادمين أي بحلول عام 2015.
إنّ الطاقات المصرية من الأيدي العاملة العالية الكفاءة والخبرات الأكاديمية المتفوقة والخبرات المكتسبة ووفرتها وكذلك حب الإنسان المصري وإخلاصه في العمل ورغبته الحقيقية في خدمة بلده، كان وحده كافيا للتفكير الجدي من قبل الأتراك في سبيل التوجه لإقامة علاقات مميزة استراتيجية مع المصريين منذ مدة طويلة وحتى قبل وصول الرئيس المعزول محمد مرسي إلى سدة الحكم، والأتراك من ناحيتهم كانوا يخططون أن تكون مصر بوابة لتجارتهم إلى دول الخليج أولا ثم إلى بلدان آسيا.
كما أن الجانب المصري كان يخطط للاستفادة من بنود الاتفاقية بصورة فورية حيث بدأت الاستعدادات لفتح أسواق تصديرية للبضائع المصرية في روسيا وبيلاروسيا وأوكرانيا وجورجيا مستفيدة من اتفاقية الرورو المصرية التركية.
ثم بدأت الاستعدادات في سبيل تأسيس شركة مشتركة لتوصيل الغاز المصري إلى تركيا من خلال الخط العربي الأردني السوري، إضافة إلى ذلك بدأ الجانبان بوضع منظومة لتأهيل البنية الأساسية لخطوط النقل البري والجوي والبحري على حد سواء لغرض تسهيل مرور البضائع والذي يؤدي بدوره إلى زيادة في تنافسية المنتجات المشتركة بين البلدين في الأسواق العالمية، وبذلك تتحول مصر إلى أهم مركز تجاري في أفريقيا والشرق الأوسط، مستغلة موقعها الجغرافي المتميز إضافة إلى ذلك فإن الاتفاقيات المبرمة بين مصر ودول العالم كاتفاقية الشراكة الأوروبية والكوميسا واتفاقية تيسير التجارة العربية الكبرى والتي جعلت من مصربمثابة منافذ مضمونة للترويج للصادرات العالمية.
وبالمقابل ولرفع مستوى جودة المنتج المصري اتفق الجانبان على تكوين منظومة تعاون متكاملة تتمثل بنقل معامل التكنولوجيا التركية المتطورة إلى مصر، وكذلك تدريب الكوادر الفنية المصرية على الأجهزة والآلات المتطورة.
ولذا فإنّ الاتفاقية التركية المصرية حول التعاون الاقتصادي تعتبر نموذجية لعدة أسباب وأهمها:
أولا: إنّها اتفاقية متكافئة بين دولتين يتساويان في الموارد الاقتصادية والبشرية.
ثانيا: يتطلع الجانبان إلى أن تكون علاقتهما علاقة مكملة للجانب الآخر في دعم الاقتصاد الوطني.
ثالثا: ما يميز هذه العلاقة هو أنّها علاقات أخوية أساسها دعم الطرف الآخر في سبيل التغلب على الضائقة الاقتصادية بالإمكانات المتاحة وتسريع عملية التنمية الشاملة.
رابعا وأخيرا: إدراك الجانبين بأن هذه العلاقات هي البداية والطموحات والتوقعات في مسار هذه الاتفاقيات كبيرة وواسعة جدا.
عجائب وغرائب
إنّ العجيب والغريب في هذا الموضوع شمولية قطع العلاقات مع تركيا ومنها العلاقات الاقتصادية من جانب مصر لأن الاختلافات في المواقف السياسية وقطع العلاقات الدبلوماسية هو أمر طبيعي يحدث كثيرا، لكنّ قطع العلاقات الدبلوماسية لا يعني دوما أن يكون مانعاً لاستمرارية العلاقات الاقتصادية بين الشعبين لأنّ قطعها يعني قطع إحدى سبل العيش للمواطن وكذلك يعني غلق احد منافذ فرص العمل والاستغناء عن دخول العملة الصعبة للبلد.
أكثر هذه الأحداث غرابة في تجميد هذه العلاقات هو إلغاء اتفاقية (الرورو) والتي وُقِّعت في آذار/ مارس عام 2012، والتي من شأنها السماح للشاحنات التركية بالعبور عبر الأراضي المصرية إلى دول الخليج عن طريق استغلال الموانئ المصرية بعد إغلاق السلطات السورية المعابرالحدودية أمام حركة التجارة التركية.
وكانت البضائع التركية تنقل من مينائي مرسين وإسكندرونة التركيين إلى المواني المصرية في البحر البيض بورسعيد ودمياط، ثم تنقل بواسطة شاحنات برية مصرية إلى الميناء المصري في البحر الأحمر لتنقل مرة ثانية على سفن تركية إلى ميناء يَنبُع السعودي ومنها إلى دول الخليج العربي، يستفيد الجانب المصري مبلغ أربعمئة دولار عن كل شحنة بضائع لقاء إدامة الطريق بين مينائي المتوسط وميناء البحر الأحمر، بالإضافة إلى فاتورة استغلال الموانئ المصرية.
إنّ الاوضاع الاقتصادية في مصر صعبة للغاية فنسبة البطالة تجاوزت العشرين بالمائة وهي أعلى نسبة بطالة في العالم، لكنّ مصر تملك من الإمكانيات مايجعلها في أقل مرتبة في سلم البطالة على المستوى العالمي إذا استغلت هذه الإمكانيات بصورة مثلى وقامت بخطوات عملية وجدية في مكافحة الفساد الاقتصادي والإداري والذي يغلف الحركة الاقتصادية على نطاق واسع منذ فترة طويلة وكما أنّ أية اتفاقية اقتصادية ترفع من مستوى الاقتصاد المصري عن طريق تشغيل الأيدي العاملة أو جلب العملة الصعبة أو تطوير واقع الإنتاج الصناعي يجب أن لا يتأثر دوما بالتغيرات السياسية، وهناك شواهد كثيرة على كلامنا في عدم ارتباط الاختلافات السياسية بالقطيعة الاقتصادية على طول الخط ومنها على سبيل المثال أنّ التجارة بين الاتحاد السوفييتي وأمريكا لم تنقطع بصورة مطلقة في حقبة الحرب الباردة بين البلدين أو بين الدول الغربية والاتحاد السوفيتي والدول الاشتراكية الشرقية، كذلك لم تنقطع العلاقة الاقتصادية بين الكوريتين بصورة نهائية رغم ما حصل بينهما من الازمات.
وأخيرا فإنّ الرهان التركي حول مصر هو الرابح لأن تركيا لا بد أن تكون قد تيقنت أن أرض مصر خصبة دائما وأن البذرة التي زرعتها في أرض النيل لابد أن تُسقى من ماء النيل العذب لأن من طبع المصريين أنّهم يحفظون الجميل ويردونه بفعل أجمل.
يا مصر سقيا لك من جنة قطوفها يانعة دانية
ترابها كالتبر في لطفه ماؤها كالفضة الصافية
قد أخجل المسك نسيم لها وزهرها قد أرخص الغالية
.....فيا حماها الله من روضة بهجتها كافية شافية
والقادم الى دارهم أمن
(ادخلوا مصر انشاء الله امنيين )
وعسل الكستناء يروق لأفواهكم.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس