أحمد طلب الناصر - خاص ترك برس
في مؤلَفه المشهور (كليلة ودمنة) يورد "ابن المقفّع" قصة صغيرة، تشتمل على عبرة ومثل معروف عند مختلف المجتمعات، وهاكم فحوى القصة وعبرتها:
" زعموا أن قردًا رأى نجارًا يشق خشبةً وهو راكب عليها، وكلما شق منها ذراعًا أدخل في الشق وتدًا. فوقف ينظر إليه وقد أعجبه ذلك. ثم أن النجار ذهب لبعض شأنه، فركب القرد الخشبة وجعل وجهه قبل الوتد، فأطبق الشق علي ذيله دون أن ينتبه، وصار يصرخ حتى كاد يغشى عليه من شدة الألم. فوافاه النجار ليجده على تلك الحالة، فأقبل عليه بالوتد يضربه معنّفاً. فكان ما لقي من النجار من الضرب أشد ممَا أصابه من إطباق الخشبة على ذيله"، ويُضرب هذا المثل فيمن يتكلف من القول والفعل ما ليس من شكله أو شأنه.
والحال، فقد تابعنا مؤخراً نتيجة الاستحقاقين، الرئاسي والبرلماني، اللّذين تُوّجا بفوز الرئيس أردوغان وتحالف الشعب ذو الأغلبية من أعضاء العدالة والتنمية، لتدخل تركيا بذلك عصراً جديداً ومكملاً لعصر النهضة الذي بدأ منذ 16 عاماً.
وعلى الرغم من ثقة الشعب التركي بالنتيجة منذ اللحظة التي اقترح فيها زعيم الحركة القومية "دولت بهتشلي" إجراء الانتخابات المبكرة، وعلى الرغم من جميع المؤشرات التي رجّحت كفة تحالف الشعب، والرئيس أردوغان، لكن أطراف الحرب الدولية على تركيا آثرت الاستمرار بتدخلها السافر حتى اللحظة، مضيّعة على نفسها فرصة ذهبية لحفظ ماء الوجه.
اليوم، وبعد أن قال الشعب التركي كلمته، بدأ المجتمع الدولي، ذات المجتمع الذي ناصبه العداء في السر والعلن، بدأ بخطب ودّ الأتراك وتهنئتهم، لا سيما بعد فشل المحاولات المتكررة في خداع شعوبهم، واستماتته في تحريض الأتراك ضد حكومتهم التي منحوها الشرعية على مدى عقدين من الزمن.
يتابع العالم اليوم بكل احترام تطورات الدولة التركية بعد نتائج ليلة الرابع والعشرين من حزيران، بعد أن أيقنوا إدراك الشعب التركي لما يريد بالضبط، رغم كل الضخّ الإعلامي المضاد والحرب الاقتصادية التي طالت لقمة عيشه، وآمنوا بأن الكلمة الأخيرة هي كلمة الشعوب، وأن دعواتهم هي أقوى وأنبل من الترهيب والدولار.
اتهموا الرئيس التركي وحكومته بالدكتاتورية والشمولية والتفرّد بصناعة القرار في البلد، وبذات الوقت دعموا الأطراف المعارضة، سياسياً وإعلامياً ومادياً، لتحويل أصوات الشعب التركي من صفّ العدالة والتنمية لتصبّ في مصلحة الصفّ الآخر! إذن، هم يعلمون جيداً بأن أصوات صناديق الاقتراع هي من تحدد قيادة البلد، وليس هواجسهم واتهاماتهم.
قبل يوم واحد من الانتخابات، أوردت (الغارديان) البريطانية عنواناً لإحدى مقالاتها يقول "أردوغان خطر على تركيا وعلى العالم". إلا أنها –الصحيفة- وغيرها من الصحف الأوروبية، ولأكثر من سبع سنوات، لم يذكروا مرة واحدة أن بشار الأسد، على سبيل المثال، خطرٌ على السوريين أو على العالم، على الرغم من قتله ما يزيد عن مليون سوري، وتهجير نصف سكان سوريا نحو تركيا والدول الأوروبية، وتدمير مدنهم!
وافتتاحية صحيفة (التايمز) جاءت بعنوان "كبح جماح السلطان"، وقالت إن لدى الناخبين فرصة يوم الأحد –يوم الاستحقاق- لإيقاف "القائد التركي وسلطتِه الاستبدادية". وزعمت أنه في حال استطاعت المعارضة التركية الفوز بالأغلبية البرلمانية فإنهم "سيضعِفون قدرة أردوغان على امتطاء التقاليد الديمقراطية في البلاد"، وأن "أردوغان يستحق أن يخسر هذه الانتخابات"!
لكن، وفي اليوم التالي للانتخابات، لقنهم مرشح المعارضة الأقوى "محرم إينجه" درساً في الديمقراطية التركية، ومصلحة الشعوب التي هي فوق كل مصلحة، حين قال: "أقبل بنتائج الانتخابات ولا يوجد تعارض بين بيانات ماكينتنا الانتخابية والنتائج المعلنة من الهيئة العليا للانتخابات.. فلتكن رئيسًا لنا جميعًا، واحتضن الجميع، كنت سأفعل ذلك لو تم انتخابي.. الأرقام والنتائج واضحة، وعدم الاعتراف بها سيكون خيانة للديمقراطية.. أردوغان فاز، سأهاتفه للتهنئة وربما أزوره خلال الأيام القادمة".
فكان ردّه بمثابة ما حصل مع صاحبنا عند ابن المقفّع.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس