د. زهير حنيضل - خاص ترك برس
قبل الخوص في مسألة منبج، لا بد من توضيح أمر مهم ألا وهو التركيبة السكانية للمدينة:
بلغ تعداد أبناء منبج عام 2018 حوالي 700 ألف نسمة موزعين ما بين الريف والمدينة، وتعتبر مدينة منبج عربية عشائرية الطابع، حيث تشكل نسبة العرب فيها 98% من مجموع تعداد أبناء منبج , بينما يشكل الأكراد و التركمان و الشركس مجتمعين نسبة 2% فقط .
تتبع لمدينة منبج 403 قرى وفق ما يلي :
396 قرية عربية
4 قرى تركمانية
2 قرية كردية
منبج إلى أين ؟
تملك تركيا _ في الوقت الراهن _ علاقات متميزة مع كل من روسيا و أمريكا و إيران , و كذلك الأمر فإن تركيا تمر _ حالياً _ بحالة توازن في علاقتها مع الاتحاد الأوربي , بالتالي فإن ما ينتظر مدينة منبج السورية لا يمكن فصله بأي شكل من الأشكال عن الدور التركي في سورية , و تحديداً في الشمال السوري الذي يعتبر امتداداً للأمن القومي التركي في أسخن البقع الجغرافية بالنسبة لتركيا , و التي ترتبط مصيرياً فيما بينها مع مصير الدولة التركية الحديثة في عهدها الرئاسي الجديد بعد إقرار التعديلات الدستورية بتحول تركيا إلى النظام الرئاسي .
إن السؤال الذي يشغل بال أهل منبج _ في منبج و خارجها سواء _ و كذلك بال أهل الثورة السورية و كل من يتوجه بصره إلى سورية :
- هل ستخرج عصابات الهاغانا الآبوجية من منبج ؟ و إن خرجت فمن سيدخل منبج ؟
مع ما قامت به عصابات الهاغانا الآبوجية من محاولة استمالة عصابة الأسد و تقديم الدعوة لها للدخول إلى منبج و سائر المدن المحتلة ؛ فقد فقدت عصابات الهاغانا الآبوجية _ إلى غير رجعة _ أي فرصة ممكنة للبقاء تحت الحماية الأمريكية . و الشيء بالشيء يذكر , فقد قدم " بريت ماكغورك " استقالته للرئيس الأمريكي ترامب , و " ماكغورك " هو المبعوث الخاص للرئيس الأمريكي للتحالف الدولي لقتال تنظيم داعش , و هو من أشد الشخصيات عداءً لتركيا و تضامناً مع عصابات الهاغانا الآبوجية , و قد علل استقالته باعتراضه على قرار سحب القوات الأمريكية من سورية .
أمريكا لن تحمي أحد , و ستترك لعصابات الهاغانا الآبوجية الاختيار ما بين :
الانسحاب بهدوء و تنفيذ الأوامر.
البقاء و تحمل العاقبة الوخيمة للبقاء و هي السحل في شوارع منبج و الدفن في الخنادق التي حفروها للاختباء فيها كالجرذان.
- هل تدخل عصابات الأسد إلى منبج؟
إن الحديث عن دخول عصابات الأسد إلى منبج هو ضرب من الأحلام , و يكفي أن نراجع التفاصيل الدولية المرافقة لعملية غصن الزيتون لندرك أن منبج
لن تكون مكاناً لعصابات الأسد بعد طرد عصابات الهاغانا الآبوجية منها .
و لفهم حتمية بقاء عصابات الأسد خارج منبج و استحالة دخولها إلى المدينة لابد من إدراك الارتباط بين منبج و القرار التركي .
منبج و الانتخابات البلدية التركية :
قد يقول قائل ؛ ربما لتركيا مصلحة في دخول عصابات ابن أنيسة إلى منبج , فما يهم تركيا _ في نهاية المطاف _ هو أمنها القومي و إبعاد عصابات الهاغانا الآبوجية !
المتتبع للشان الداخلي التركي يدرك أن تركيا بانتظار انتخابات بلدية مفصلية في آذار من العام القادم , و خوض الانتخابات يحتاج لأوراق انتخابية تقنع الناخب و تستميله , و حزب العدالة و التنمية بعد وصوله لتمديد " تحالف الأمة " مع حزب الحركة القومية ليشمل الانتخابات البلدية , يحتاج لترسيخ هذا التحالف عبر :
الضرب بيد من حديد فيما يتعلق بقضية حزب العمال الكردستاني الإرهابي .
استمالة المترددين _ ممن لم يحسموا خيارهم الانتخابي بعد من بقية الشعب التركي _ عبر مسألة حساسة و مهمة جداً , ألا و هي هيبة الدولة التركية , و التي تعتبر خطاً أحمراً للمواطن التركي بعيداً عن انتمائه الحزبي و ولائه الفكري , و لا ورقة أفضل من إنهاء المشروع الانفصالي الآبوجي في سورية _ و الذي قد يتمدد ليطال تركيا _ لتكون هيبة الدولة في أوجها.
لا مصلحة لتركيا بمد اليد إلى عصابات متهالكة لا تملك أمرها _ و أعني هنا عصابات الأسد _ و لا تستطيع فعل سوى ما يملى عليها , فتركيا تملك علاقات متميزة مع كل من روسيا و إيران و هما الدولتان اللتان تديران _ عملياً و على التوالي حسب الأهمية _ دوائر القرار في دمشق , فما حاجة تركيا لتقديم خدمة مجانية لعصابة حاكمة مهترئة معزولة تعتبرها تركيا نظاماً معادياً , و قد بنت تركيا سياساتها تجاه الثورة السورية انطلاقا من اعتبار العصابة الحاكمة في دمشق نظاماً غير شرعي يمارس القتل ضد الشعب المطالب بالحرية !
لا يمكن لتركيا بحال من الأحوال القبول بعصابة الأسد في منبج , خاصة و أن تركيا قد أكدت مراراً و تكراراً أن مسألة منبج تعتبر من أولوياتها مع الإدارة الأمريكية , و كانت و ما تزال مدينة منبج من أحد المفاتيح المهمة في العلاقات التركية- الأمريكية في الملف السوري .
أين روسيا من كل ما يجري ؟
تدرك روسيا أن ورقة منبج هي ورقة أمريكية بحتة , لا يمكن لروسيا بأي حال من الأحوال أن تكون طرفاً في خارطة طريق منبج , و لا تملك سوى ورقة وحيدة و هي ورقة المجال الجوي السوري غرب الفرات , إذ يعتبر المجال الجوي السوري غرب الفرات تحت الوصاية الروسية و بالتالي فإن أقصى ما تفاوض عليه روسيا تركيا هو عملية فتح المجال الجوي لتركيا غرب الفرات في حال اضطرت تركيا لخوض معركة عسكرية ضد عصابات الهاغانا الآبوجية في منبج , و عليه فإنها ورقة غير مؤثرة لا يمكن الاعتماد عليها .
تدرك أنقرة أن موسكو خارج مسألة التفاوض في منبج , و ما الصبر التركي إلا محاولة لاستيعاب روسيا , خاصة و أن تركيا تمارس هذا الاستيعاب بالتزامن مع استكمال تحضيراتها العسكرية في الشمال السوري , أي أنها لم تغير من خططها المرسومة .
لماذا تركيا ؟
كما أسلفت _ في بداية المقال _ فالعلاقات التركية-الأمريكية تمر بأفضل مراحلها , و منبج هي قضية مهمة جداً لأنقرة إقليمياً و داخلياً سواء , و تعتبر بوابة شرق الفرات , و هي عقدة مرورية مهمة في الشمال السوري إضافة لكونها أكبر تجمع سكاني في الشمال السوري في غرب الفرات بعد حلب المدينة.
منبج , هي الحل الأمثل لأنقرة لعودة ما لا يقل عن نصف مليون سوري من تركيا إلى سورية , فمدينة منبج تستطيع استيعاب أعداد كبيرة من العائدين لسورية , و هو ما يمثل أمراً مهماً لأنقرة لتخفيف الأعباء المترتبة عليها من الوجود السوري على أراضيها , كما أنه يفتح الباب أمام نجاح تركي حقيقي في استحداث منطقة أمنية حقيقية في الشمال السوري.
منبج , ستكون آمنة بما للكلمة من معنى , فهي خارج نطاق النزاعات ما بعد طرد عصابات الهاغانا الآبوجية , و تملك ميزة تجعلها وجهة مفضلة للسوري العائد من تركيا , فهي آمنة لا يمكن للطيران أن يهدد هدوءها على عكس إدلب الواقعة تحت مرمى النيران الروسية جواً و الأسدية براً .
لا يمكن لتركيا أن تفرط بمنبج , لما للمدينة من دور مهم في جعل تركيا تكسب إقليمياً و داخليا .
كلمة أخيرة لأهلنا في منبج العربية :
يا أحبتنا و أهلها في منبج ؛ اطمئنوا , لقاؤنا معكم قريب بإذن الله تعالى , نحن أبناء المدينة _ أباً عن جد _ و بعد 5 سنين عجاف قضيناها بعيداً عن منبج , نؤكد لكم أن عودتنا لمنبج هي مسألة وقت لا أكثر , و نعمل بشتى الوسائل لتكون العودة دون رصاص , لذا استمهلنا و نستمهل , لكن الحال قد تفرض علينا خوض الحرب _ مكرهين لا اختيارا _ لطرد عصابات الهاغانا الآبوجية التي عاثت فساداً باحتلالها للمدينة العربية , منبج العربية لأهلها و لا مكان فيها للمحتل الآبوجي العنصري الانفصالي و لا لشبيحة العصابة الأسدية سواء .
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس