د. مصطفى حامد أوغلو - خاص ترك برس
تعرضت الليرة التركية لتراجع حاد ومفاجئ، أمام العملات الصعبة وخاصة أمام الدولار، مما جعل كثيرًا من المواطنيين الأتراك، والمقيمين، والمحبين لتركيا، يشعرون بالقلق والخوف،والخشية على مستقبل تركيا، ومستقبلهم الذي ارتبط بهذه البلاد، التي تعاني من خلافات مع دول كثيرة وخاصة أمريكا، بسبب مواقفها، وربما نموها الاقتصادي، وصعود نجمها السياسي الإقليمي في هذه المنطقة، هذا الصعود الذي لا تقبله وتحاربه الدول الكبرى، وفي مقدمتها الدول الحليفة لتركيا، وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية، التي ترجح أم يكون حلفاءها ضعاف محتاجين وتابعين لها.
هذا القلق والخوف على تركيا واقتصادها، جعل كثيرًا من المحبين والمتعاطفين يبدؤون بحملات دعم لليرة التركية على صفحات التواصل الاجتماعي، مركزين ومشددين على نظرية المؤامرة والحرب ضد تركيا.
فهل هذه الحملات إيجابية وتفيد الليرة التركية وتدعمها، أم هي سلبية وتجلب لها العبء وتضر بها...!!؟؟
قبل الحديث عن هذه الحملات وإيجابياتها وسلبياتها، أود التذكير بأسباب هذا التراجع وفقدان قيمة الليرة التركية.
فبعد هذه النقاشات المطولة أصبح شبه إجماع لدى الكثيرين على أن هناك أزمة اقتصادية عالمية، وليست بتركيا فقط، وليست فقط ضد تركيا أيضاً.
وهناك عوامل داخلية تمتلك تركيا التأثير عليها والقيام بها، وهناك عوامل خارجية لا يمكن التأثير عليها ويجب القبول بها والتعامل معها واقعياً وليس عاطفياً.
الاقتصاد التركي يعتمد على العملة الصعبة الواردة من الخارج، لذلك عليها أن تكون شاطئ الأمان الذي يقصده وينشده أصحاب الأموال والمستثمرين - ونحن ندرك أن رأس المال جبان - وهذا ما يجب إقناع المستثمرين به...
ولذلك خرج نائب رئيس الوزراء ليقول بشكل واضح وعلني: "إننا لن نعاند ولن نتعاند" مع قوانين السوق الحرة، وإننا نحترم قواعد حركة الأموال، ولن نسعى لأي تصرف خارج قوانين وسياسة السوق الحر.
كل هذا من أجل إعادة الثقة بالسوق المحلي وبتركيا، لكي تعود رؤوس الأموال ويعود الاستثمار لتركيا...
وهذه أهم خطوة تقوم بها تركيا وبكل عقلانية وواقعية...
فالعامل النفسي وكسب الثقة من جديد وعودة الاطمئنان لمستقبل تركيا واستقرارها هو أكثر ما تحتاجه اليوم من دعم وجهد.
وهذه أهم خطوة تقوم بها تركيا وبكل عقلانية وواقعية...
فهل تخدم هذه الحملات العربية العاطفية الشعبية هذه الخطوة من استعادة الثقة وتعزيزها، أم هي عبء عليها وتزيد حالة القلق عند الجميع وخاصة عند المستثمرين، وتعطي صورة عكسية، وكأن تركيا على حافة الهاوية، وتجعل المستثمر يهرب ويبتعد عنها...!!؟
اليوم اقتصاد تركيا ضمن أعظم وأقوى عشرين اقتصاد بالعالم، ومثل هذه الأزمات لن تؤثر كثيراُ على الاقتصاد التركي من ناحية، كما أن هذه الحملات مهما عظمت لن يكون تأثيرها كبيراً بجانب حجم القوة الاقتصادية للمواطن والمغترب التركي التي يجب تحفيزها للاستثمار من خلال تسهيل شروط الاقتصاد وتقليل الضرائب وليس من خلال مناشدات تشبه استغاثات من يخشى الغرق والإفلاس.
أيضاً قيمة القوة الاقتصادية لدى شريحة كبيرة من المقيمين العرب بتركيا لا تؤهلها للقيام بمثل هذه الحملات وهي تعاني من صعوبة الحصول على لقمة العيش.
أما بالنسبة للسياحة العربية والخليحية فهذا ما يجب التركيز عليه ودعم كل الجهود لتحفيز السواح العرب للقدوم لتركيا وإن كانت السياحة العربية والخليجية بجانب السياحة الروسية والألمانية وحتى الإيرانية هي أقل بكثير ، ولذلك تسعى الحكومة التركية لجذب السواح من هذه الدول بشكل خاص، وهذا لن يكون إلا من خلال الاستقرار والحملات الموجهة لهم بشكل خاص والحفاظ على سبل التواصل مع حكومات هذه الدول.
ولذلك سيجتمع محمد شيمشك ورئيس البنك المركزي التركي في لندن مع المستثمرين ورجال الاعمال للتأكيد لهم على أنه لا تغيير بالسياسة التركية بعد الانتخابات وأن استقلالية البنك المركزي لا يمكن المساس بها.
ومن هنا يجب أن تكون حملات لدعم الاستثمار العربي في تركيا أيضاً وتسهيل كل الإجراءات أمام المستثمر العربي وخاصة في هذه الفترة.
هذه الحملات هي بدوافع عاطفية صادقة وحماسية لا مجال للتشكيك بها، لكن أيضاً قد يستغلها ويتسلقها أصحاب الأطماع الشخصية الطامحين للشهرة وتحقيق مكاسب شخصية بغض النظر عن المنفعة العامة.
أيضاً هذه الحملات العربية ببعض أنماطها الفاقعة، قد تسبب ردة فعل عند الكثيرين من الأتراك الذين يعارضون العدالة والتنمية، وحتى بعض الذين لا يعادونه بدوافع العواطف القومية مما قد يزيد من حساسية مواقف هذه الشريحة ضد التواجد العربي والسوري وتصلب مواقفها ضد العدالة والتنمية...
إذاً كيف يكون الدعم والمساندة...!!؟؟
يكون بالأفعال قبل الأقوال...
بالدعم الإعلامي والتأكيد على صلابة وقوة الاقتصاد التركي...
وبإقناع المستثمرين العرب وتحفيزهم للاستثمار بتركيا من خلال تزويدهم بمعلومات وأرقام حقيقية عن الاقتصاد التركي.
ويكون أيضاً بالتواصل مع الجهات التركية وتشجيعها لاتخاذ إجراءات قانونية تسهل جلب الأموال العربية واستثمارها بتركيا...
هل تريد مثال على ذلك..!!؟؟
ماذا لو تم رفع الفيزة أو تسهيلها على السوريين المقيمين بدول الخليح وأوروبا وباقي دول العالم... كم من رؤوس الأموال التي ستأتي لتركيا... أليست أضعاف أضعاف ما ستجلبه هذه الحملات العاطفية...!!؟؟
نعم تركيا محاربة...
لكن ردة الفعل يجب أن تكون علمية مهنية واقعية اقتصادية...
وليست مجرد حملات عاطفية...
وهذا ماتقوم به تركيا...
وكل هذا لا يعني أبداً التشكيك بصدق واخلاص ونبل أصحاب هذه الحملات الأخوية...
نتكلم عن الوسيلة وليس نبل الغاية.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس