سيفيل نورييفا – صحيفة ستار – ترجمة وتحرير ترك برس
من المعروف أن روسيا تسعى للحفاظ على مكاسبها في سوريا، وخصوصاً أنها تنظر إلى بعض الخطوات التي اتخذتها في الساحة السورية والتصريحات التي أفادت بها من دون خسارة تركيا على أنها انتصار نفسي على أمريكا، وتزداد أهمية المسألة نظراً إلى قلق روسيا بسبب عدم قدرتها على توقّع الخطوات الأمريكية مُسبقاً.
أصبحت حقيقة أن أمريكا تسعى لتقسيم سوريا معروفة من قبل الجميع، إضافةً إلى أن الأداة التي تستخدمها أمريكا لتقسيم سوريا هي المجموعات الإرهابية التابعة لبي كي كي وحزب الاتحاد الديمقراطي، وفي هذا السياق من الطبيعي أن تسعى روسيا لجذب هذه الأداة لصفوفها من أجل ضمان الحفاظ على مكاسبها في المنطقة، ومن جهة أخرى إن البحر الأبيض المتوسط يحمل أهمية كبيرة بالنسبة إلى روسيا، مما يؤكد على عدم خروج الأخيرة من المنطقة ببساطة.
ذكرتُ في بعض الأحيان أن سبب دعم روسيا للنظام السوري ليس علاقاتها مع الأسد، ولذلك يمكن مفاوضة روسيا في خصوص بقاء الأسد خلال المراحل المقبلة، ولكن الأمر ليس كذلك بالنسبة إلى إيران، في حين أن المسألة الرئيسة في الوقت الراهن هي المواقف الدولية تجاه مستقبل سوريا، إذا تمكّنت تركيا من موازنة وجهة نظر أمريكا يمكنها اكتساب مجموعة جديدة من الحلفاء إلى جانبها، ومن جهة أخرى إن وجهة نظر إيران وروسيا تجاه الاتحاد الأوروبي هي فترة جديدة خالية من الحرب والنزاع، بتعبير آخر إن قلق الدول تجاه موقف أمريكا يدفعها للدخول إلى المرحلة الجديدة دون إثارة المشاكل مع الدول الأخرى، لكن تزامناً مع ذلك سنرى نموذج روسي يميل لاتخاذ خطوات راديكالية في الصدد ذاته.
يقول البعض إن روسيا تميل للتحرّك المشترك مع تركيا، بل وتسعى أيضاً لتأسيس اتفاق دائم مع الأخيرة، إضافةً إلى أن روسيا تفعل كل ما بوسعها من أجل الوقوف في وجه تقارب تركي-أمريكي، لكن في الواقع المسألة عبارة عن أن روسيا تُدرك مدى صعوبة البقاء في معادلة الشرق الأوسط من دون التعاون مع تركيا، وخصوصاً أنها تعرف جيداً معنى وجود تركيا في الساحة، ولكن ذلك لا يلغي وجود بعض المخاوف والطباع الخاصة بروسيا، إذ تنفّذ الأخيرة هجماتها النهائية في إطار المنافسة ضد أمريكا، ومن جهة أخرى إن استمرار الوجود الروسي ضمن معادلة الشرق الأوسط سيكون منفذاً لروسيا على الصعيد الاقتصادي، خصوصاً أن احتياطي الغاز الطبيعي في قطر والبحر الأبيض المتوسط وموارد الغاز المُكتشفة حديثاً في هضاب الجولان السوري تحمل أهمية خاصة بالنسبة لروسيا.
يجب التدقيق على الأسلوب والنموذج المُستخدم خلال علاقات تركيا مع روسيا
إن الخطوات التي اتخذتها تركيا بعد أن أصبحت عاملاً هاماً ومحدداً للمستقبل السوري من خلال الأوراق الرابحة التي تملكها والتي حصلت عليها مؤخراً تُعتبر صحيحة ومُنتجة بشكل إيجابي، وفي السياق ذاته يجب النظر إلى موقف أنقرة خلال قمّة طهران على أنه نجاح جديد لصالح تركيا، من جهة أخرى إن مزاعم البعض التي تنص على أن أطراف القمّة لم تشدّد على مسألة وقف إطلاق النار مما أدى إلى فشل أهداف القمّة لم تعكس الواقع بشكل صحيح، لأننا سنشهد على وجود خطوات جديدة ومشابهة لسابقاتها إلى أن تنتهي المرحلة التي بدأت مع قمّة طهران.
ستستمر إيران في السعي لتضمان مصالحها في الساحة السورية إلى اللحظة الأخيرة من المرحلة الجديدة، وكذلك روسيا تسعى خلف مصالحها أيضاً، ولكن يجب النظر إلى موقف إيران من جانب مختلف عن الجانب الروسي، لأن هدف إيران لا يتقصر على مصالحها على المدى القصير خلال الفترة الراهنة فقط، إنما تسعى لتأسيس بنية تحتية على المدى الطويل خلال المراحل المقبلة أيضاً، هناك بعض المخاوف التي تدفع إيران للتردّد، ولكن يجب أن لا تكون هذه المخاوف عائقاً يغيّر سياسة إيران تجاه المنطقة، إذ أظهرت إيران مؤخراً أن موقفها مشابه جداً للموقف التركي من حيث القلق تجاه مسألة الهيكل الوحدوي ووحدة الأراضي السورية، وأن تركيا هي الدولة الأكثر قدرةً على إدراك وفهم سياسة إيران تجاه المنطقة.
إيران مضطرة للتعاون مع تركيا من أجل ضمان مستقبلها في المنطقة، مع الأسف أضطر لاستخدام كلمة مضطرة، على الرغم من أن المضمون الإسلامي للمنطقة يجب أن لا يجبر تركيا وإيران على التعاون، على العكس تماماً لم تنظر إيران لمسألة التعاون والعمل المشترك مع تركيا من الجانب الديني والمبادئ الإسلامية، ولذلك يجب على إيران بعد الآن أن تُدرك أنّ تحقيق الاستقرار الدائم في المنطقة غير ممكن من دون موقع ودور تركيا في هذا الصدد.
لا يمكن تحقيق الاستقرار والسلام الدائم في المنطقة من خلال النظر إلى قوة أمريكا فقط، لأن دخول ألمانيا وفرنسا في هذه المعادلة قد يؤدي لتغيير المجرى الرسمي للمرحلة الجديدة، كما أن نظر تركيا للمسألة من الجانب الإنساني والأخلاقي سيكون بمثابة أساس البنية التحتية لهذه المرحلة، ومن المؤكد أن تركيا ستنجح في ذلك عاجلاً أم آجلاً.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس