د. علي حسين باكير - العرب القطرية
يوم السبت الماضي، هددت وزارة الدفاع الأميركية تركيا بعواقب وخيمة إذا لم تتراجع عن شراء منظومات الدفاع الجوي الروسية «أس-400» من موسكو. وقال المتحدّث باسم البنتاجون تشارلي سامرز: «إذا حصلت تركيا على منظومة أس - 400 ستواجه عواقب وخيمة من ناحية علاقتنا في التعاون العسكري وعرض منظومة باتريوت، ومقاتلات أف- 35»، مضيفاً «لن يحصلوا على مقاتلات أف - 35 في حال حصولهم على منظومة أس- 400».
الجانب التركي ردّ على هذه التهديدات بالتشديد على موقفه الثابت إزاء هذه القضيّة رافضاً التهديدات الأميركية ومؤكداً على أنّ اتفاق أس-400 مع روسيا هو اتفاق حصل وتم ولا رجوع عنه. لا بل إنّ الرئيس التركي زاد على ذلك بأن كشف في مقابلة معه مؤخراً عن إمكانية أن تفكّر أنقرة في شراء النسخة الأكثر تطوراً من المنظومة الروسية مستقبلاً، أي «أس-500». علاوة على ذلك، أُعطيت عدّة مبررات أيضاً لإفراغ الانتقادات الأميركية من مضمونها من بينها أن أنقرة لم يكن لديها خيارات، فهي تريد حماية أكثر من 80 مليون إنسان، إلى جانب مبررات تتعلق بسعر الصفقة، وكفاءة المنظومة، وعدم تداخلها مع أي من منظومات حلف شمال الأطلسي.
أمام هذه المعطيات، تعكس التصريحات الأميركية جدّية في التعامل مع الموضوع، لكن إلى أي مدى ستقوم فعلاً بتحويل هذه التهديدات إلى حقيقة؟ هناك إمكانية لحصول مثل هذا الأمر دوماً، لكن إن تمّ بالفعل فستكون الولايات المتّحدة قد أطلقت النار على رجلها كما يقال.
السبب الأوّل في لجوء أنقرة الى موسكو للحصول على نظم دفاع صاروخي يعود إلى غياب عامل الثقة بواشنطن. التهديد بإيقاف صفقة (أف-35)، يؤكّد التصور الموجود لدى أنقرة بأنّ واشنطن ليست جديرة بالثقة، فاذا كانت ستهدد بإلغاء صفقة «قائمة بالفعل» معها، سيكون بإمكانها إلغاء صفقة باتريوت «المحتملة» في أي وقت مستقبلاً، وإذا ما حصل ذلك بعد أن تكون تركيا قد تخلّت عن صفقة «أس-400» الروسية، فهذا يعني أنّ تركيا ستخرج بخفي حنين حينها، ولذلك يتمسك الأتراك بالصفقة مع روسيا أكثر من أي وقت مضى.
السبب الثاني هو أنّ تهديد أميركا لتركيا بإيقاف صفقة مقاتلات «أف- 35» المتعددة المهام لن يترك تداعيات سلبية على أنقرة فقط، بل سيمتد الأمر ليطال واشنطن نفسها. تشارك تركيا في برنامج إنتاج المقاتلة المذكورة بعدّة شركات محليّة للصناعات الدفاعية، ووفقاً للتقارير الأميركية، فان إخراج تركيا من برنامج إنتاج المقاتلة سينتج عنه ارتفاع في تكاليف الإنتاج، وتأخير في تسليم الطلبات إلى الحلفاء. وبهذا المعنى، تكون واشنطن قد أضرت بحليفتها تركيا وأضرّت بنفسها أيضاً، وأرسلت رسائل إلى الآخرين بأنّها شريك غير موثوق، ولا يمكن الاعتماد عليه حتى في الصفقات المبرمة معها.
أخيراً، فإن هذا الموضوع بالتحديد يسلّط الضوء من جديد على ازدواجية المعايير في السياسة الخارجية الأميركية، وطريقة التعامل مع الدول في المنطقة. تركيا ليست الدولة الوحيدة المتحالفة مع الغرب، وتقوم باستخدام و/أو شراء أسلحة روسية في الوقت نفسه. معظم دول البلقان لديها أسلحة روسية الصنع، وحتى دول معادية لروسيا مثل بولندا، ودول أخرى مثل بلغاريا وهنجاريا. اليونان على سبيل المثال، عضو في حلف شمال الأطلسي، كانت قد سبقت تركيا بسنوات طويلة في شراء منظومة دفاع صاروخي روسية الصنع من طراز «أس-300»، ولم يسمع أحد إلى الآن أي اعتراض أميركي أو غربي على ذلك من قبيل الاعتراض على الموقف التركي.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس