د. باسل الحاج جاسم - تلفزيون سوريا
أجبرت التطورات الإقليمية والدولية، الكثير من دول المنطقة على إعادة النظر اليوم في أهدافها السياسية، وفي ظل تسارع الأحداث بات من الضروري إعادة قراءة ما يحدث وسيحدث في سوريا من جديد.
الواضح "ظاهريا"، في هذه المرحلة أن مؤشر التوتر يتجه مبدئيا نحو طهران، في ظل الغموض الذي يحمله إعلان العقوبات الاقتصادية الأميركية، بعد انسحاب الولايات المتحدة من صفقة البرنامج النووي الإيراني، مع الأخذ بعين الاعتبار الموقع الجيوسياسي لإيران وارتباطاتها الإقليمية و الدولية، الأمر الذي يجعل عدم إمكانية تجاهل مصير كل الملفات ذات الصلة.
المؤكد أن واشنطن لن تترك متنفساً للنظام الحاكم في طهران، إذا ما نفذت العقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة على إيران بالكامل، بالنظر إلى المجالات التي تطالها العقوبات، والرئيس الأميركي "البيزنس مان" دونالد ترمب قال وبكل وضوح: "من يتعامل مع إيران لن يستطيع العمل مع الولايات المتحدة"، في رسالة لحلفاء الولايات المتحدة، قبل أعدائها.
اللافت أنه بينما يزداد توتر العلاقات الإيرانية الأميركية، وترتفع سخونة الوضع في المنطقة، يتعزز المشهد العسكري على الخارطة السورية لصالح النظام هناك، وتقدم الحلف الذي تشكل إيران أحد زواياه، و الذي يترافق أيضًا مع تطورات سياسية لافتة.
يٌظهر بقية الفاعلين على الساحة انسجامًا سريعًا مع المشهد الجديد، ويمكننا في هذا السياق ملاحظة، نقاط تباحث ترمب وبوتين في المسألة السورية خلال قمة هلسنكي، والزيارات المتكررة لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إلى موسكو، وسيطرة قوات النظام في سوريا على المناطق المتاخمة لإسرائيل والأردن، ويمكن تقييم الاتفاق مع الامتداد السوري لحزب العمال الكردستاني تحت مسمى "قوات سوريا الديمقراطية" من أجل تفعيل عمل فرق السدود على نهر الفرات في هذا الإطار.
وأكد سفير إسرائيل لدى موسكو، هاري كورين، أن إسرائيل راضية من موقف روسيا إزاء الوجود العسكري الإيراني على الحدود الإسرائيلية السورية، وأشار كورين إلى أن إسرائيل وروسيا تخوضان مباحثات مكثفة حول هذه القضية، فيما شدد على أن وجود القوات الإيرانية في المنطقة "يستهدف إسرائيل".
بطبيعة الحال قد يعتبر كثيرون، كل ذلك لا يعني الشيء الكبير في بلد أنهكته الحرب، لكن قد يكون له دلالات أكبر من أجل فهم طبيعة تغير النوايا والقدرات لدى معظم اللاعبين، ولا سيما السوريين منهم.
لا يمكن عدم ملاحظة ازدياد سخونة الملف الإيراني في الأسابيع القليلة الماضية، المترافق مع تغيرات على الجبهة السورية، وكلما تصدرت الأزمة الإيرانية واجهة الأحداث، تتراجع أهمية الملف السوري بالنسبة لبعض الأطراف، لكن هذا الكلام قد لا ينطبق إلى حد كبير، على روسيا وتركيا.
التعقيد والصعوبات التي تقف أمام تركيا في سوريا "الآن"، إنها غير قادرة على تحقيق رؤيتها هناك إلا عبر بوابتي اللاعبين العملاقين أميركا وروسيا، سواء كان ذلك بالصراع، أو الاتفاق، ولم يعد يخفى على أحد الاختلافات الكثيرة بين أنقرة من جهة وموسكو وواشنطن من جهة أخرى، من ناحية طريقة العمل والارتباطات والأولويات..
اليوم هناك مبالغة في وصف توتر العلاقات التركية-الأميركية، لا يمكن القول إن علاقات البلدين على ما يرام، لكن أيضاً لا يمكن زعم أن الأزمة الموجودة بين الدولتين هي الأعمق من نوعها عبر تاريخ علاقات البلدين.
إن الأزمة الحاليّة لا تقتصر على سوء العلاقات الثنائيّة بين تركيا وأميركا فقط، إنما تمثل أزمة ينعكس تأثيرها على النظام العالمي الذي أسّسته أميركا وأصبحت مركزاً لمحوره، إذ رأينا مؤخراً أن أميركا تعاني من مشاكل مع جميع حلفائها وأعدائها وليس تركيا فقط.
يمكن القول إن الأزمة الحالية، شبيهة بالأزمات السابقة إلى حد كبير، إضافةً إلى أنها لم تصل لعمق وزخم السابقة أيضاً، فقد وصلت العلاقات الأميركية-التركية إلى ذروة التوتر بعيد أزمة قبرص، وبادرت الإدارة الأميركية بتطبيق حصار على تركيا في تلك الفترة، لم تصل الأزمة الحالية لدرجة أن تكون الأعمق بعد، إذ لم نرى عقوبات ملموسة وواقعية من أميركا إلى الآن.
ستوفر المعارضة المتزايدة في الاتحاد الأوروبي ضد الولايات المتحدة لأسباب اقتصادية، أرضية مناسبة لتركيا من أجل تحقيق هدفها المطلوب، وهنا ينبغي على أنقرة إقامة تعاون مع العواصم الأوروبية المتضررة من التحركات الأميركية الأخيرة، دون طرح مواضيع جدل جديدة كتطبيق عقوبة الإعدام على سبيل المثال، بالإضافة لتوجهاتها المستمرة نحو روسيا والصين.
يبقى القول، في خضم التغيرات التي طرأت على حجم وطبيعة المشاكل والأزمات الإقليمية – الدولية، من المفيد أن تضع تركيا المشهد السوري تحت المجهر من جديد.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس