ترك برس
أثار إصرار تركيا على المضي قدما في شراء منظومة الدفاع الصاروخي الروسية S-400 عددًا من التساؤلات حول أسباب هذا القرار، وتأثير ذلك في العلاقات التركية الأمريكية وحلف شمال الأطلسي في ظل تهديد الولايات المتحدة بفرض عقوباتٍ اقتصاديةٍ وعسكريةٍ على تركيا، كما أثار تكهناتٍ حول تغير توجه تركيا دوليًا.
وتناول الباحث بولنت أراس، وهو زميل أقدم في مركز إسطنبول للسياسات في إسطنبول بتركيا وأستاذ زائر في معهد رينسيلار، الأسباب التي يرى أنها تكمن وراء رغبة الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، في شراء نظام الأسلحة الروسية، وهي بنية نظام الحكم الجديد، وأولويات الائتلاف الحاكم، وتعزيز قيادة أردوغان، والتحول العسكري في السياسة الخارجية والأمنية.
ويوضح أراس في مقاله الذي نشره موقع "LobeLog" أن أردوغان يتمتع بالسيطرة على جميع مؤسسات الدولة للسياسة الخارجية والأمنية، وفقا لآليات النظام الرئاسي. وفي هذا النظام الجديد، يظل العمل اليومي للسياسة الخارجية والأمنية في أيدي البيروقراطيين المهنيين بينما تحدد الكوادر السياسية الحاكمة التصميم والسياسة المستقبلية للسياسة الخارجية.
ويضيف أن أردوغان في وضع يسمح له باستخدام كل هذه المؤسسات في سياسةٍ خارجيةٍ رئاسية، فهو أول قائدٍ مدنيٍ بمعناه الحقيقي. إنه يتحول إلى الواقعية العسكرية أو القوة العسكرية في السياسة الخارجية اعتمادًا على التنافسات السياسية الداخلية والتحديات الأمنية الإقليمية والوضع الدولي.
وأردف أن التحول العسكري لأردوغان في السياسة الخارجية اختُبر في سوريا في عدد من العمليات في الشمال لاحتواء تنظيم "ي ب ك" أو القضاء على تنظيم داعش .
ووفقا لأراس، فإن صانعي السياسة الخارجية الأتراك تعلموا درسين من اللغز السوري: الأول، الحاجة إلى نظام دفاع صاروخي بالنظر إلى صعوبات ترتيب المساعدة من الحلفاء. ثانيًا، وجود خط للسياسة الخارجية يتمتع بالاستقلالية بعد الإخفاق في إقناع الولايات المتحدة بعدم التعاون مع حزب الاتحاد الديمقراطي. و"كان العامل الكردي حاسمًا في المسار المحلي والإقليمي لتركيا خلال هذه الفترة."
ويذكر أن الحجة الأمريكية حول إمكانية تغطية أنظمة الناتو لتركيا لم تكن مقنعة للأتراك. وكان تحول تركيا الاستراتيجي المفاجئ إلى روسيا وعزمها على التعاون مع إيران في سوريا، على الرغم من الاختلافات في التوجهات السياسية، نتيجة الرغبة في الحصول على نظامٍ صاروخيٍ وبناء نهجٍ متعدد الأبعاد في السياسة الخارجية.
ويشير أراس إلى أن من الممكن ملاحظة التحول العسكري في السياسة الخارجية في ثلاث مبادراتٍ مختلفة. أولًا، العمليات العسكرية في سوريا والعراق، والتحول من العزلة العسكرية الصارمة إلى التدخل العسكري المباشر. والثانية إنشاء قواعد عسكرية خارج البلاد، مثل القاعدة العسكرية في قطر وقاعدة التدريب العسكري في الصومال، مع التركيز على الانفتاح على الفرص الجيوسياسية الجديدة لتأمين التحالفات وردع المنافسين المحتملين.
ويذكر أن أردوغان يريد أيضًا إنشاء صناعة دفاع طموحة كأداة للتنمية العسكرية والاقتصادية. وتريد تركيا بناء القدرات الإنتاجية المحلية لتقليل الاعتماد على الآخرين والحصول على قاعدة عملاء لمنتجاتها. وبعد أن كانت صادرات تركيا الدفاعية التقليدية عبارة عن مركبات أفرادٍ مدرعة، أصبح لديها الآن منتجاتٌ أكثر تعقيدًا معروضةٌ في السوق، مثل فرقاطات وطائرات هليكوبتر هجومية وطاشرات بدون طيار.
وبناءً على ذلك يستنتج الباحث أن قرار أردوغان شراء صواريخ S-400 على الرغم من التهديدات الأمريكية بفرض عقوبات واستياء الناتو من القرار، أمرٌ منطقيٌ وفقًا لهذا التحول القوي في السياسة الخارجية.
ويضيف أنه على الرغم من ذلك التحول، فلا يوجد دليلٌ على أن أردوغان يهدف إلى الطلاق التام مع الولايات المتحدة، إذ يرى الرئيس التركي أن السياسة الخارجية الجديدة، بعناصرها المتمثلة في حافة الهاوية العسكرية، سترفع مكانة تركيا الإقليمية والدولية إلى مستوىً جديد. وهو لا يعتقد أن الرئيس ترامب سيفرض عقوباتٍ على تركيا، لكنه لم يتردد أيضًا في التحذير من الانتقام إذا فرضت عقوبات.
وختم أراس مقاله بأن التأثير الرئاسي القوي في قرارات السياسة الخارجية سيستمر، كما سيضطلع الجيش والمخابرات بدور في الخط الجديد للسياسة بدعمٍ من المؤسسة الأمنية. علاوةً على أن الائتلاف الحاكم الجديد لأردوغان مع حزب الحركة القومية الذي يحظى أيضًا بدعم المجموعات الأوروآسيوية، يدعم السياسة الخارجية الناشئة القوية.
وخلص إلى أن التوجه التقليدي لتركيا نحو الغرب أصبح شيئًا من الماضي، وأن قرار شراء الصواريخ الروسية وما يحظى به من دعمٍ سياسيٍ ومؤسساتيٍ وموافقة النخبة الأمنية، هو سياسة دولة وليس خيارًا سياسيًا يمكن عكسه بسهولة.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!