علي حسين باكير - السورية نت
انتشرت في الأشهر الأخيرة حملة دبلوماسية وإعلامية غربية غير مسبوقة ضد تركيا تركّز على ادعاءات بدعم تركيا لتنظيم الدولة "داعش"، وقد اجتهد هؤلاء ما استطاعوا في تلفيق الأكاذيب عن دعم تركي مزعوم للتنظيم، تارة بالقول إنّ أنقرة تسهّل للمقاتلين الأجانب المنضمين لداعش المجيء إليها، وتنظّم لهم التدريب والتسليح ومن ثمّ تؤمّن نقلهم إلى داخل سوريا، وطوراً بالقول إنّ السلطات التركية فتحت قنصلية في اسطنبول لاستقبال هؤلاء والتكفّل بشؤونهم، وأنّ اتفاقاً جرى بين الطرفين يقضي بتبادل المنافع، وغيرها من الادعاءات التي لم يثبت منها شيء، وكان مصدرها الأساسي للمفارقة النظام السوري و الإيراني وأتباعهما في المنطقة.
أعتقد أنّ الجانب التركي مقصّر جداً في مواجهة هذه الدعاية بما يلزم من كشفٍ للمزيد من الحقائق المتعلّقة بعدم تقديم أجهزة الاستخبارات الغربية المعلومات اللازمة للجانب التركي لاعتقال مواطنيهم الذين يريدون الدخول إلى سوريا عبر تركيا، وعدم التعاون مع أنقرة ومدّها بالتكنولوجيا اللازمة لتعزيز مراقبة حدودها.
لكن المثير للاهتمام أنّ ذروة هذه الادعاءات جاءت بالتزامن مع قرائن عمليّة على وجود تعاون بين أمريكا والميليشيات الشيعية التابعة لإيران في المنطقة العربية، كما تقول التقارير الأمريكية نفسها وتثبته الوقائع على الأرض في سوريا والعراق واليمن، ولاسيما بعد الإجازة الشهيرة للخامنئي في 5 سبتمبر 2014 بالموافقة على التعاون العسكري مع الولايات المتحدة، والتي أنكرها الأمريكيون بداية ثمّ تهكّم الخامنئي عليهم فيما بعد. فهل كانت الحملة على تركيا مجرّد قنابل دخانيّة للتغطية على هذا الموضوع؟
لقد اجتهد الجانب الأمريكي طويلاً في محاولة إنكار وجود هكذا تعاون ونفيه نفياً قاطعاً، وما إن بدأت الحقائق تظهر شيئاً فشيئاً حتى بدأ الإنكار يتطور تدريجياً إلى قوله ربما حصل لكنّه لم يكن مقصوداً ولم يأت عن سابق تصوّر، ثم أصبح الحديث عن تقاطع مصالح ثم تعاون غير مباشر، وأخيراً تحالف مؤقت!
وليس سراً أنّه ومنذ مجيء إدارة الرئيس أوباما إلى البيت الأبيض، حصلت صفقة بين واشنطن وطهران لا تزال قواعدها راسخة جداً في العراق، بل تم توسيعها على مستوى المنطقة ككل. الأسلحة والتدريب والتمويل الأمريكي الذي يذهب إلى الجيش العراقي، كان يذهب في حقيقة الأمر إلى الميليشيات الشيعية التابعة لإيران، بما فيها تلك المدرجة على قوائم الإرهاب الأمريكية، فالجيش العراقي لم يكن سوى مجموعة من الميليشيات عمودها الفقري منظمة بدر وزعيمها المجرم هادي العامري والذي تقلد مناصب وزارية فيما بعد، ثم أشرف المالكي شخصياً على تكوين عصابات القوات الخاصة المرادفة للجيش وجعلها تحت أمره، وتمخّض عن كل ذلك ما يعرف الآن بالحشد الشعبي الذي تمّ دعمه شرعياً أيضاً من المرجعيّة الشيعية بفتوى "الجهاد الكفائي".
وتحوّل "الحشد الشعبي" الآن إلى جزء من المنظومة العسكرية العراقية الرسمية وهو مرتبط بمكتب رئيس الوزراء العراقي مباشرة، يضم أشهر وأكثر الميليشيات الشيعية المعروفة إجراماً وفقاً للتقارير الدوليّة الموثقة، وأبرزها: منظمة بدر وعصائب أهل الحق وكتائب حزب الله العراقي (الذي ساعد حزب الله اللبناني في إنشائه) وحوالي 50 ميليشيا أخرى. وبدأت بعض هذه الميليشيات مؤخراً تفتخر بسلاحها الأمريكي، ومنها الصور التي نشرها حزب الله العراقي لعناصره على دبابات (M1A1) أبرامز أمريكية الصنع، وعربات همفي وتحمل أعلام الحزب وشعاراته الطائفية، بالإضافة إلى أسلحة أمريكية أخرى خفيفة.
هذا الكلام ليس كلامي فقط وتأكده تقارير أمريكية، في 8 يناير الحالي، نشرت بلومبرغ تقريراً حصرياً نقلت فيه تصريحات مسؤولين رفيعي المستوى في إدارة الرئيس أوباما، قالوا فيها "إنّ الإدارة الأمريكية على علم بأنّ الأسلحة الأمريكية تصل في النهاية إلى الميليشيات الشيعية المدعومة من إيران في العراق، وإنّ برنامج الدعم الذي تمّ إقراره مؤخراً في واشنطن بقيمة 1.2 مليار دولار للقوات العراقية سيؤدي إلى وصول أسلحة وعتاد أمريكي إلى هذه الميليشيات، التي تمتلك سجلاً حافلاً في قتل السنّة أو حتى الجنود الأمريكيين..ولكن لا خيار ثانٍ أمامها".
أكثر من ذلك، أصبح من المعروف أنّ معركة "آمرلي" في العراق في سبتمبر 2014 دشّنت التنسيق والتعاون الأمني والعسكري بين واشنطن من جهة وبين الحرس الثوري الإيراني بقيادة قاسم سلمياني نفسه والميليشيات الشيعية من جهة أخرى، ولم يمنع وجود سليماني وحرسه على قائمة الإرهاب الأمريكية وعلى لائحة العقوبات الأممية وتنديد الأمم المتحدة بخرقه للعقوبات المفروضة عليه عبر تواجده في العراق من أن تقوم واشنطن بالتنسيق والتعاون معه عبر تأمين الغطاء الجوي لقواته العسكرية على الأرض، بل إنّ عدداً من الميليشيات التي شاركت في تلك المعركة كحزب الله العراقي مدرجة على قوائم الإرهاب الأمريكية هي الأخرى.
وبالمناسبة فإن نائب رئيس الحشد الشعبي الذي تصله الأسلحة الأمريكية والذي أصبح جزءاً من منظومة الجيش العراقي عملياً، ومرتبط كما ذكرنا بمكتب رئيس الوزراء العراقي، هو الإرهابي أبو مهدي المهندس جمال جعفر إبراهيم، الذي يحمل الجنسية الإيرانية والمتهم بتفجير السفارتين الأميركية والفرنسية في الكويت في الثاني عشر من ديسمبر 1983، والذي لعب دوراً في تأسيس عصائب أهل الحق وحزب الله العراقي. يظهر المهندس الآن تحت سمع وبصر الأمريكيين (أقل من بضعة مئات من الأمتار عن السفارة الأمريكية في بغداد) في مؤتمرات صحفية دورية في بغداد ليتحدث عن إنجازات هذه الميليشيات وما حققته من انتصارات على "داعش".
في سوريا، لا حاجة للإطالة في الشرح، فقد استخدم الأسد سلاحه الكيماوي وكل ما تحتوي عليه ترسانته العسكرية ضد المدنيين، دون أن يكون هناك أي رد فعل من واشنطن على الإطلاق، لا بل إنّ أوباما جعل خطه الأحمر ضوءاً أخضر للنظام للاستمرار في قتل المزيد من السوريين. وكذلك الأمر بالنسبة إلى الميليشيات الشيعية والحرس الثوري الإيراني العامل في سوريا، فقد تم تجاهلهم وكأنّهم غير موجودين على الإطلاق هناك،
وضغطت واشنطن نهاية العام الماضي لاستصدار قرارين في مجلس الأمن ضد "المقاتلين الأجانب" في سوريا في سابقة تاريخية هي الأولى من نوعها، ولكن تم تخصيصهما حصراً لجماعات (القاعدة، داعش، وجبهة النصرة)، وكما تعلمون فإن الحملة الجوية الآن لا تستهدف أي فصيل شيعي إرهابي تابع لإيران في سوريا. أمّا نظام الأسد، فقد تطور الموقف منه إلى درجة التنسيق غير المباشر، إذ تتشارك واشنطن معه سماء البلاد، ويتبادلان قصف المدنيين في الغالب.
في اليمن، من الواضح أنّ هناك تجاهلاً أمريكياً تامّاً لاحتلال "أنصار الله" الحوثي (النسخة اليمنية من الميليشيات الشيعية التابعة لإيران في المنطقة) لليمن، وتدمير النظام السياسي وقتل الناس وسلب ونهب مخازن أسلحة الجيش (قسم منها أمريكي). وبالرغم من محاصرة ومهاجمة قصر الرئيس اليمني الذي استقال، واغتيال ومحاولة اغتيال عدد من المسؤولين الرسميين واختطاف آخرين، إلا أنّ تعليق البيت الأبيض كما أصبح الجميع يعلم على هذه الأحداث كان "لم تتضح لنا سيطرة الإيرانيين على الحوثيين"!.
أكثر من هذا، في 21/1/2015، قام مايكل فيكيرز، مساعد وزير الدفاع لشؤون الاستخبارات الأمريكية بالقول علناً في اجتماع جرى في "الأتلانتك كاونسل": "نحافظ على علاقات استخباراتية مع جماعة الحوثي"!!. "فيكيرز" عمل في الاستخبارات الأمريكية لسنوات طويلة في قسم العمليات الخاصة، وكان مسؤولاً عن دعم بعض الجماعات التي كانت تتوجه لقتال الاتحاد السوفييتي! وقد خدم في القوات الخاصة وعيّنه أوباما شخصياً في العام 2010 في أرفع موقع يشغله مدني في الاستخبارات العسكرية التابعة لوزارة الدفاع، ويمكنكم أن تستنتجوا ما تريدون من هذه المعلومة.
أعتقد أنّ مسألة قيام أمريكا بشكل مباشر أو غير مباشر بالتعاون مع/أو تقديم الدعم للميليشيات الشيعية المسلحة التابعة لإيران في العالم العربي أمر يجب أخذه على محمل الجد، وليس من باب الدعاية أو لمواجهة الادعاءات الغربية بادعاءات مقابلة، فهناك وقائع لا يمكن إنكارها (تم إيراد جزء منها هنا)، ويبدو أنّ الجانب الأمريكي يرى أنّ هذه الميليشيات من الممكن أن تخدمه في حربه ضد جماعات التطرّف المسلّحة المحسوبة على السنّة كالقاعدة وداعش، كما أنّ هذا المنظور ينسجم مع سياسة أوباما تجاه إيران والتعاون والتنسيق الجاري معها إقليمياً في أكثر من ملف وعلى أكثر من صعيد، والإرادة المستميتة في التوصل إلى اتفاق نووي معها.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس