ترك برس
نشرت صحيفة "يني شفق" التركية مقالًا لمستشار رئيس حزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا ياسين أقطاي، حول التطورات داخل الحزب، ومحاولات بعض الأعضاء للانشقاق عنه.
وكتب أقطاي المقال تحت عنوان "السنة الثامنة عشر للعدالة والتنمية.. ما بين النقد والنقد الذاتي"، بمناسبة الذكرى الـ18 لتأسيس حزب العدالة والتنمية.
وقال أقطاي إن حزبًا كالعدالة والتنمية حكم تركيا متغلبًا على بقية الأحزاب، بات يتمتع بتجربة مليئة وواضحة تجاه النقد والحلول والتقييم، تزامنًا مع الذكرى الثامنة عشر من تأسيسه.
وأضاف: نظرًا لهذا فإنه لا شيء طبيعي أكثر من أن يكون للحزب كم هائل من الأخطاء التي تستحق النقد، أو التقصيرات التي لم يقم بها وكان عليه القيام بها. وبلا شك سيكون هناك تقييمات وانتقادات لهذه النقاط.
وفي النهاية سينبثق عن مجموع هذه الانتقادات والتقييمات إمكانيات كبيرة ستساعد على خلق عودة ذاتية للعدالة والتنمية، بمعنى آخر، ستكون هناك فرصة لأن يجري الحزب محاسبة ذاتية يرى انعكاساته من خلالها.
إلا أن هناك عين تنظر للأمر من منظار مغاير، يحتّم على هذه التقييمات أن تكون مهيمنة على أجندة الانتخابات المحلية مباشرة وعلى الفور، ويجب لفت النظر هنا إلى أن هذه العين لا تنظر بشكل سليم ودقيق ومنصف.
وتابع المقال: لم يعد سرّا أن هناك من يحاول التسلق عبر الخروج عن العدالة والتنمية نحو تشكيل آخر، وعلى الأخص أنّ هؤلاء كانوا يتوقعون إلحاق هزيمة ضد حزب العدالة والتنمية خلال الانتخابات المحلية.
وهناك الذين لم يروا في نتائج انتخابات 31 مارس/آذار ما يكفي لأن يكون قاعدة متينة وكافية بالنسبة لهم، شعروا بدفع أقوى من خلال نتائج انتخابات 23 حزيران/يونيو المحلية المُعادة في إسطنبول.
من المفهوم أنهم عملوا على استثمار هزيمة العدالة والتنمية منذ ما قبل الانتخابات، وهذا بدوره يشير من الآن إلى أن أيديهم خالية من أي مخرج سياسي يلامس الشعب بشكل مباشر، وأن لا قضية لهم أو مهمة يمكن تقديمها.
وإذا كان الهدف بنظرهم من هذه السياسة هو خدمة الناس والحق؛ فإن طرق هذه السياسة داخل حزب العدالة والتنمية لم تنفد ولا تزال إمكانياتها قائمة. بالطبع إن السياسة ليس بالأمر السهل، أحيانًا عليك أن تتعب كثيرًا وأن تكافح من أجل ما تعرفه صحيحًا في مواجهة رفاق دربك، يجب عليك أن تمرّ بالعديد من المحن.
أما أن يكون الحال هو أن تترقب لحظة تعثّر رفاقِ الدرب لاحتلال أماكنهم، فنحن إذن أمام نهج لا يستحق التقدير أو الاحترام أو الإعجاب وفق أي مبدأ سياسي كان؛ مهما كان رفاق الدرب يقومون بأخطاء أيًّا كانت.
إن الخوض في انتقادات حزب العدالة والتنمية وركوب موجة الانتقادات على أساس أنهم يقدّمون نقدًا ذاتيًّا باسم الحزب، يبدو أنه قد وصل إلى أبعاد ملحوظة للغاية.
في الحقيقة أنا واحد من أولئك الذين يدعون دائمًا أبدًا إلى ضرورة إجراء نقد ذاتي من داخل العدالة والتنمية، حيث إن للحزب بطبيعة الحال أخطاء كثيرة، وتقصيرات عدة، وأشياء كان عليه فعلها أو أهمل فعلها، كما أن هناك الكثيرة من المجالات التي تفتقد رؤية لم يتم التفطّن لها.
وإن تشخيص هذه المسائل وحلّها عبر إجراء دراسات وتطويرات ساهمت في السابق فعلًا في الحفاظ على حيوية وتطوير العدالة والتنمية على الدوام ولا تزال حتى الآن؛ إلا أنه حينما تتجاوز هذه الانتقادات حجمها الضروري، لتخرج عن مقياس الإنصاف والمعقولية، فإن هذا يعتبر تجاهلًا لإسهامات العدالة والتنمية على صعيد السياسة والاقتصاد والتنمية الاجتماعية في تركيا.
ليس من المعقول إطلاق العنان للنقد الذاتي وسط بيئة ترى في النقد الذاتي اعترافًا بجريمة بدلًا من رؤيته كفضيلة. أما الذين يرون في أي نقد ذاتي صغير باسم العدالة والتنمية؛ إشارة إلى نفاد رصيد الحزب ويتلقون ذلك بكل فرح وسرور، فلا بد في الحقيقة أن نقول لهؤلاء بكل وضوح:
لا يزال حزب العدالة والتنمية حتى الآن الحزب الأول في تركيا، بدعم الشعب له، بإصلاحاته، بالمدة التي نجح فيها بالبقاء على رأس السلطة، بالتنمية التي حققها في الاقتصاد والمجتمع، بأداء وإرادة التغيير، إنه الحزب الوحيد الذي حطّم جميع الأرقام بنفسه حتى هذه اللحظة.
لقد ذكرت في مقال سابق، أن نجاح العدالة والتنمية في مكافحة وصاية العسكر والمؤسساتية والدولة العميقة إلى جانب مواجهته ضد منظمة غولن الإرهابية؛ لو نظرنا إلى هذا الكفاح الناجح فقط، لرأينا حجم المساهمة في تأسيس استقلال ووجود ووطني لتركيا.
إننا نرى ونشعر يومًا بعد يوم أن هذا الصراع لا يقوم على زاوية واحدة، بل هو متعدد الأبعاد ومتعدد الجبهات.
ومن الملاحظ أن الجهات الفاعلة التي خارج نطاق العدالة والتنمية لا تتصرف بمسؤولية كافية ضمن هذا الكفاح، بل إنها لا تنظر إلى أنفسها كجزء ضمن جسم واحد. وللأسف لهذا السبب تبقى هذه المهمة على عاتق العدالة والتنمية بشكل لا يستوعب التحويل أو التجزئة.
وعلى الرغم من هذا، فإننا لا نقول أن عدم قابلية هذه المهمة للتبديل أو التجزئة شيءٌ مثاليّ، بل نتمنى أن تشارك جهات فاعلة أخرى لتحمل عبء هذه المهمة.
إن الكفاح الذي تقوم به تركيا سواء على صعيد مكافحة منظمة غولن الإرهابية، أو على صعيد الدور الذي تحمله اليوم في ضوء العلاقات الدولية، يجعل من كلمة تركيا ذات تأثير وحضور، ولكن بالطبع إن الاعتراض على هذا في الكثير من الأحيان يجعل من هذا دورًا حقيقيًّا بالفعل.
إن تركيا عبر هذا النمط السياسي تخلق دورًا لا ينصاع للجهات المسيطرة في العالم، بل يدافع عن حقوقه، وبهذا المبدأ تفرض تركيا نفسها. وممن الضروري وجود دعم أقوى وقبول أوسع لهذا النهج من قبل الجهات السياسية الفاعلة في البلد.
على سبيل المثال على زعيم أكبر أحزاب المعارضة أن لا يبدو جاهلًا لهذه الدرجة بما تقوم به تركيا حول العالم، مثلًا كان على زعيم المعارضة أن يظهر بموقف شنيع حين دعا تركيا إلى أخذ مكانها في شرق المتوسط حيث الجميع أخذ مكانه، لأنّ تركيا أصلًا هناك.
إذن كان على المعارضة على الأقل أن تتابع ما تقوم به تركيا أصلًا، كان على زعيم المعارضة أن يظهر كزعيم لائق بالمعارضة التركية اليوم.
وعلى سبيل المثال كان على زعماء المعارضة في تركيا أن يقفوا إلى جانب المظلومين بما فيه الكفاية، حتى يتسنّى لهم إحراج العدالة والتنمية، إلا أنهم على العكس من ذلك؛ تنافسوا على الوقوف ضدّ العديد من المظلومين الذين لجؤوا إلى تركيا، وكان عليهم أن لا يفعلوا هذا.
أخيرًا وليقل من يقل ما يشاء، إنّ حزب العدالة والتنمية عبر "سياسته القائمة على الصلاح"، لا يوجد منافس له على أرض الواقع. سواء في الأحزاب المعارضة الموجودة فعلًا، أو التشكيلات التي تبحث عن فرصة للظهور.
باختصار، إن النقد الذاتي باسم حزب العدالة والتنمية شيء حسن، إلا أنّ على هذا النقد أن لا يصل إلى تبنّي موقف المعارضة الذي يرفض وجوده منذ البداية، أو ينكر حتى تجاربه أو مساهماته الاستثنائية.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!