بولنت أوراك أوغلو – صحيفة يني شفق – ترجمة وتحرير ترك برس
لقد أدت العمليات العسكرية التي بدأت بها أنقرة اعتباراً من شهر يوليو/تموز 2016 في الداخل التركي والعراق وعمليات درع الفرات وغصن الزيتون والتي انتهت بمقتل ما يُقارب الـ 10 آلاف عنصر تابع لتنظيمات بي كي كي ووحدات الحماية الشعبية وحزب الاتحاد الديمقراطي، وتغيير تركيا لوجهتها عقب ذلك نحو شرق الفرات السوري، إلى انزعاج كبير بالنسبة إلى واشنطن.
توجد قرابة 20 قاعدة عسكرية أمريكية في شرق الفرات السوري، ويتمركز ما يُقارب الـ 50-70 ألف عنصر إرهابي تابع لتنظيمات بي كي كي ووحدات الحماية الشعبية وحزب الاتحاد الديمقراطي بالتعاون مع القوات الأمريكية في المنطقة، وتستمر المجموعات الإرهابية التي تعاني من القلق والخوف عقب تصريح الرئيس التركي أردوغان بوجود احتمال دخول الجيش التركي إلى المنطقة بشكل مفاجئ في حفر الخنادق وبناء الحواجز في شرق الفرات.
يبدو أن أمريكا التي تبحث عن طريقة مشروعة للبقاء في الساحة السورية من خلال التظاهر بأنها تكافح تنظيم داعش الإرهابي بالتعاون مع وحدات الحماية الشعبية وحزب الاتحاد الديمقراطي لا تنوي إلى الخروج من المنطقة ببساطة، وكذلك لا تكترث واشنطن للعديد من المسائل الهامّة مثل وحدة الأراضي السورية.
كانت تركيا تستعد لتنفيذ عملية عسكرية ضد تنظيمات وحدات الحماية الشعبية وحزب الاتحاد الديمقراطي التي تهدد الأمان القومي للدولة التركية بناء على الحقوق المخصصة لتركيا من خلال اتفاقية الحقوق الدولية والأمم المتحدة، وقد أنهت تركيا هذه التجهيزات وكانت القوات التركية تنتظر أمر البدء بتنفيذ العملية العسكرية، لكن صرّحت واشنطن بأنها ترصد مكافئة مالية مقابل رؤوس ثلاثة أسماء من الكادر القيادي لتنظيم بي كي كي، وهدفها من ذلك كان إيقاف العملية العسكرية التي تستعد تركيا لتنفيذها، وبالتالي أصبح بي كي كي تنظيماً إرهابياً بالنسبة إلى أمريكا، لكن وحدات الحماية الشعبية وحزب الاتحاد الديمقراطي ليست كذلك، وبناء على ذلك يمكن القول إن أمريكا تستغل قوتها الناتجة عن هيمنتها الدولية في الضغط على تركيا وباقي دول العالم.
إن صلة الوصل التي تربط بين بي كي كي ووحدات الحماية الشعبية هي عبارة عن علاقات اصطناعية، إذ تم تأسيس وحدات الحماية الشعبية بناء على أوامر صادرة عن زعيم بي كي كي عبد الله أوجلان، وكذلك إن بي كي كي ووحدات الحماية الشعبية هي جزء موّحد من مخطط تأسيس اتحاد المجتمعات الكردستاني الذي بادر به أوجلان في سنة 2005، وفي هذا السياق يتضمّن الكادر القيادي لوحدات الحماية الشعبية بعض الأسماء التركية التي أنهت تدريبها في جبل قنديل ضمن كوادر تنظيم بي كي كي، ومن جهة أخرى إنّ قيام أمريكا التي تتعاون مع وحدات الحماية الشعبية في الساحة السورية برصد مكافئة مالية مقابل رؤوس أسماء "مراد قره يلان و جميل بايق وضوران قلقان" الموجودة ضمن الكادر القيادي لتنظيم بي كي كي والتي تملك حق توجيه وحدات الحماية الشعبية هو أمر مضحك وتراجيدي في الوقت نفسه، وكذلك إن وجود صورة أوجلان على ألبسة عناصر وحدات الشعبية التي تتعاون مع أمريكا في إجراء دوريات عسكرية مشتركة في شرق الفرات، وتعاون أمريكا مع القوات التركية في إجراء دوريات عسكرية مشتركة في شرق الفرات، هو أمر ملفت للانتباه.
إن الواقع الأخير عبارة عن تناقض واضح ويشير إلى الرابط الموجود بين وحدات الحماية الشعبية وبي كي كي، وعلى الرغم من وجود العديد من الوثائق والأدلة التي تثبت علاقة وحدات الحماية الشعبية ببي كي كي إلا أن المسؤولون الأمريكيون يستمرون في زعم أن وحدات الحماية الشعبية وحزب الاتحاد الديمقراطي ليست تنظيمات إرهابية في إطار خارج عن القانون والحقوق، وتهدف أمريكا من ذلك إلى إضفاء طابع المشروعية لوحدات الحماية الشعبية وتحويلها إلى مُخاطب لها في طاولة المفاوضات حول المستقبل السوري في الساحة السورية.
صرح الرئيس التركي أردوغان بأنه سيتداول مسألة الدوريات العسكرية المشتركة بين القوات الأمريكية وعناصر وحدات الحماية الشعبية في شرق الفرات مع نظيره الأمريكي ترمب خلال اجتماع باريس المقبل، وقد أفاد أردوغان بوجود وثائق تثبت صحّة الواقع المذكور وتابع تصريحه بعبارة: "هذا أمر غير مقبول، لا يمكن لتركيا قبول ما تفعله أمريكا، وهذه المسألة ستتسبّب بمشاكل سلبية في الحدود التركية، وأنا أتوقع أن أمريكا ستضع حداً لهذه المسألة عقب اجتماعي مع السيد ترمب في باريس".
وصف "أرون ستاين" الخبير في الشأن التركي والشرق الأوسط ما يحدث خلال تصريحه المشير إلى أن رصد أمريكا لمكافئة مالية مقابل القبض على الكادر القيادي لتنظيم بي كي كي الإرهابي هو أمر غريب جداً، وقد وصف الخطوات التي تتخذها أمريكا بأنها صادرة عن وحدات حكومية مختلفة من دون تخطيط مسبق أو استراتيجيات شاملة، وأضاف ستاين: "إن المرحلة التي تمر بها أمريكا الآن ليست مرحلة طبيعية، نحن نمر بفترة غير طبيعية ويجب أخذ هذا الأمر بعين الاعتبار، البقاء في الساحة السورية هي إحدى أهم المسائل بالنسبة إلى ترمب، والمنطقة الوحيدة التي يمكن لأمريكا التواجد بها هي الشمال الشرقي لسوريا، وستضطر أمريكا للتعاون مع وحدات الحماية الشعبية وقوات سوريا الديمقراطية طيلة فترة وجودها في المنطقة، أي إن أمريكا ستتعاون مع وحدات الحماية الشعبية لطالما تحافظ على بقاءها في الساحة السورية".
لقد تلقّت تنظيمات بي كي كي ووحدات الحماية الشعبية وحزب الاتحاد الديمقراطي ضربات موجعة نتيجة العمليات العسكرية المنفّذة في تركيا وسوريا، وقد اقتربت البنية الإرهابية في تركيا من الوصول إلى أدنى حد ممكن، ويمكن القول إن التأثير الأكبر في رصد أمريكا لمكافئة مالية مقابل تصفية الأسماء الثلاثة من الكادر القيادي لتنظيم بي كي كي الإرهابي يعود للضربات الموجعة التي تلقّاها بي كي كي في الداخل التركي وليس للعلاقات القائمة بين قادة بي كي كي وإيران، يبدو أن قمّة اسطنبول وجريمة الصحفي السعودي "جمال خاشقجي" زادت قوة يد الرئيس أردوغان أمام نظيره الأمريكي ترمب، وإن احتمال عدم اتفاق أردوغان وترمب فيما يخص مسألة وحدات الحماية الشعبية خلال اجتماع باريس المقبل كبير جداً، وبناء على ذلك فإن نشوب صراع جديد في سوريا هو احتمال كبير جداً في الصدد ذاته.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مواضيع أخرى للكاتب
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس