علي حسين باكير - عربي21
أعلنت الإدارة الأمريكية الأسبوع المنصرم أنّها لن تقوم بتجديد الإعفاءات على واردات إيران النفطية لعدد من الدول التي تمّ استثناؤها خلال الجولة السابقة من العقوبات من بينها تركيا. وشدّد وزير الخارجية الأمريكيّة مايك بومبيو بأنّ واشنطن ستمضي في سياسة "الضغط الأقصى" على إيران وذلك بهدف تصفير صادرتها النفطية، مؤكّداً في نفس الوقت بأنّ إدارة الرئيس ترامب ستفرض عقوبات على المؤسسات والشركات والدول التي تقوم بخرق هذه العقوبات وتتعامل مع إيران.
تداعيات على تركيا
من المتوقّع أن تتسبّب هذه الخطوة بمشاكل كبيرة للجانب التركي الذي يعتمد بشكل شبه كلّي على واردات الطاقة من من النفط والغاز من الخارج. وعادة ما يزداد الضغط على انقرة مع ارتفاع كمّية استهلاك الطاقة سنوياً وارتفاع الأسعار وتالياً فاتورة الواردات، لكن مع التهديدات الأمريكية الأخيرة، فإنّ الضغط سيصبح أعلى وأشد. وفقاً للأرقام الرسمية، فقد ارتفعت واردات تركيا من الطاقة في كانون الثاني (يناير) من العام 2019 بنسبة 6% عن الشهر السابق وحوالي 48% مقارنة بالعام السابق ووصلت كلفة هذه الواردات من الطاقة حوالي 3.85 مليارات دولار. إستناداً إلى أرقام معهد الإحصاء التركي، فان إجمالي واردات تركيا من الطاقة ارتفع في العام 2018 بنسبة 15.5% مقارنة بالعام 2017، وبلغت قيمته حوالي 43 مليار دولار، مقارنة لـ 37.2 مليار دولار في العام الذي سبقه.
ترفض الحكومة التركية العقوبات الأمريكية انطلاقات من كونها عقوبات أحاديّة الجانب لا ترتبط بالقانون الدولي أو الامم المتّحدة، وبالتالي لا يحق لدولة ما أن تفرض تقديرها الذاتي على الدول الأخرى وتلزمها باتّباعه. وزير الخارجية التركي كان قد عبّر صراحة خلال لقائه بنظيره الإيراني مؤخراً في أنقرة عن رفض بلاده العقوبات على إيران، لافتاً الى أنّ أنقرة ستظل تؤكّد على ذلك. ثم جدّد هذا الموقف لاحقاً مشيرًا إلى أنه لا يمكن الحصول على نتيجة من بلد عبر العقوبات.
خيارات تركية محدودة
لكن أمام هذا الواقع، تبدو خيارات تركيا محدودة جداً، فإن استمرت في استيراد النفط الإيراني متجاهلة العقوبات الأمريكية، وقررت واشنطن حينها فرض عقوبات على أنقرة، فإنّ ذلك سيؤدي إلى زعزعة الاقتصاد التركي الذي يرزح تحت ضغوط هائلة مؤخراً تجعله غير قادر على تحمّل أي نوع من العقوبات الحقيقيّة عليه. هذا الخيار، سيؤدي كذلك إلى تدهور العلاقات التركية ـ الأمريكية بشكل غير مسبوق ممّا سيؤدي حتماً إلى تعطيل أي حلول ممكنة في الملفات الأخرى التي يختلف عليها الطرفان سواء المتعلقة بعلاقاتهما الثنائية أو المتعلقة بملفات إقليمية.
أمّا الخيار الثاني، فهو أن تقوم تركيا بتخفيض استيرادها من نفط إيران إلى أقصى حد أو قطعه تماماً، والتحوّل إلى استيراد الكمّيات المطلوبة من قبل دول أخرى. في هذه الحالة، من المرجّح أن تزيد تركيا من واردتها من النفط من العراق ودول الخليج العربي وربما أذربيجان وروسيا لتعويض النفط الإيراني. لكن في هذا السيناريو، سترتفع فاتورة تركيا من الطاقة بشكل كبير لعدّة أسباب لعل أهمّها أنّ الحديث عن العقوبات على إيران أدّى أول من أمس إلى رفع سعر برميل النفط لأوّل مرّة في العام 2019 إلى 75 دولار. علاوةً على ذلك، فإنّ نوع النفط المستورد والذي عادة ما يكون أكثر كثافة من النفط الإيراني يخضع لتكاليف أعلى بسبب عملية التصفية وتكاليف النقل.
ارتفاع فاتورة الواردات التركية
هذا يعني أنّ فاتورة الواردات النفطيّة التركية في هذه الحالة ستقفز إلى مستويات جديدة، الأمر الذي من المنتظر أن ينعكس سلباً على الوضع الاقتصادي وعلى مستوى التضخّم وعلى سعر صرف العملة في البلاد. ولتفادي هذا السيناريو، تأمل أنقرة في أن تواصل الدول الأخرى الكبرى المستوردة للنفط الإيراني في معارضة القرار الأمريكي علّ ذلك يساعد على دعم موقفها الرافض للعقوبات، ويجعل إمكانية تنفيذ واشنطن لتهديداتها بفرض عقوبات على تركيا أمراً أكثر صعوبة. لكن لكل دولة حساباتها، ومصالحها الخاصة مع واشنطن الامر الذي يجعل من مقاومة الموقف الأمريكي صعباً للغاية، خاصة اذا كانت واشنطن جادّة في تطبيق العقوبات على الدول التي ستواصل إستيراد النفط الإيراني.
وبين مطرقة الخيار الأوّل وسندان الخيار الثاني، ستضطر أنقرة على الأرجح إلى التفاوض مع واشنطن حول طبيعة قراراها النهائي الذي ستتّخذه في هذا الصدد، إمّا لإقناعها بالتغاضي عن استمرارها في استيراد النفط الإيراني، وإمّا لإقناعها في إيجاد بديل بنفس المزايا والفوائد. وبهذا المعنى، فإنّ الملفات الخلافيّة بين تركيا وأمريكا ستصبح أكثر تعقيداً ما لم يتوصّل الطرفان الى صفقة كبرى، وهو أمر يبدو صعب المنال على الأقل في الظروف الحالية.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس