ترك برس
رأى باحث تركي متخصص في الشرق الأوسط، أن عدم الاتساق الاستراتيجي والجيوسياسي كانا الخصائص المهيمنة على العلاقات الأمريكية – التركية في سوريا منذ البداية، من حيث الرؤية والأهداف، وأن تصورهما للتهديدات مختلف.
وقال غالب دالاي، في مقال بصحيفة "لوموند" الفرنسية، إن واشنطن وأنقرة أصبحتا منذ مدة طويلة متنافرتين جيوسياسياً، وإن القرار الأمريكي بالانسحاب من سوريا، أطلق سباقاً من أجل السيطرة على شمال شرق سوريا.
وأوضح أن "أنقرة تهدف إلى الحد من المكاسب الإقليمية وإضعاف الهيكل الإداري لقوات سوريا الديمقراطية الكُردية". وهي استراتيجية "تصطدم بالأهداف التي حددتها واشنطن بشأن انسحابها: مواصلة القتال ضد تنظيم الدولة (داعش) وحماية الحلفاء الأكراد والتصدي للنفوذ الإيراني في سوريا".
وحسب صحيفة القدس العربي، أضاف دالاي: من جهة، تتهم تركيا الولايات المتحدة الأمريكية بالتحالف مع وحدات حماية الشعب الكردي التابعة لحزب العمال الكردستاني (PKK) المصنف منظمة إرهابية.
ومن جهة أخرى، يعتبر بريك ماكغورك، المبعوث الأمريكي السابق للتحالف الدولي ضد تنظيم الدولة ، أن جماعات المُعارضة السورية المتحالفة مع تركيا كانت "مليئة بالمتطرفين"، وهو موقف يبدو مشتركاً في الدوائر الأمنية والدبلوماسية الأمريكية.
وتابع الكاتب القول إن الأزمة السورية هي السبب، ولكن أيضا هناك أعراض أزمة أعمق في العلاقات بين أنقرة وواشنطن. فالانفصال الإستراتيجي وعدم التوافق الجيوسياسي بين البلدين قد تطور منذ فترة. إذ تقوم تركيا منذ عدة سنوات بتشكيل تحالفات مرنة مع روسيا وإيران.
ومع ذلك كانت الولايات المتحدة دائماً شريكاً ثالثاً غير مرئي، يقوم بتحديد طبيعة ونوعية الاتصالات بين الروس والأتراك.
وبنفس الطريقة، فإنه من المرجح، أن تكون موسكو من الآن فصاعداً الشريك الثالث غير المرئي الذي يحدّ من أي تفاعل أمريكي- تركي حول سوريا.
واعتبر الكاتب أن حوار ترامب مع تركيا حول إقامة منطقة أمنية يظهر كعملية أكثر من كونه صفقة، ويتطلب أولاً توضيح طبيعة هذه المنطقة الأمنية وتحديد أهدافها وآلية عملها واقتراح رؤية سياسية لشمال شرق سوريا.
فهذه التوضيحات ستكشف طبيعة رفض أو قبول مبدأ المنطقة الأمنية، التي تبدو تطلعات مختلف الفاعلين متباعدة بشأنها.
فالنسبة لقوات سوريا الديمقراطية؛ يجب على المنطقة الأمنية أولاً وقبل كل شيء أن تحميها من تركيا ، وبالتالي السماح لها بتمديد هياكلها الإدارية والأمنية في شمال شرق سوريا.
في المقابل، فإن أنقرة تعتبر أن هذه المنطقة الأمنية هي وسيلة لمحاربة وحدات حماية الشعب الكردي وإضعاف الهياكل الإدارية للمناطق التي تسيطر عليها قوات سوريا الديمقراطية.
بينما تجد واشنطن في هذه المنطقة الأمنية طريقة لإيجاد توافق بين الأتراك وقوات سوريا الديمقراطية، وضمان عدم احتلال روسيا وإيران ودمشق للفضاء الذي بقي شاغرا بسبب انسحاب القوات الأمريكية.
وبحسب الكاتب فإن هذه العملية يُمكن أن تولد ثلاثة تطورات:
أولا، من خلال بحثهم عن الحصول على ضمانات من واشنطن وفاعلين دوليين آخريين، فإن الأكراد سيضاعفون جهودهم للتوصل إلى اتفاق مع النظام السوري، الذي ربما لديه اسبابه هو الآخر للتفاوض معهم.
في البداية، عندما أعلن ترامب الانسحاب الأميركي، لم يكن النظام السوري متسرعاً لإبرام صفقة مع الأكراد السوريين، معتبراً أنهم سيضعفون مع مرور الوقت ويتقلص حجم مطالبهم في نهاية المطاف.
ولكن النظام أصبح الآن يميل إلى التفاوض مع الأكراد – وهي عملية دعمتها موسكو- وذلك تحنباً لاحتمال إقامة منطقة أمنية والذي من شأنه أن يفقده، لفترة طويلة، السيطرة على حدوده وجزء كبير من موارده الهيدروكربونية.
ورأى الكاتب أن السؤال الذي يطرح نفسه هو: أيُّ كُردٍ، ولكن أيضاً أيُّ عربٍ سيكون بإمكانهم المشاركة في الهياكل السياسية الإدارية لشمال شرق سوريا؟. فطبيعة الحلفاء العرب لتركيا والولايات المتحدة مختلفة، حيث يعد شركاء واشنطن متحالفين مع وحدات حماية الشعب الكردي وينشطون ضمن قوات سوريا الديمقراطية.
ثانيا، من غير المرجح أن تعارض روسيا بشكل مباشر فكرة المنطقة الأمنية، حتى لو كان ذلك يعني تعريض علاقاتها مع أنقرة للخطر. فهي ( روسيا) ستسعى على الأرجح إلى الحصول على تنازلات من أنقرة حول قضايا أخرى (خاصة إدلب وربما بعض القضايا الثنائية). في الوقت نفسه ، ستسعى موسكو دون شك إلى التدخل في محتوى وعمق المفاوضات حول المنطقة الأمنية.
ثالثاً، مع تطورها إلى عمليات ، من المرجح أن تستمر المناقشات حول المنطقة الأمنية وتصبح دولية. وهذا بدوره يمكن أن يؤثر على العلاقات التركية الأمريكية.
فإذا لم يتم التخطيط لها وتطبيقها بشكل صحيح، فإن الفكرة الأمريكية لإقامة منطقة آمنة قد تغضب البعض وتخلق الفوضى في شمال شرق سوريا.
غير أنه، حتى اللحظة، فإن الثغرة الرئيسية لهذا المقترح الأمريكي بإقامة منطقة أمنية؛ تتمثل في غياب رؤية سياسية واضحة ومحددة لشمال شرق سوريا، إن لم يكن لسوريا بشكل عام.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!