أحمد طلب الناصر - خاص ترك برس
منذ شهور عدة، وحتى اليوم، تناول العديد من أصدقاء صفحتي على "الفيسبوك" موضوع قناة تلفزيون "سوريا" بالنقد اللاذع قبيل وبعد انطلاق بثها التجريبي في بداية آذار/ مارس الماضي. ولا أخفيكم علماً بأني تأثّرت كثيراً بما كان يرد من نقد وتشهير على صفحات الفيسبوك، خاصة وأن من بين المنتقدين أشخاص مشهود بثوريتهم.
أثناء ذلك، ومنذ حوالي شهرين من الزمن، عكفت على كتابة قصة قصيرة ضمن سلسلة قصص تحاكي الواقع المأساوي للسوريين بطريقة الكوميديا السوداء، كل قصة تختلف عن الأخرى، وكنت أنشرها تباعاً تحت اسم حركي في إحدى الوسائل الإعلامية الموجهة للسوريين داخل تركيا وخارجها. وقصتي الأخيرة كانت تتناول الواقع الإعلامي المرير الذي يواجه السوريين في تغريبتهم، من حيث توجّه المؤسسة الإعلامية، والمواضيع المطروحة، والقائمين عليها، والدعم، والشللية في بعضها، وبعض التفاصيل الأخرى، من خلال شخصية خيالية جعلت منها بطلاً للقصص، تجسّد فيها الإنسان السوري في كل قضية تطرح من خلال القصص المسرودة، وهذه المرة كانت البطولة لشاب صحفي خرج حديثاً من معتقلات الأسد واستطاع الهروب والدخول إلى تركيا، ليتعرض بعدها لمواقف مختلفة أثناء بحثه عن عمل ضمن اختصاصه كإعلامي.
والحال، فقد عرجت في القصة على مختلف المؤسسات الإعلامية، المسموعة والمكتوبة والمرئية، دون الإشارة المباشرة لأي منها، أو لشخوصها، بالإضافة إلى أن معظم الانتقادات التي طرحها بطل القصة ليست موجودة بالضرورة وإنما كانت مجرد فرضيات بنيتها جرّاء التقاطي لأخبار ومنشورات وروايات شفوية من هنا وهناك، فجمعتها وصغتها لتلائم الأسلوب القصصي البعيد عن السمة التقريرية.
ونتيجة تأثري بما كان يتناول قناة سوريا من انتقادات، كما أسلفت، فقد خصصت جزءاً من القصة للحديث عنها وانتقادها على لسان بطل القصة. لكني، وبحكم معرفتي غير المباشرة ببعض إعلامييها، ويقيني التام بنَفَسهم وتاريخهم الإعلامي الثوري، فقد تناولت الحديث عن مديرها "أنس أزرق" الذي لا أعرف عنه أي شيء سوى عمله السابق كمراسل لقناة "المنار"، وكون غالبية الانتقادات كانت موجهة له بشكل شخصي.
لذلك، تحدثت في سياق القصة عن إعلاميّ تسلّم حديثاً مؤسسة إعلامية داخل تركيا، وكان موظفاً في السابق في وزارة إعلام النظام، وألّفتُ من رأسي تفاصيل تتحدث عن دورٍ له في اعتقال بطل القصة، ثم أنهيت الجزء المتعلّق بمدير المؤسسة في القصة برفض البطل العمل فيها، رغم طلب المدير من الأخير العمل ضمن طاقمه.
وبعد انتهائي من كتابة القصة، أرسلتها إلى مسؤول تحرير المطبوعة التي ستنشرها كالعادة ضمن صفحات العدد الجديد. لكن، وبعد أيام من الإرسال، تواصل معي الصديق مسؤول التحرير ليبلغني بأن القصة لن تنشر، وعندما سألته عن السبب، أجابني بأن طرحها لا يليق بالمطبوعة ولا بي شخصياً، فطلبت منه التوضيح أكثر، خاصة وأني أعلم تمام المعرفة بأنه لا يتعاطى ولا يتفق مع معظم الجهات والمؤسسات والشخصيات التي رمّزت لها في القصة.
قال لي الصديق موضحاً: "أنا أحترمك وأحترم كتاباتك، ولا أزال كذلك.. لكنك هذه المرة قسوت على البعض بدون وجه حق، وخاصة مدير المؤسسة الجديدة رغم أنك لم تذكر اسمه الصريح أو اسم المؤسسة، لكن القارئ سيعرف مباشرة بأنها موجهة لإدارة قناة سوريا!
سألته: وهل يهمك أنس أزرق؟ ثم أني لم أقصده شخصياً فأنا لا أعرفه، لكني قرأت الكثير من الانتقادات حوله من إعلاميين محسوبين على الثورة أو المعارضة!
قال: ألا تعرف فلان، وفلان، وفلانة، وفلان..؟ هم جميعهم يعملون في القناة، فهل تتوقع منهم العمل في مؤسسة تضرّ بمصلحة الثورة أو الثوار؟ حتى وإن افترضنا بأن أنس أزرق لا يمثل الثورة، ومن منّا أساساً يمثّل الثورة أو الثوّار؟.. أنت تعرف جيداً بأني لا أتفق مع أنس أزرق، لكنه كالعديد ممن عملوا في مؤسسات النظام ثم التحقوا بالثورة، وبنفس الوقت لستُ مخوّلاً لتقييمه، لكن باستطاعتنا تقييم أداء القناة وتصنيفها إن كانت تتناغم مع النظام أم لا بعد انطلاقتها، ووقتها لكل حاذث حديث.
بقيت بعد هذه المحادثة أياماً عدّة أنتظر انطلاقتها بفارغ الصبر، وكلما اقترب الموعد ازدادت كتابة (النقّاد) للمقالات والمنشورات لترفع من سقف النقد، والقدح، والتخوين، لدرجة جعلتني أتخيّل نفسي واقفاً أمام التلفاز حاملاً مطرقة لأهوي بها على الشاشة بمجرد بدء البث!
تابعت منشورات أصدقاء الصفحة من العاملين بالقناة، علي سفر ومؤمن سراج الدين ومحمد علاء الدين وغيرهم، وهم يدونون فيها ساعة انطلاق البث يوم 3 آذار/ مارس الفائت، مع الترددات، وتواصلت على الماسنجر، مع علي، على ما أذكر، ليمدّني برابط البث المباشر للقناة على الإنترنت أيضاً إن وجد، ثم جلست أراقب التلفاز و"اللابتوب" وأنا أفرك كفّي ببعضهما وأقضم شفتي السفلى، وهذه الحركة تعرفها زوجتي جيداً، فآثرت الأخيرة الخروج من الغرفة هي والطفلين كي لا تتحول المعركة إلى أرضهم!
بقيت على هذه الحال إلى أن ظهر لوغو القناة: "سوريا.. حرية للأبد" مترافقاً مع صوت المتظاهرين في الخلفية وهم يهتفون "حرية للأبد.. غصباً عنك يا أسد"!
حينها، شعرت وكأن صهريجاً من ماء البراد قد سكب على "نافوخي"، لكني رغم ذلك استعدت توازني وقلت في نفسي: "يمكن هذا طُعم للإيقاع بنا.. ولكن هيهات"، لذلك رحت أتابع ما يبث على القناة من برامج ونشرات أخبار، ما عدا المسلسلات لأني لا أحبها، لثلاثة أيام على التوالي، بعين المراقب والناقد "الأدونيسي" كي ألعن سلسفيل الأخبار والبرامج المدسوسة، والعبارات المؤيدة، وسوالف "المنحبكجية" كما ورد على الفيسبوك في منشورات النشطاء الإعلاميين وأعلام الصحافة وقدواتي الأفذاذ في النقد، كيف لا وأنا كلما سألت أحداً منهم عن سرّ قناة سوريا وطلاسم مديرها، يجيبني: ولك أنت شو عرّفك بالإعلام وخفاياه؟ بكرا تشوف!
فصرت كلما ظهرت صورة لعلم الثورة في القناة أشعر وكأني أرى نجمتين خضراوين تتوسطهما صورة أبو رقبة، وكلما تفوّه المذيع بكلمة "ثورة" أظنّ المقصود بها ثورة 8 آذار أو أنثى "الثور"، وحين تظهر "نور خانم" أظنها بثينة شعبان بالحجاب، و"حمصوود" صرت أقرؤها "حسوون" المفتي، وبرنامج "لمّ الشمل" يصوّر لي بأنه تعفيش، أما حين يظهر أنس أزرق في برنامج "المنعطف" صرت باللاشعور أكرر "يلعن روحك"!
يا إلهي، كم لبثنا؟
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس