ياسر التركي - خاص ترك برس
مع إعلان البنك المركزي التركي، الخميس الماضي، رفع نسبة الفائدة بمعدل 6.25 نقطة، من 17.25 إلى 24 بالمئة، بسبب حاجة الاقتصاد التركي الملحة إلى تلك الزيادة الكبيرة في أسعار الفائدة لوقف انحدار الليرة وارتفاع التضخم، أصبحت تركيا تحتل المرتبة الثالثة عالميا من حيث معدلات الفائدة المرتفعة، لتأتي بعد كل من دولة سورينام بنسبة فائدة 25 بالمئة، والأرجنتين بنسبة 60 بالمئة.
سعر الفائدة
سعر الفائدة هو أداة رئيسية للبنوك المركزية لضبط السياسة النقدية للبلاد، حيث يرفع البنك المركزي الفائدة عندما ترتفع نسبة التضخم في الاقتصاد (زيادة أسعار السلع والخدمات) وبالتالي يرتفع سعر اقتراض الأموال فيتراجع الاقتراض للأشخاص والأعمال ويقل الإنفاق والطلب على الاستهلاك فينخفض التضخم، والعكس في حالة الركود.
سلبيات رفع سعر الفائدة
إن قرار رفع البنك المركزي التركي لسعر الفائدة يؤثر إيجابا على المدى القصير، إذ يرفع من سعر صرف الليرة التركية ويقلل من حجم التضخم الذي بلغ معدله في تركيا خلال أغسطس/ آب الماضي 17.90 بالمئة، بحسب هيئة الإحصاء التركية. إلا أن رفع سعر الفائدة له جملة من العوامل السلبية تتمثل في التالي:
* زيادة حركة الأموال الساخنة في تركيا والتي تؤثر سلبا بشكل كبير، لأنها تتركز في قطاعات غير إنتاجية كالبنوك والأسهم والسندات وشراء الأصول التي يمكن المضاربة بها والخروج منها بسرعة مسببة تراجعا كبيرا في سعر صرف العملة الوطنية.
* تخوف المستثمرين من الدخول للسوق في ظل ارتفاع تكلفة الإقراض، كما يدفع كثيرا من الشركات لتأجيل توسعاتها وعدم القيام بمشروعات جديدة وهو ما يترتب عليه تراجع معدلات الاقراض بالبنوك.
* يؤدي ارتفاع أسعار الفائدة إلى رفع العائد على أذون وسندات الخزانة وهو ما يؤدي فى النهاية إلى تفاقم الدين المحلي.
* يحجب أموال المستثمرين عن المساهمة في عمليات التنمية حتى الصغيرة منها بسبب زيادة أعباء تكلفة الإقراض على القطاع الخاص، فيتجه المستثمر المحلي إلى وضع الأموال في البنوك لأنها أكثر جدوى وفائدة من استثمارها في أي شكل آخر.
* تأثيرات سلبية على البورصة حيث تتسرب السيولة من الأسهم إلى الودائع بحثا عن الملاذ الآمن أو إحجام المستثمرين الذين يقترضون للمتاجرة في الأوراق المالية عن الاقتراض في ظل الفائدة المرتفعة.
قرار رفع الفائدة بالنسبة للاقتصاد التركي
يعد قرار رفع الفائدة في تركيا في هذه الظروف السياسية والاقتصادية والعسكرية التي تعيشها تركيا، قرارا خاطئا ولا يناسب الاقتصاد التركي، لأن لجوء البنك المركزي التركي لمواجهة ارتفاع التضخم لن يعالج التضخم الموجود فى تركيا حاليا، لأن أسباب التضخم فى تركيا ترجع إلى ارتفاع سعر الدولار وزيادة تكلفة إنتاج السلع الناتج عن الأسباب السياسية والعسكرية.
فالتوتر الحاصل بين تركيا والولايات المتحدة الأمريكية منذ مضاعفة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الرسوم الجمركية على واردات الألومنيوم والصلب التركية، و فرض واشنطن عقوبات على وزيري العدل والداخلية التركيين متذرعة بعدم الإفراج عن القس الأمريكي أندرو برانسون الذي يحاكم في تركيا بشأن اتهامات تتعلق بالإرهاب، فضلا عن التوتر الحاصل في إدلب السورية، كل ذلك أدى إلى تراجع سعر صرف الليرة التركية، حيث بلغ التراجع بنسبة 40 بالمئة من قيمتها منذ بداية العام الحالي.
الاقتصاد التركي ما بعد رفع الفائدة المبالغ به
بعد قيام البنك المركزي التركي برفع سعر الفائدة لتخفيف التضخم ورفع سعر صرف الليرة، الخميس الماضي، مؤكدا استقلاليته، تتجه الأنظار الآن نحو الخطة متوسطة المدى والتي أعلن عنها وزير الخزانة والمالية التركي براءت البيرق في شهر يوليو/ تموز الماضي، عقب اجتماعه مع كبار رجال الأعمال وممثلي منظمات الأعمال غير الحكومية في إسطنبول وخبراء مع سلسلة من الاقتصاديين.
فالخطة المتوسطة يتوجب عليها إزالة إشارات الاستفهام الموجودة لدى المستثمرين المحليين والأجانب حول قضايا عدة من أبرزها مواجهة التضخم، وتحقيق تنمية مستدامة وصحية، فضلا عن ضبط الميزانية.
ويرى الاقتصادي التركي مرت يلماز، أن الخروج من الأزمة الحالية يتطلب التركيز على الإنتاج، وخصوصا التغيير في نموذج الإنتاج، إذ أن من المعلوم أن تركيا تعتمد إلى حد كبير على استيراد المواد الخام والمواد النصف مصنعة، وللخروج من ذلك يجب التركيز في المدى المتوسط على التغييرات الهيكلية الاقتصادية، كالتحول التكنولوجي والتركيز على الأبحاث والموارد البشرية، والصناعات ذات القيمة المضافة العالية للنهوض بالصناعة من أجل الإسراع بالتنمية المستدامة.
ويضيف يلماز أن على تركيا البدء بسياسة التقشف في القطاعين العام والخاص، أي لجوء الدولة إلى اتباع سياسات مالية تهدف إلى إحداث قدر من التوازن بين الإنفاق العام للدولة وإيراداتها العامة باستخدام الأدوات المعلومة للسياسة المالية. ومنها خفض الإنفاق العام على المشاريع العامة والبنى التحتية لتقليل عمليات الإقتراض بكافة أشكاله، بهدف السيطرة على العجز في الميزانية العامة والسيطرة على نمو الدين العام، بالإضافة إلى إيجاد أسواق خارجية جديدة لاستمرار التصدير وتدفق العملات الأجنبية.
ومن المشاريع التي اقترح المحلل الاقتصادي التركي تأجيلها، "مشروع قناة إسطنبول والتي تبلغ تكلفتها ما يقارب 10 مليارات دولار، وكذلك مشروعي إنتاج السيارة المحلية والقصر الرئاسي في مدينة ملاذكرد التابعة لولاية موش التركية".
ومن الناحية السياسية يجب على الحكومة التركية، إظهار التحسن في السياسة الخارجية لتركيا ومنها الوضع الحرج في إدلب السورية، ومسألة القس الأمريكي المحتجز. وفي حال تابعنا كل هذه النقاط على المدى القصير ستبدأ الليرة التركية في التحسن لتصل إلى مستوى أقل من 6 ليرات.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس