بولنت أوراك أوغلو – صحيفة يني شفق – ترجمة وتحرير ترك برس
شهدنا خلال قمّة طهران التي عقدت في 7 أيلول/سبتمبر بحضور الدول الضامنة لمرحلة أستانة تطورات تتناقض مع المرحلة نفسها، وتؤثر سلباً على السلام في سوريا، إذ كان قصف القوات الروسية وقوات نظام الأسد لمدينة إدلب قبيل يوم من قمّة طهران واستمرار القصف أثناء عقد القمّة دليلاً على أن الأمور تجري بعكس الأطروحات التي قدّمتها تركيا المعارضة لتنفيذ عملية عسكرية في إدلب.
كانت تركيا تشعر بالقلق تجاه احتمال تشكّل موجة لجوء جديدة ومقتل المدنيين من خلال عملية عسكرية تحت مسمّى مكافحة الإرهاب في إدلب، وهناك نقطة أخرى لفت الرئيس التركي أردوغان الانتباه إليها، وهي الوجود الأمريكي في شرق الفرات، إذ حذّر أردوغان الرأي العام الدولي ودول العالم من خلال هذا التصريح: "إن استغلال أمريكا لانشغال العالم وتركيزه على إدلب، وتواجدها في شرق الفرات على الرغم من انتهاء تهديد داعش في المنطقة، ودعمها لتنظيم إرهابي آخر هو أمر مزعج للغاية، وجميعنا ندرك أن قوة التنظيم الإرهابي الذي دعمته أمريكا بـ 18 ألف شاحنة وثلاثة آلاف طائرة نقل قد ازداد قوةً بنسبة كبيرة عن السابق، وهذا الوضع لا يهدد أمان تركيا فقط، بل يهدد وحدة الأراضي السورية أيضاً، ولذلك يتوجّب علينا توحيد مواقفنا تجاه المسألة".
من جهة أخرى لم تبادر طهران إلى التعاون مع أنقرة بشكل صادق وواضح، وذلك بسبب دعم إيران لنظام الأسد على جميع الأصعدة ودون أي شروط، إضافةً إلى الصراع الإقليمي القائم في المنطقة، وفي هذا السياق كانت إيران تدعم أطروحات الرئيس أردوغان المُقدّمة خلال قمّة طهران والمتعلّقة بشرق الفرات لأنها تناسب مصالحها الشخصية، ولكن في الوقت نفسه كانت تُجازف باستمرار مرحلة أستانة من خلال نقل مضمون قمّة طهران عبر بث مباشر دون أن يكون لباقي أطراف القمّة علم بذلك، وذلك سهّل على وكالات استخبارات الدول التي تهدف لإفساد مرحلة أستانة معرفة الخلافات القائمة بين الدول الضامنة لمرحلة أستانة بدون الحاجة إلى جمع المعلومات والتفاصيل.
من المؤكد أن أمريكا وبعض دول الغرب الأخرى كانت على علم بالمشاكل الموجودة بين روسيا وإيران وتركيا، ولكن أدى عرض إيران لمضمون القمّة عبر بث مباشر إلى مشاهدة العالم بأسره للمجهود الذي يبذله الرئيس أردوغان من أجل حقن الدماء والحفاظ على أرواح ما يُقارب المليون طفل وأربعة ملايين مواطن مدني في إدلب، كما أن تأثير موجة اللجوء الجديدة على دول أوروبا بقدر تأثيرها على تركيا دفع الدول الأوروبية إلى دعم تركيا في هذا الصدد.
أدى قصف روسيا وحليفها نظام الأسد للمناطق الآمنة التي أسستها بنفسها وخصوصاً قصف المدارس الابتدائية، وبالتالي تهديدها لاستمرار السلام القائم في المنطقة إلى تشعّب مفهوم مشروعية مكافحة الإرهاب ولفت ردود فعل الرأي العام الدولي.
وفي سياق آخر استمرت الدبلوماسية التي أظهرتها تركيا خلال قمّة طهران عقب القّمة بشكل ناجح، وتبع ذلك اجتماع ممثلي تركيا وروسيا وفرنسا وألمانيا في ولاية إسطنبول التركية بتاريخ 14 أيلول/سبتمبر 2018 في خصوص مسألة إدلب، وقد أفاد المتحدّث باسم الرئاسة ونائب الأمين العام التركي "ابراهيم كالن" بأن القمّة الرباعية المعقودة في إسطنبول قد تداولت الأحداث الأخيرة في مدينة إدلب السورية، وأضاف إلى ذلك: "هناك اتفاق عام بين أطراف الاجتماع على أن نتائج تنفيذ عملية عسكرية في إدلب ستكون باهظة الثمن وستؤدي إلى تشكّل أزمة إنسانية وموجة لجوء جديدة، وتشير القناعة المشتركة لأطراف الاجتماع إلى ضرورة البحث عن حل سياسي للمسألة بدلاً من الحل العسكري، وكذلك تطابقت الأفكار حول ضرورة دعم مرحلة جنيف القائمة في ظل إدارة الأمم المتحدة، إضافةً إلى دعم مرحلة أستانة في الصدد ذاته".
التقى الرئيس التركي أردوغان بنظيره الروسي بوتين خلال قمّة ثنائية في مدينة سوتشي الروسية بتاريخ 17 أيلول/سبتمبر 2018 لمناقشة نتائج قمّة إسطنبول الرباعية، ويمكن القول إن أردوغان وبالتالي تركيا قد حقّقت انتصاراً ملموساً على الصعيد الدبلوماسي خلال قمّة سوتشي، وكان القرار الأهم المُتّخذ خلال قمّة سوتشي يتمثّل في إقناع أنقرة لموسكو بتأجيل تنفيذ عملية عسكرية روسية في إدلب، وتم الاتفاق على وقف إطلاق النار في المنطقة حتى وإن كان ذلك لفترة مؤقتة، وذلك بدوره وقف في وجه تشكّل موجة لجوء جديدة، وانطلاقاً من ذلك تم الاتفاق على تشكيل منطقة آمنة ومجرّدة من السلاح تمتد لعمق 15-20 كيلو متر نحو الداخل السوري إلى منتصف شهر تشرين الأول/أكتوبر المقبل، ومن المفروض أن يتم سحب الأسلحة الثقيلة مثل الدبابات والصواريخ وقذائف الهاون من المنطقة إلى تاريخ 10 تشرين الأول/أكتوبر، إضافةً إلى حفاظ قوات المعارضة السورية على أماكن تمركزها، ولكن من جهة أخرى سيتم إخراج جميع المجموعات الراديكالية مثل هيئة تحرير الشام من المنطقة، وكذلك تعزيز 12 نقطة مراقبة عسكرية تركية موجودة في المنطقة، وبناء على ذلك سيكون اتفاق سوتشي قد حقّق الأمان في مناطق عمليات درع الفرات وغصن الزيتون مرةً أخرى.
هل اتفقت تركيا مع روسيا في خصوص شرق الفرات؟
لا شك في أن دعوة تركيا للتعاون في الصراع ضد التحالف المؤلف من أمريكا-وحدات الحماية الشعبية-بي كي كي في شرق الفرات والذي يهدد وحدة الأراضي السورية وأمان الدولة التركية يحمل أهمية كبيرة، ويمكن القول إن روسيا وإيران قد استجابت للدعوة التركية بشكل إيجابي، وقد أفاد وزير الخارجية الروسي "لافروف" خلال زيارته للبوسنة والهرسك بأنه لا يتفق مع المزاعم المشيرة إلى أن قوات المعارضة السورية ستستغل اتفاقية سوتشي وتحوّلها إلى فرصة للمبادرة بخطوات قد تشكّل خطراً على وحدة الأراضي السورية، وقد لفت لافروف الانتباه إلى أن بلاده تتفق مع تركيا في خصوص أن الخطر الرئيس الذي يهدد وحدة الأراضي السورية هو الوجود الأمريكي في شرق الفرات، ولكن يجب على تركيا توخّي الحذر وإعادة النظر في دعم هذه المرحلة نظراً إلى أن روسيا قصفت إدلب بالتعاون مع نظام الأسد قبيل قمّة طهران على الرغم من معارضة تركيا لذلك.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس