ياسر التركي- خاص ترك برس
أعلن الرئيس الروسي فلاديمير بوتن، في 23 مارس/ آذار الماضي، أن بلاده قررت بيع الغاز والنفط بالعملة الوطنية "الروبل" فقط مع الدول غير الصديقة بدلاً من اليورو والدولار، رداً على تجميد الأصول الروسية من قبل الدول الغربية بسبب الحرب التي تشنها روسيا على أوكرانيا.
وأكد بوتين أن روسيا ستستمر في إمداد الغاز الطبيعي وفقاً للسعر والحجم المحدَّدَين في العقود الموقعة مسبقاً، مشدداً على أن بلاده تقدّر سمعتها التجارية كشريك ومورّد موثوق به.
وكانت الحكومة الروسية قد صادقت في 7 مارس/آذار 2022، على قائمة البلدان "غير الصديقة" التي تشمل بلداناً مثل الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي وبريطانيا وكوريا الجنوبية واليابان وأوكرانيا وسويسرا وسنغافورا، إضافة إلى 15 دولة أخرى تفرض عقوبات على روسيا.
كذلك، أعلنت روسيا منتصف مارس/آذار 2022، أنها ستسدد ديونها بعملتها المحلية "الروبل"، في حال تعذَّر عليها تسديدها بالعملات الأجنبية، بسبب العقوبات المفروضة عليها.
بدورها رفضت الدول الأوروبية دفع قيمة وارداتها من الغاز الطبيعي بالروبل الروسي وتمسكت بالدفع باليورو أو الدولار "وفقا للتعاقدات القائمة".
إلا أن المجر أعلنت على لسان رئيس وزرائها فيكتور أوربان، الأربعاء 6 أبريل/نيسان 2022، أن بلاده مستعدّة للدفع لروسيا بالروبل مقابل واردات الغاز إذا لزم الأمر، في أول موقف مخالف لإجماع قادة الاتحاد الأوروبي من داخل التكتل الرافض للطلب الروسي.
ما هي أهداف روسيا من بيع الغاز بالروبل؟
تمتلك روسيا احتياطي أجنبي يبلغ حوالي 643 مليار دولار في البنوك الدولية، إلا أنه مع فرض الدول الغربية (46 دولة) العقوبات الاقتصادية على روسيا تم تجميد هذا الاحتياطي وإيقاف التعاملات التجارية مع الشركات الروسية الخاصة والعامة فضلا عن فرض العقوبات على المسؤولين الروس.
وتسببت العقوبات الغربية الاقتصادية والسياسية وآخرها تعليق عضوية روسيا في مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة في عزل موسكو عن العالم الغربي.
وبحسب الصحفي والاقتصادي المصري سيد جبيل فإن قرار روسيا بيع الطاقة بالعملة المحلية بدلا من اليورو والدولار والجنيه الإسترليني (69 مليار دولار قيمة صادرات الغاز الروسي للدول الغربية في 2021) له ثلاث أسباب رئيسية:
أولا- كسر العزلة عن روسيا ومؤسساتها
إن قرار بيع الطاقة بالعملة المحلية إن لم يحقق أهدافا اقتصادية فإنه يحقق أضرارا في الدول المعادية لروسيا، حيث أن جزء من العقوبات الغربية هو قطع التعامل مع روسيا ومؤسساتها وبالتالي القرار الروسي سيجبر الدول المستوردة للغاز الروسي إلى التعامل مع البنك المركزي الروسي أو البنوك التجارية لشراء الروبل وبالتالي كسر للعقوبات الغربية.
كما أن القرار سيدفع الشركات الأوروبية والأمريكية للضغط على حكوماتها لكسر هذه العقوبات لتتمكن من شراء الروبل والتعامل مع روسيا في شراء الغاز وغيره من المنتجات.
ثانيا- الانسجام من التوجه الصيني في التخلص من الهيمنة الأمريكية
تنسجم الخطوة الروسية في بيع الغاز بالروبل مع التوجه الصيني والهندي ودول أخرى التي سئمت من الإسراف الأمريكي في فرض العقوبات الاقتصادية مع حلفائها واستخدام هيمنة الدولار ثم اليورو في عقاب كل من تسول له نفسه معارضة هذه الدول، فضلا عن أن هذه الدول لا تريد وضع مصالحها التجارية رهنا للأجندة الغربية.
ثالثا- دعم قيمة الروبل الروسي
شهدت العملة الروسية تراجعا كبيرا في قيمتها عقب العقوبات الاقتصادية الغربية التي فرضت عليها نتيجة الغزو الروسي لأوكرانيا.
واتخذت السلطات الروسية عدة إجراءات للحفاظ على قيمة عملتها منها فرض عمولة 30 بالمئة على عمليات شراء العملات الأجنبية في سوق الأوراق المالية.
إلا أنه وبحسب جبيل فإن الهدف الثالث من القرار الروسي لا يحظى باهتمام كبير لدى السلطات الروسية لأنه اقتصاديا قبل القرار وبعد القرار فإن حجم العملات الأجنبية (نحو 70 مليار دولار) التي ستدخل روسيا من عوائد الغاز الطبيعي سواء عبر تحويلها إلى الروبل أو مباشرة كعملات أجنبية كاليورو أو الدولار أو الجنيه الإسترليني واحدة ولا تخلق تأثيرا كبيرا على العملة الروسية.
وفي النهاية، فإن القرار الروسي له بعد سياسي أكبر من الاقتصادي، وهو التخلص من العزلة الدولية وكسر العقوبات المفروضة عليها، والتخلص من هيمنة الدولار وسيطرته على الاقتصاد العالمي.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس