محد زاهد جول - أخبار تركيا
تعلم الدول الغربية ان المسألة الكردية مسألة شائكة في منطقة الشرق الأوسط، فالدول الاستعمارية بعد الحرب العالمية الأولى لم تكن جادة لإعطاء الشعب الكردي دولة خاصة بهم، وقد يكون من أسباب ذلك أن الأكراد ينتشرون في مساحات كبيرة تركية وعربية وايرانية، وأن هذه الدول كانت ترفض اقتطاع أراض منها لإقامة دولة كردية، وفي نفس الوقت وجدت الدول الاستعمارية الغربية أن بقاء المسألة الكردية متناثرة بين هذه الدول يمكن ان يخدم المخططات الغربية لتحقيق مصالح لهم في هذه الدول، وبالأخص في تركيا حيث النسبة الأكبر من عدد الأكراد وفي العراق وسوريا.
كان التجلي الأكبر الذي حاولت أمريكا استغلاله في المسألة الكردية الضغوط الإعلامية الهائلة على الأتراك والأكراد في مسألة عين العرب كوباني التي تفجرت في أواخر العام الماضي 2014 بعد احتلال داعش للقسم الأكبر من قرى عين العرب ودخولها القسم الجنوبي من المدينة نفسها، فكانت الدعاية الأمريكية والغربية تصور الأكراد وكأنهم يذبحون ويتعرضون للإبادة الجماعية فيها وان تركيا تمنع حمايتهم عسكريا، وفي ذلك كذب فاضح وإثارة نفسية لمشاعر الكراهية بين الأكراد ضد الحكومة التركية، بينما كانت الحكومة والشعب التركي كان قد استضاف كل الشعب كوباني في مخيمات اللجوء داخل الأراضي التركية وكل ما يترتب على ذلك من كلفة مالية ومساعدات إنسانية هائلة، وللأسف فإن قسماً من الشعب الكردي صدق الأكاذيب الغربية والأمريكية وسمع للمطالب الحزبية الكردية وبالأخص من حزب الشعوب الديمقراطية بزعامة ديمرطاش ونزل إلى الشوارع التركية للاحتجاج في شهر تشرين اول 2014 وسقط من جراء هذه المظاهرات والاحتجاجات عشرات الأكراد ضحايا هذه الدعاية الحزبية المغرضة والأكاذيب الأمريكية.
كانت الخطة الأمريكية تسعى إلى توريط تركيا في حرب مع تنظيم داعش ولكنها لم تنجح في استخدام الجيش التركي في خطط أمريكية فقط، ووضعت الحكومة التركية شروطها الثلاثة على التحالف الدولي للمشاركة في العمليات العسكرية ، وهي الشروط التي كان يمكن أن تساعد الشعب السوري بكل قومياته العربية والكردية والتركمانية وغيرها للنجاة من كتائب الأسد الطائفية ومن داعش أيضاً، ولكن أمريكا رفضت الشروط التركية وعملت على توريط الشعب الكردي للقتال في عين العرب كوباني، وغازلت الأحزاب الكردية السورية والعراقية والتركية لتوريطها بهذه الحرب أولاً، ونكاية بالحكومة التركية ثانياً، ولكن الحكومة التركية كانت لها بالمرصاد أيضاً، وأعرب أردوغان أنه ينظر إلى حزب العمال الكردستاني وامتداداته في سوريا وتركيا بانها أحزاب ارهابية، ولن يقبل دعمها بالسلاح ولو كانت الحجة الكاذبة هي مرة أخرى انقاذ كوباني، لأن اهلها كما سبق بيانه كانوا في تركيا وكانت كوباني مدينة فارغة من السكان، ولم تسمح الحكومة التركية تسليح أحزاب أو ميليشيات كردية معادية لتركيا، واستبدلت الخطط الأمريكية والأوروبية العابثة بالأمن التركي بقوات أخرى تأتي من كردستان العراق ومن قوات البشمركة التابعة لها، لسببين أساسيين.
اولهما: باعتبار أن هذه القوات القادمة من العراق بأسلحتها هي قوات قادمة من دولة صديقة، هي إقليم كردستان العراق الذي يرتبط مع تركيا بعلاقات سياسية واقتصادية متينة، وبالتالي تكون العلاقات بين حكومتين بينهما اعتراف سياسي ودبلوماسي، وبعد إنهاء المهمة العسكرية تعود هذه القوات إلى بلادها مع أسلحتها، وهذا شيء ايجابي للسياسة التركية.
ثانيهما: أن أي انتصار للقوات البشمركة الكردية العراقية سوف يحسب لها، ولن يحسب لصالح حزب العمال الكردستاني ولا توابعه الارهابية، فلو حصل الانتصار عن طريق حزب العمال الكردستاني لجعل الحزب يظهر بمظهر الحزب البطل والمدافع عن حقوق الأكراد، بينما القضية اصغر من ذلك، والحكومة التركية لا تريد ان تمنح هذه الفرصة الصغيرة لأحزاب ارهابية بان تدعي بطولات غير حقيقية، لأنها تريد بذلك ان تحصل مكانة أكبر بين أكراد تركيا قد تؤدي إلى رفع سقف المطالب الكردية في المصالحة الداخلية في تركيا، فالمصالحة الداخلية ينبغي ان تكون لأهداف تخدم الشعب التركي بشقيه التركي والكردي، فالمصالحة الداخلية هي من أجل حقوق الشعب التركي بكافة قومياته واثنياته وتياراته السياسية والدينية والمذهبية وغيرها.
هذا النجاح التركي في ضبط استغلال القوى الغربية للأخوة الأكراد لا يجعل الحكومة التركية تحيد عن خطة المصالحة الداخلية، ولكنها تريد الآن ان تستفيد من تجربة سنتين من توقيع المصالحة الأولى في ربيع 2013 التي وقعت مع الأكراد وإلقاء المقاتلين الأكراد أسلحتهم وخروجهم من المدن التركية إلى جبال قنديل، وإذا بالمقاتلين في جبال قنديل يصنعون قيادة عسكرية موازية لقيادة عبدالله أوجلان، قد تعمل بخلاف اوامره او بغير طاعته، ولذلك فإن الحكومة التركية أصبحت مطالبة ان تضغط على عبدالله اوجلان ان يضبط قيادته للشعب الكردي قبل أن يتم توقيعه الاتفاقية النهائية للمصالحة الداخلية، فلا تقبل الحكومة التركية أن توقع اتفاقية مع عبدالله اوجلان، ثم تخرج احزاب كردية اخرى أو قيادات أخرى من حزب العمال الكردستاني بأعمال تضرب الاتفاقية أو لا تلتزم ببنودها واتفاقياتها، لذلك فإن الحكومة التركية تنتظر من عبدالله اوجلان ان يعرض اتفاقه على مقاتلي جبال قنديل، وان يأتي بموافقتهم موقعة على الاتفاق قبل ان يوقعها مع الحكومة التركية.
إن المخاوف المحتملة قد لا تأتي من الأكراد انفسهم سواء من الأحزاب الكردية المرخصة او من عبدالله أوجلان أو من مقاتلي جبال قنديل، وإنما من القوى الغربية التي تحاول استغلال الأكراد لعرقلة أي اتفاق ينهي الصراع الكردي مع الحكومة التركية، وهذا يتطلب ان تتعاون وتتفاوض الحكومة التركية مع كل الأطياف الكردية التركية، ومعرفة موقفها من المصالحة الداخلية وليس مع عبدالله أوجلان فقط، فبعد الفشل الأمريكي من استخدام الورقة الكردية في تأجيج المشاكل في تركيا من خلال المسألة الكردية وعين العرب كوباني ، إذا بالحكومة الألمانية تحاول اخذ نفس الدور الأمريكي في التدخل بالشأن الكردي، ليس بالضرورة لمساعدة الأكراد بحجة انهما من أصل آري واحد، وإنما لما قد تظن الحكومة الألمانية انها تستطيع من خلاله التدخل في الشؤون التركية، سواء بأهداف خاصة بها أو بأهداف مشتركة مع الاتحاد الأوروبي، او بأهداف مشتركة مع المخابرات الأمريكية او الإسرائيلية، فعمليات التجسس الألمانية التي كشف عنها العام الماضي على أردوغان والدولة التركية لم تكن خاصة بالدولة الألمانية، بل كانت اجهزة الاستخبارات الخارجية من الدول الأخرى هي التي سربت أخبار تلك العمليات، وهذا يعني انها استخبارات دولية مشتركة في معاداة تركيا.
إن الشعب التركي بكافة قومياته ينبغي ان يكون حريصاً على أسرار دولته، ووحدة أراضيها وتحويل ألوان التنوع القومي واللغوي والفكري إلى عوامل قوة تساهم في بناء تركيا الجديدة والناهضة، والتي تستحق ان تكون في مقدمة الشعوب الأوروبية والعالمية.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس