أحمد الهواس - خاص ترك برس
فيديو مجزرة حي التضامن الذي تمّ بثه عبر صحيفة الغارديان البريطانية لم يكن مفاجئًا للعالم بقدر ما كان مفاجأة للسوريين، فبعد أحد عشر عامًا من المجازر التي ارتكبت ومازالت ترتكب بحقهم ويشاهدها العالم أجمع ، يحدث أن تصبح هذه المجزرة حديث الدنيا ويتم التعاطف مع ضحايا المجزرة ! فهل صحا ضمير العالم المتحضر أم أن أمرًا سياسيًا قد جرى توظيفه على ضوء النزاع الغربي الروسي لتلك المجزرة بوصف روسيا الداعم الرئيس للنظام السوري ؟
ثورة شعبية أم نزاع طائفي ؟
تركت المجزرة سؤالًا لكل من تابعها ، هل تمت مجازر السوريين ببعد طائفي ؟
أسوأ ما عانت منه الثورة السورية استخدام الورقة الطائفية من قبل النظام لمنع تحولها لثورة شعبية تشمل كافة السوريين ،ولذلك عمد لتخويف الأقليات من الأكثرية ، ثم وسم الثورة بالتطرف والإرهاب ، وسارع مناصروه لتصنيع داعش وتسليط الضوء على أفعالها ، وبذلك استدعى العالم أجمع لمساندته في حربه ضد الإرهاب !
لم يقم السوريون بثورة لمقاتلة فئة من الشعب أو طائفة منه ، بل لهدم نظام الاستبداد والدولة البوليسية والانتقال لدولة العدل والمواطنة، ولكنّ الواقع الجيوسياسي لسوريا كان كلمة السرّ في بقاء النظام والتضحية بالشعب السوري ، فقد تمّت المفاضلة بين أمن إسرائيل بوجود النظام الذي أمّن حمايتها أربعة عقود ، وبين المخاوف من القادم، فكان الأولى بقاء النظام .
حرص الثوّار السوريون منذ بداية الثورة على عدم الانجرار لمستنقع الطائفية، فكانت المظاهرات السلمية التي تنطلق كل جمعة تحمل أسماء تدل في مضمونها على الوحدة الوطنية فكانت جمعة صالح العلي في محاولة كسب الطائفة العلوية ، وجمعة سلطان باشا الأطرش موجهة للدروز ، وآزادي للأكراد ، وحتى لا يقع صدام مع الجيش الذي استعان به النظام لقمع الثورة خرج المتظاهرون بجمعة حماة الديار ، كل هذه الجمع وما كان يتخللها من سقوط شهداء عزل ، لم تحرّك الضمير العالمي ،ولم تصنع كتلة حرجة من السوريين على اختلاف انتماءاتهم تملأ الساحات في المدن الكبرى ولاسيما العاصمة دمشق تحت يافطة وطنية ضد نظام مستبد ، وعلى الرغم من الانشقاقات الهائلة في الجيش إلّا أن ذلك لم يشمل الطائفة التي ينتمي لها رأس النظام ويشكل قادتها عصب الجيش والأمن وتتبوأ شخصياتها العسكرية أهم المفاصل العسكرية ، بل آثرت أن تخوض المعركة ضد الشعب في معادلة صفرية ،ولتعويض النقص الهائل في الجيش ووقف انهيار النظام بعد توالي هزائمه العسكرية كان الاستدعاء الطائفي فدخلت إيران بجندها وبأذرعها الطائفية في العراق ولبنان وباكستان وأفغانستان واليمن ، وخاض هؤلاء المعركة ضد الثورة السورية تحت شعار لن تسبى زينب مرتين، وقد ارتكبت في سوريا عشرات المجازر الطائفية ، وهذا ما أدّى لنزوح هائل للسنة. نزوح أو تهجير ترك أكثر من سؤال حول حقيقة ما يجري في سورية وهل هذا التهجير مؤقت نتيجة الأحداث أم أنّه نزوح بلا عودة ؟ يقول د. نبيل خليفة في كتابه استهداف أهل السنة : إن المخطط الموضوع للشرق الأوسط منذ الربع الأخير من القرن العشرين ويشارك فيه الغرب وإسرائيل وإيران، له ثلاثة أهداف أساسية ؛أولها إزاحة النفوذ العربي السني عن دول شرقي المتوسط واستبداله بالنفوذ الإيراني الشيعي ، وثانيهما إدماج إسرائيل كجسم طبيعي في المنطقة ضمن دولة أقلويّات كونفيدرالية . وثالثهما السيطرة على نفط العراق أغزر وأفضل نفط في العالم .
ما خفي كان أعظم
الحديث عن فيديو من 27 فيديو مازالت لدى الجهة التي سرّبت الفيديو ونشرت تحقيقًا عن تلك المجزرة التي تقول التسريبات إن عدد ضحاياها نحو 280 ناهيك عن عشرات المجازر التي وثقها ناشطون يطرح سؤالًا مهمًا هل ما جرى ويجري نتيجة دوافع طائفية ؟
حقيقة الأمر أنّ كل المجازر التي ارتكبت في سوريا كانت طائفية وتستهدف فئة بعينها سواء التي تمّت بيد الجيش الطائفي أو بيد اللجان الشعبية "الشبيحة" أو بيد المليشيات الطائفية التي جلبتها إيران لمقاتلة السوريين ، بل إن النازحين كانوا من فئة واحدة وكذلك المعتقلين ، ناهيك عن الشعارات الطائفية التي استخدمها جنود النظام منذ بدء الثورة السورية تجاه المعتقلين أو في تنفيذ تلك المجازر أو الشعارات التي رفعها حزب الله وبقية المليشيات الطائفية ، ومارافق ذلك من تدمير لمئات المساجد، ثم كان توطين القادمين من خلف الحدود مكان المهجّرين ومنحهم وثائق سورية، فهل يدخل ذلك التغيير الديمغرافي في تقوية حلف الممانعة ضد إسرائيل وهل يشكل هذا التموضع الطائفي خطرًا عليها أم أنّه تم برضائها ؟
يقول شارون في مذكراته ص : 583-584:
(( توسعنا في كلامنا عن علاقات المسيحيين بسائر الطوائف الأخرى، لا سيّما الشيعة شخصيًا طلبت منهم توثيق الروابط معهم حتى أنني اقترحت إعطاء قسم من الأسلحة التي منحتها إسرائيل ولو كبادرة رمزية إلى الشيعة الذين يعانون هم أيضًا مشاكل خطيرة مع منظمة التحرير الفلسطينية ، ومن دون الدخول في أي تفاصيل، لم أرَ يومًا في الشيعة أعداء إسرائيل على المدى البعيد ))
التوقيت والغرض
شكّل عرض الفيديو صدمة للرأي العام العالمي ، وذلك ليس لبشاعة الصور، ولا لأن القتل كان بدوافع طائفية ، بل لأن الوسيلة التي تبّنت عرض الفيديو لها تأثير كبير على الرأي العام العالمي "الغارديان" البريطانية ، فقد سبق عرض الفيديو مئات الفيديوهات التي بثّها ناشطون كانت أبشع من مجزرة التضامن ولم تحرّك الرأي العام ولا صور قيصر على بشاعتها ولا فيلم حفّار القبور الذي بثته الجزيرة ، وذلك لأن وسائل الإعلام العالمية الكبرى التي تحرّك الرأي العام صمتت عن المجازر في سوريا وصوّرت ما يجري أنه نزاع بين نظام مستبد وجماعات متشددة ، ولهذا سيفضل المواطن الغربي النظام المستبد ولذلك لم نجد مظاهرة كبرى دعمًا للشعب السوري في عواصم القرار الأوربي ، ولم يحرّك القصف الكيماوي أو البراميل المتفجّرة الشارع الأوربي والغربي ! لكن الحرب الروسية الأوكرانية ودخول بريطانيا داعمًا لأوكرانيا حتى وصل الأمر بالروس بتهديدها بالسلاح النووي ، ووقوف النظام في سوريا مع روسيا وإرسال مرتزقة للقتال معها في أوكرانيا جعل الحكومة البريطانية توجه الأنظار نحو تلك المجازر ، وقد يقول قائل الصحافة هناك حرّة ، نقول نعم، ولكن ثمة تخادم بين السلطة التنفيذية والسلطة الرابعة في القضايا الاستراتيجية وثمة أحداث كثيرة شاهدة على ذلك .
ماذا بعد حفرة التضامن ؟
لنكن صرحاء مع أنفسنا أن من سمح للنظام بالبقاء ومن سمح لإيران بمقاتلة الشعب السوري ومن سمح لروسيا بذلك لن يكون حريصًا على إنقاذ الشعب السوري بسبب تسريب فيديو لمجزرة من مئات المجازر، ولكن هو ترتيب لما بعد "الحفرة" وإنهاء ما يحصل بمشكلة أكبر ، وذلك بالعمل على تكريس التقسيم المجتمعي وصناعة كيانات على الأرض وليس حل المشكلة فمازال النظام مفضلًا عند أصدقاء الشعب السوري ويمكن إعادة تأهيله أو حشره بكانتون من الكانتونات السورية التي بدأت تظهر على الأرض واقعًا كحال " قسد" أو تظهر ملامحها كما في الشمال السوري وإعادة توطين السوريين وليس إعادة المهجرين إلى ديارهم، فضلا عن توطين مليون استجلبهم النظام من وراء الحدود ليملأ بهم الفراغ الذي حصل بتهجير السنة. حفرة التضامن ليست الأولى ، فقد سبقها حفر في حلب وحماة وجسر الشغور وتدمر في الثمانينيات ، ومئات المجازر والحفر في هذه الثورة التي نقلت سوريا من الحفرة إلى النفق المظلم الذي لا يعرف منتهاه.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس