د. مصطفى حامد أوغلو - خاص ترك برس
تحبس تركيا أنفاسها بانتظار القرار النهائي لعبدالله جول، حول ترشحه من عدمه ، لخوض الانتخابات الرئاسية ضد رفيق دربه والذي كان يناديه ب "أخي" رجب طيب أردوغان الرئيس الحالي لتركيا والمرشح لحزب العدالة والتنمية التركي.
ترشح عبدالله جول يختلف عن ترشح كل الأسماء الأخرى،ويختلف عن ترشح المعارضة التوافقي ، أكمل الدين احسان أوغلو في المرة الأولى، حيث كان هناك ايضاً اتفاق على إزاحة أردوغان بدعم من الحركة القومية يومها ،لكن لم يكن أكمل الدين بقادر على شق الصف الداعم للعدالة والتنمية ،قياساً لما يحصل اليوم في حال ترشح جول ، لأن الأخير ينتمي لمؤسسي العدالة والتنمية ، ويأتي في فترة زادت نسبة العاتبين والمهمشين وربما المُبعدين من أعمدة العدالة والتنمية، وهذا الذي يجعل الأمر يشكل خطراً على وحدة العدالة والتنمية ومستقبل مسيرته ومستقبل النظام الرئاسي برمته.
وما استدعاء الرجل الثالث في مسيرة العدالة والتنمية بولاند أرنيج على عجل للقصر الجمهوري ومناقشة كل المستجدات وخاصة احتمالية ترشح جول ،إلا دليلاً على استشعار الرئاسة لخطورة هذا الموقف الذي يجب احتواءه في هذه المرحلة الحرجة ومنع اي انشقاقات من العدالة والتنمية.
فهل يخوض جول الانتخابات ويشق الصف..!!؟؟
تركيا تخوض هذه المرة انتخابات مغايرة ومختلفة تماماً عن الانتخابات الماضية،فهي تخوض انتخابات رئاسية ،سيكون الرئيس هو المخول الوحيد بتشكيل الحكومة وبدون الحاجة للبرلمان ومنح الثقة منه،لأن الثقة والتفويض حصل عليها من الشعب مباشرة.وهذا مايجعل رئاسة الجمهورية أهم بكثير من الانتخابات البرلمانية لأول مرة .
الأوضاع التي تعيشها تركيا هي الاخُرى مغايرة كثيراً للانتخابات السابقة،فهي تعيش حالة الطوارئ ، بعد محاولة الانقلاب العسكري الفاشل في تموز 2016 ،والخلافات الحادة - بل الحرب الغير مباشرة على الأرض السورية ،مع الحليف الاستراتيجي أمريكا- والعلاقات المتوترة مع الاتحاد الأوربي رغم التحسن الطفيف في الأيام الأخيرة، ناهيك عن الأوضاع في الدول المجاورة وما آلت اليه الاوضاع بسوريا لصالح النظام وروسيا وأيران.
علاقة العدالة والتنمية مع الأكراد في هذه المرحلة الحرجة هي أيضاً مهمة وسيكون لها تأثيرأ مباشراً على سير الانتخابات القادمة،فالائتلاف مع الحركة القومية أزعج الاكراد المحافظين ،ومعركة غصن الزيتون أغضبت البقية منهم ، والاستطلاعات الاخيرة تقول أن الاصوات الكردية الممتعضة من حزب الشعوب الديمقرطية ستذهب الى حزب السعادة وخاصة في حال ترشح عبدالله جول للرئاسة وليس للعدالة والتنمية ،وأود التذكير بأن اصوات الأكراد هي التي كانت بيضة القبان في الاستفتاء الدستوري وساعدت لفوزه وليس أصوات الحركة القومية التي لم يصوت ثلثيها لصالح الاستفتاء.
العدالة والتنمية راهن دائماً على خوض الانتخابات في موعدها،وكان دائماً يفتخر بأنه يحرص على ذلك ويرفض الانتحابات المبكرة،وحتى قبل يوم واحد من اعلان الانتخابات المبكرة ،كان رئيس الجمهورية يؤكد على موعد الانتخابات في موعدها المحدد بالعام 2019 ، لكن التصريح المفاجئ للحليف دولة بهجلي ،أخرج السهم من القوس ولم يعد بد من الانتخابات ،مما جعل العدالة والتنمية بين خيارين، إما قبول الموعد الذي حدده بهجلي ،وهذا يجعله تابعاً وليس قائداً، أو اختيار موعداً مغايراً وهذا مافعله طيب أردوغان صاحب الشخصية التي تقبل التحدي وترفض أن توضع تحت الأمر الواقع.
فوز الرئيس رجب طيب أردوغان مرشح اتفاق " الجمهور " بين العدالة والتنمية والحركة القومية ،كان شبه محسوماً لاسباب عديدة،من أهمها ضعف المعارضة وبالأخص المعارضة الأم أي الشعب الجمهوري وعجزه عن تقديم مرشحاً حتى الآن،وإعلان رئيسه كليجدارأوغلو عن عدم رغبته بالترشح هو أكبر دليل على ذلك،وتشتت الاحزاب الاخرى وضعفها.
لكن اسم عبدالله جول هو الأسم الوحيد الذي يقلب كل الموازين ويجعل المعارضة تلتف حول هذا الأسم ليس حباً بجول وقناعة به،لكن المحرك الاساسي سيكون هو اتفاقهم على معاداة وإفشال طيب أردوغان .فالمحرك الرئيسي سيكون اسقاط أردوغان أولاً من ثم لكل حادث حديث ...
الامتعاض الخارجي من شخصية الرئيس أردوغان ، وعدم القدرة على تقبل مواقفه، وانتقاداته الصريحة المباشرة، وسعيه للتصنيع العسكري وتنويع البدائل في العلاقات السياسية والاقنصادية ،وخاصة العلاقة مع روسيا وشراء المدافعات الروسية س400 ، والنمو الاقتصادي الذي حققته تركيا ،يجعل من هؤلاء جبهة تؤيد كل حركة داخلية تؤدي لفوز مرشح بديل عن أردوغان.
وهذا أيضاً ما يفتح شهية المعارضة وخاصة مرال أكشنار التي تشعر ان الدعم الخارجي لها سيجعلها المرشح الوحيد لمنافسة أردوغان ..
الاستقطاب سيكون حاداً وكبيراً هذه المرة في حال ترشح عبدالله جول ،لأن تركيا ستنقسم الى قسمين لا ثالث لهما..
القاسم المشترك ستكون هي شخصية الرئيس رجب طيب أردوغان ...
الطرف الأول سيدافع عنه...ويرى أن بقاءه بقاء لتركيا
والطرف الثاني سيحاربه....ويرى ـأن ازاحته بقاء لتركيا
الطرف الأول برأيي سيعتمد حملة انتخابية، تقول أن هناك سناريو جديداً مدعوماً من الخارج هدفه بالدرجة الأولى هو إزاحة أردوغان من الرئاسة، لكي يتسنى لهم تنفيذ مشروعهم ،وهو تقسيم تركيا وتهديد بقائها القومي ،وابعادها عن الدور الاقليمي ، وإعادتها لدورها القديم لتكون دولة تابعة ، لا دولة لاعبة ومؤثرة بما يجري حولها من أحداث وسناريوهات.
أما الطرف الثاني فأيضاً دعايته جاهزة وستكون بالتركيز على أن أردوغان والعدالة والتنمية مع الحركة القومية قد قادا تركيا الى حالة من الاستقطاب والتأزم الداخلي ،وخلاف ومعادات مع العالم الخارجي وأن تركيا مهددة اقتصاديا وسياسياً وداخلياً ،لذلك يجب التضحية بالاشخاص والاحزاب من أجل الحفاظ على الوطن والحاجة لتهدئة جميع الاطراف والتصالح معها....
وربما هذه القناعة هي الذريعة والمبرر الوجداني والمحرك لعبدالله جول ومن يسانده من المحافظين للإقدام على هذا التصرف والاصطفاف.
كل هذه كل هذه التغيرات والتحولات السياسية والاقتصادية والتحولات بين الناخبين وتنقلهم بين الاحزاب تجعل من شخصية عبدالله جول أهمية كبيرة في حال ترشحه...
وهذه الاطروحات الانتخابية تجعل شخصية جول ربما هي الشخصية الوحيدة التي تستطيع تحقيق ما يطمح له كل الحالمين بالتخلص من شخصية أردوغان بغض النظر هل هو مدرك لخطورة هذا الامر وفائدته من ضرره.
وهذا مايجعل مهمة العدالة والتمية هذه المرة أصعب من المرات الأخرى بكثير
ويتطلب منهم بذل جهودا مضاعفة داخل البيت العائلي والداخلي وخارجه وعلى كل المستويات...
أردوغان لم يخسر الانتخابات التي خضاها حتى اليوم...
لكن هذه المرة يجب عدم الاطمئنان والتراخي والاعتماد على هذه المقولة...
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس