د. مصطفى حامد أوغلو - خاص ترك برس
بعد ثمان وخمسين يوماً من بدأ عملية " غصن الزيتون " ، دخل الجيش السوري الحر بدعم ومساندة الجيش التركي مدينة عفرين ،بعد هروب عناصر ميليشيات الحماية الكردية ،التي لم تُبدِ أي مقاومة تذكر في الدفاع عن المدينة، كما كانت تروج وتدعي ، رغم كل الدعم العسكري والسلاح الحديث الذي بحوزتها من حليفتها أمريكا .
أحداث الأيام الأخيرة وما حملته من أحداث متسارعة، من إنهيار للقرى المحيطة لمدينة عفرين بشكل مفاجئ ، وهجوم المدنيين من أهالي عفرين على مخازن التموين لهذه الميليشيات ، وهروب قادة الميليشيات من المدينة ،وتخليهم عن العناصر المقاتلة المغرر بها ، وتذبذب التصريحات الاعلامية الهزيلة لهذه الميليشيات كانت كلها مؤشراً كافياً على قرب ساعة الصفر والحسم والإنهيار . وهكذا دائماً تكون النهايات الدراماتية لمثل هذه التشكيلات المسلحة، التي لا تمتلك حاضنة شعبية تقاتل معها وتموت من أجلها.
برأيي أن عملية "غصن الزيتون" حُسِمت قبل أن تبدأ ،وقد مرت بمراحل ومفاصل أساسية،كانت مؤشراً على هذه النتيجة .
هذه المنعطفات قلناها وذكرناها من اليوم الأول لبدأ معركة عفرين ،وكان يدركها كل متابع وقارئ لتسلسل الأحداث بشكل جيد،بعيداً عن العاطفة المضللة والحماس الزائد والتعويل الخاطئ.
فما هي هذه العوامل ،والمنعطفات التي عجلت بحسم معركة عفرين..؟
المنعطف الأول:
التخلي الأمريكي منذ بداية المعركة عن قوات الحماية الكردية في عفرين، كان ضربة مؤلمة رغم الدعم اللوجستي والدعم بالسلاح والتدريب ، ورغم السماح لهم لاحقاً بالانتقال مع اسلحتهم من مناطق أخرى الى عفرين في الأيام الأخيرة دعما للمعركة. هذا الاعلان كان بمثابة بداية الهزيمة النفسية ، والضياع الفكري والتخبط الاستراتيجي لهذه الميليشيات التي كانت تعول على هذه العلاقة والتبني الأمريكي لها.لقد أدركت هذه الميليشيات أن أمريكا باعتهم وتخلت عنهم مرة أخرى على الأقل في هذه المنطقة وهذه المعركة.
المنعطف الثاني:
هو التخلي الروسي عنهم أيضاً ،ولكن بشكل آخر ،وذلك عندما سحبت عناصر المراقبة التابعة من عفرين الى تل رفعت ،بعد مباحثات مع قائد الأركان التركي ورئيس الاستخبارات مع مثيليهما بموسكو قبيل إنطلاق عملية غصن الزيتون بساعات.
هذا هو الضوء الأخضر لتركيا لبدأ العملية واستخدام سلاح الطيران ضمن الخطة المتفق عليها،وحاجة روسيا للدعم التركي في كثير من الملفات التي تخص سوريا والعلاقة التجارية بينهما جعلها تقبل بهذه العملية ولو على مضض.هذا التصرف الروسي كان الضربة النفسية الثانية والانهيار المعنوي والتعويل الخاسر لميليشات الحماية الكردية قبيل بدأ المعركة.
المنعطف الثالث:
الاستعداد التركي المحكم للمعركة ،عسكرياً،ودبلوماسياً،واستخبارتياً،وإعلامياً ونفسياً وتهيئة الرأي العام التركي داخلياً وخارجياً.
لقد نجحت تركيا في إقناع أو تحييد وامتصاص ردة فعل كثير من الدول - وخاصة الفاعلة على الأرض السورية وايضا الدول الغربية – وأقنعتهم بقانونية وحقوقية معركة عفرين ، وأكدت للجميع عزمها وقراراها واقدامها على عملية غصن الزيتون.وتوجت ذلك بمعلومات استخباراتية وتحضير عسكري جيد مستفيدة من الأسلحة المحلية التي نجحت بتصنيعها ،وخاصة الطائرات بدون طيار ،مما كان لذلك أثراً واضحاً على نجاح العملية من جهة ،والحرب النفسية على معنوايات عناصر الحماية الكردية من جهة أخرى.
المنعطف الرابع:
عودة الجيش السوري الحر للواجهة من جديد ،والاستفادة من الدروس والتجارب السابقة ، والكفاءة التي اكتسبها خلال عملية "درع الفرات" والمعارك التي خاضها مع قوات النظام وتنظيم داعش في السنيين الماضية. وأثبت من جديد أنه هو القوة التي يمكن التعويل عليها ،وهو القوة الضاربة في حال وجُد من يدعمه ويسنده عسكرياً ولوجستياً.
وعلى عاتقه اليوم مسؤوليات ومهام عظام يجب أن يستعد لها على كثير من المستويات .
المنعطف الخامس :إحكام عملية "غصن الزيتون " عسكرياً من حيث البداية والتطويق والتمشيط وعدد المحاور التي تم الدخول منها ،مما عجل بانهيار الخطوط الأمامية ،وخاصة الهضاب المطلة على عفرين ، والمناطق الرئيسية والهامة مثل جنديرس وبرصاية وغيرها،وهذا انعكس بشكل سلبي كبير على معنويات القادة في الميليشيات - المنهارة أصلاً - مما أجبرهم للهروب والخروج من مدينة عفرين، لكي يصبح دخولها سهلاً أمام قوات الجيش السوري الحر والجيش التركي بدون أي مقاومة وممانعة.
وماذا بعد عفرين...؟؟
لقد حرصت تركيا ان تكون هذه المعركة تليق بأسمها الذي حملته ،وأن تكون درسا وتحمل رسائل لكثير من الجهات. أرادت أن يكون الحزم والحسم واضحين،وان تكون بعيدة عن أي اتهام واستهداف للمدنيين وأن يعول على عناصر من أهالي المنطقة ...وقد نجحت بها كلها حتى الآن...
لذلك سيكون هناك حرص شديدً وخاصاً على اتمام نجاح هذه العملية .
وسيكون هذا على عدة مستويات ...
المستوى الأول هو مايتعلق بإعادة الاعمار والأمن والأمان والبنية التحتية والخدمات الاساسية بأسرع وقت ممكن.وأظن ان تركيا مؤهلة لذلك وستعطى عفرين اهتماما خاصاً يفوق الاهتمام بجرابلس والباب..وذلك لعدة اعتبارات ..
والمستوى الثاني هو العسكري ،كما يكرره القادة الأتراك وهو الاتجاه والتحرك نحو مدينة منبج الجهة المحددة علنياً ،ولكن هل يسبق ذلك توسيع عملية غصن الزيتون لتشمل مدينة تل رفعت ومايحيط بها من مناطق لتأمين مدينة عفرين من أي تسلل أواستهداف من قبل قوات الحماية الجريحة التي تريد ان تعيد اعتبارها الذي ثُلم من غصن الزيتون وفقدت كل هذه الهالة والتضخيم الذي سعت كثير من أجهزة الاعلام الغربية وخاصة الامريكية اضفاءه عليها ، والذي فقدته من أول معركة وأول محك وامتحان...
لذا المنطقة حبلى بكثير من التطورات والتغيرات في المستقبل القريب....
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس