أحمد الهواس - خاص ترك برس
من يستحضر قصة نيرون ويجري مقارنة بينه وبين بشار الأسد يجد ثمة تشابهًا بين الشخصيتين، تشابه غريب في جوانب كثيرة، ليس أولها عامل الصدفة في استلام الحكم وفي عمر صغير، وكذلك انعدام الخبرة، والمشكلة النفسية لدى الشخصيتين فالأول حاكم يحلم بأن يكون فنانًا وقد فشل بذلك، والآخر حاكم يعاني اضطرابات نفيسة منذ الطفولة , ويحلم أن يكون فيلسوفاً، أمنيةٌ جعلت أقرب الناس إليه يضحك من أحاديثه وأفكاره، وليس آخرها إحراق البلد، ونهاية الأسرة الحاكمة!
نيرون "الابن بالتبني" للإمبراطور "كلوديس" وهو الإمبراطور الرابع من السلالة اليوليو كلودية , وهو شقيق الأمبراطور الشهير "كاليغولا" الذي خلّدته كتب التاريخ قاتلاً وماجنًا ومؤسسًا للحكم المطلق والذي كان يتلذذ بتعذيب ضحاياه حتى وإن كانوا أقرب الناس إليه , ومنهم والدة نيرون "أغربينيا".
إنّ نظرةً سريعة على تاريخ الأسرتين الحاكمتين توضح مقدار التشابه في التاريخ الدموي لكلا الأسرتين فالعمّ الطاغية , والأم المتحكمة , والوريث غير الشرعي الذي يعاني من مشكلات نفسية تؤدي به لقتل المختلفين معه دينياً - نيرون فاضل بين اليهود والمسيحيين فقتل المسيحيين - وتدمير المدن لكي يُعيد بناءها وفق هواه!
وإذا كانت الذاكرة الجمعية للناس تكمن بارتباط اسم نيرون أنّه أحرق روما وهو يعزف على قيثارته , فإنّ اسم بشار سيقترن كذلك بأنّه أحرق مدن الغوطة بالكيماوي وأرسل فريقًا من الفنانيين والممثلين ليعزفوا على أنقاض المدن المدّمرة ليعلنوا أنّ الوطن انتصر على أعدائه !
لكنّ الاختلاف الوحيد بين الشخصيتين يكمن في رمزية مشهد العزف , حيث كان نيرون يعزف بنفسه أي أنّه المسؤول عن كل ماجرى وقد بدأ الحريق بخشبة المسرح قبل أن تمتد النيران لروما وتلتهم الأحياء وتحولها إلى آثار وتقضي على آلاف من السكان الآمنين , في حين أن بشار أعدّ المسرح بعد الحريق فأرسل وفدًا "تشبيحيًا" من كل مكونات الشعب بقيادة مايسترو سني, حتى يُقال إنّ من عزف على أشلاء أطفال الغوطة كان الشعب المنتصر بكل طوائفه , ولم يتصدر المشهد عازف من الطائفة الحاكمة !
من يعد للمشهد الذي بثّته وسائل إعلام النظام يجد أن المتحدثين من الفنانين كانوا من مختلف طوائف الشعب السوري فقد ظهر العلوي والدرزي والسني والمسيحي , وإن كانت النسب متفاوتة وهناك تركيز على أن يكون المتحدثون من السُنة أكثرية ! وذلك لم يكن عبثياً بل كان عملاً مدروسًا حيث يُفهم منه أنّ الحرب ليست طائفية , فالذي يحرق "دوما" ومدن الغوطة ليس الجيش الطائفي , وحلفاؤه من الإيرانيين وحزب الله وبقية الفصائل الشيعية القادمة من خلف الحدود , وليس الطيران الروسي , بل هي حرب بين الشعب ومجموعة من الإرهابيين ! أمّا اختيار قائد الفرقة الموسيقية "هادي بقدونس" فهو اختيار دقيق سيلقي بظلاله فيما بعد على العلاقة بين سكان دمشق , والغوطة , حيث العازف دمشقي سني يعزف لحن الانتصار والتهجير على أطلال الغوطة التي كانت تاريخياً الحامية لدمشق أمام كل الغزوات !
هكذا صوّر الطاغية المشهد الرمزي المشترك بينه وبين سلفه نيرون , واشترك معه في عدّة أمور وبقيت النهاية التي ينتظرها الجميع , فنحن نعرفها وقرأناها عن نهاية نيرون , ولكنها النهاية التي لم تتوقف على نيرون بل انتهت بحكم أسرة نيرون وانتصار روما .
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس