سعيد الحاج - أخبار تركيا
مع اقتراب المنافسة الانتخابية البرلمانية في السابع من حزيران/يونيو القادم، بدأت بعض ملامح معركتها تتضح شيئاً فشيئاً. سبق وأن أشرت في مقالات سابقة إلى أهمية ومحورية النتائج التي ستسفر عنها الجولة الانتخابية القادمة، وإلى أن ثمة الكثير مما يستحق التوقف والدراسة او التأمل في المشهد الانتخابي على صعيد جميع الأحزاب.
من ذلك إشارات لا يمكن إغفال معانيها تختبئ بين طيات أسماء وصفات مرشحي العدالة والتنمية للانتخابات القادمة. فقد أقفل الحزب قبل أيام باب الترشح “المبدئي”، بمعنى قبول طلبات “الراغبين” في الترشح على قوائمه. ويعني هذا أن هؤلاء ليسوا سوى “مرشحي مرشحي” الحزب، الذين سيختار من بينهم “مرشحيه النهائيين” بعد عملية تصنيف وتصفيات متسلسلة ومعقدة أصبحت من ضمن تقاليده الانتخابية:
حيث ستجرى خلال أيام استطلاعات رأي على مستوى فروع الحزب وأنصاره في المحافظات المختلفة لكل هؤلاء المتقدمين، ثم ستكون هناك مقابلات شخصية لمن تصدروا استطلاعات الرأي في الفترة 6-15 آذار/مارس، ثم ستعقد اللجان المختلفة اجتماعاتها بين 1 إلى 22 من الشهر نفسه، تجتمع في إثرها اللجنة العليا، لتعلن قائمة المرشحين “المؤقتة” في الرابع عشر من نيسان/أبريل، قبل أن تعلن القائمة النهائية في الـ24 من الشهر ذاته بعد تقييم وتعديلات اللجنة العليا للانتخابات.
أولى الملحوظات تتعلق بعدد المتقدمين بطلب الترشح على قوائم الحزب، وهو 6223 متقدماً من بينهم 1040 من السيدات، وهو رقم يفوق عدد المتقدمين في الانتخابات السابقة (2011) بحوالي 600 شخص، الأمر الذي فسره رئيس الوزراء والحزب داود أوغلو على أنه دليل على إقبال الشعب بنسبة كبيرة على حزبه وثقته الواسعة به.
أما الملحوظة الثانية فتتعلق “بغير المرشحين” وهم 3 أقسام، قسم لم يتقدم بالطلب، وقسم آخر ربما تقدم لكن الحزب لن يرشحه، والرئيس السابق عبدالله غل. المجموعة الأولى هم الوزراء الأربعة الذين اتهموا بقضايا تتعلق بالفساد المالي والإداري قبل أن يبرئهم التحقيق ويقرر المجلس النيابي عدم عرضهم على المحكمة العليا، ما يعكس رغبة واضحة لدى العدالة والتنمية على إغلاق هذا الملف وعدم إتاحة الفرصة للمعارضة لإثارته من جديد من خلال تحديها بترشيحهم. بينما تشمل المجموعة الثانية أنصار جماعة كولن والمقربين منها الذي ما زالوا داخل الحزب، وهم الذين قصدهم داود أوغلو بقوله “الأشخاص الذين لن نرشحهم أبداً على قوائمنا يعرفون أنفسهم جيداً”، كعلامة على عدم إمكانية المصالحة وعكس عقارب الساعة مع الجماعة. كما سبق وتحدثت في مقالي السابق عن ظروف استبعاد الرئيس غل وسياقاته.
الملحوظة الثالثة تشمل “فريق” داود أوغلو الذي يبدو أنه سيعتمد عليه في المرحلة المقبلة، حيث سيتخلص من سطوة “الحرس القديم” في الحكومة والحزب الذين سيمنعهم القانون الأساسي للأخير من الترشح للمرة الرابعة من جهة، وسيحتاج إليهم – كمجموعة يثق بها – بعد فراغ العديد من المناصب والمواقع المهمة من جهة أخرى. يأتي على رأس هذه المجموعة رئيس الاستخبارات السابق حاقان فيدان، وخمسة من كبار مستشاري رئيس الوزراء، إضافة إلى وزراء وقيادات كبيرة في الحزب ليسوا الآن أعضاء في البرلمان، منهم نائب رئيس الوزراء نعمان كورتولموش، ووزير الداخلية أفقان علاء، ونائب رئيس الحزب للشؤون الخارجية ياسين أقطاي.
الملحوظة الرابعة تتعلق بأسماء كبيرة ولامعة في الأحزاب السياسية الأخرى واضح أنها تقدمت بطلب الترشح بعد الاتفاق مع قيادة الحزب أو داود أوغلو نفسه، مثل صافجي صايان المقرب جداً من رئيس حزب الشعب الجمهوري السابق دنيز بايكال، والرئيس السابق لحزب الاتحاد الكبير يالجين طوبجو، والرجل الثاني في حزب الحركة القومية في فترة سابقة رامز أنغون، وعارف أرصوي الذراع الأيمن لرئيس حزب السعادة الراحل أربكان وأحد إداريي “وقف أربكان”. وهي أسماء تظهر مدى قوة الحزب وسيطرته على المشهد السايسي في البلاد، كما تغذي أكثر فكرة التنوع والثراء في صفوفه.
الملحوظة الخامسة مرتبطة بترشيحات “الأقليات” التي يحرص الحزب عادة على استقطابها من خلال مرشحين رمزيين، من الفنانين أو الرياضيين أو نجوم الإعلام، خاصة من الأكراد. يبرز هنا اسم المطرب الشهير من أصول كردية عربية إبراهيم طاطليسيس، ابن أحد العشائر الكبيرة في مدينة أورفا الجنوبية ذات الطابع القبلي. كما ظهر بين الطلبات اسم الكاتب الصحافي الأرمني ماركار إسايان، الذي سيكون إذا ما انتخب أول نائب برلماني من أصول أرمنية في الكتلة البرلمانية للحزب.
وإضافة إلى عدد كبير جداً من عمداء الجامعات والكليات والأكاديميين الذي ترشحوا بطلب خاص من رئيس الوزراء أحمد داود أوغلو، تظهر بين الطلبات المقدمة – وبناءً على رغبته – أسماء ذات رمزية معينة، مثل والد الشهيد الأصغر على سفينة مافي مرمرة فرقان دوغان الأستاذ المساعد أحمد دوغان، والسيدة ليلى شاهين التي تعتبر إحدى رموز مقاومة انقلاب 1980 حيث كانت أول سيدة ترفع دعوى ضد حظره للحجاب أمام محكمة حقوق الإنسان الأوروبية.
بالتأكيد، كما ذكرنا، أن المتقدمين سيتعرضون لعدة مراحل من التصفيات للوصول إلى القائمة النهائية من المرشحين، لكن الإشارات الحالية تضع أمامنا جملة من الحقائق، على رأسها الإقبال الكبير على الحزب الحاكم بما في ذلك نخب الأحزاب الأخرى، وأيضاً اهتمام داود أوغلو بتشكيل فريق عمله الخاص به. يضاف إلى ذلك اهتمام الحزب بالعديد من التفاصيل التي اعتبرت دائماً “سر المهنة” بالنسبة له ومن أسباب نجاحه، مثل حرصه على تقديم رسائل التطمين للأقليات وخاصة الأكراد في فترة تمر علمية السلام معهم فيها من منعطف خطير والأرمن باعتبار أن 2015 هو الذكرى المئوية للأحداث المختلف على توصيفها معهم (اتهامات الإبادة)، وتركيزه على الأكاديميين والرموز المرتبطة أسماؤهم بحقوق الإنسان باعتبار أن أحد أهم ملفات الفترة البرلمانية المقبلة هو صياغة دستور جديد.
نعم، ما زال الوقت باكراً على الانتخابات بله على قائمة المرشحين، لكن يبدو أن مقولة “الكتاب يقرأ من عنوانه” يمكن أن تقال هنا على عدة مستويات، بينما ستكون القائمة النهائية للمرشحين التي ستعلن بعد شهرين فرصة لإعادة التقييم والتحليل بشكل أعمق.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس