بارتشين ينانتش - حرييت - ترجمة وتحرير ترك برس
في الأيام الأولى لتدفق اللاجئين السوريين، شوهد بعضهم ينامون في الحدائق، في وقت كانت تركيا لا تزال تستعد للاستجابة للحالة الطارئة من عدد متزايد من السوريين الفارين من بلادهم.
أوضح لي دبلوماسي أوروبي سبب توقف بلاده عن استقبال اللاجئين السوريين، مشيرًا إلى هذه المشاهد: "لا يمكننا تحمل مثل هذا الأمر. بمجرد دخول شخص ما إلى بلدنا، فينبغي أن تهيئ له نفس الظروف التي تقدم لمواطيننا".
هذا موقف إشكالي للغاية؛ لأن البديل عن النوم في الحدائق هو الموت في الحرب.
ربما لم تكن تركيا قد وفرت أفضل الظروف لأكثر من 3.5 مليون لاجئ سوري، لكنها على الأقل لم تعدهم إلى الموت، من أجل عدم إفساد المشهد في حدائقها.
لو أن تركيا أغلقت أبوابها أمام ملايين اللاجئين، لعجّت الصحافة الغربية بالمقالات التي تنتقد تركيا، مثلما حدث في عام 1991 عندما فر الأكراد من العراق نتيجة هجوم النظام.
بمجرد أن تفتح الأبواب على مصراعيها ويبدأ استيعاب اللاجئين، فإن الطريقة التي يعاملون بها تتعرض للنقد، وهو ما حدث أيضا في عام 1991. وإذا كانت الانتقادات أقل حدة في هذه المرة، فإن ذلك يرجع إلى الجهد الاستثنائي الذي تبذله تركيا، كما يرجع إلى حقيقة أن الغرب يخشى تجدد التدفق وقد توصل إلى صفقة لاجئين مع تركيا، ولم يرغب في استعداء الأتراك.
وجهة نظري هي أنه يمكنك أن تتعرض للنقد إذا أغلقت الأبواب أمام اللاجئين، لكن يمكنك أيضًا أن تتعرض للنقد عندما تفتح الأبواب، وهذه المرة لعدم توفير الوسائل المناسبة لهم. ويكون من يوجه لك النقد هم أنفسهم الذين يغلقون أبوابهم أمام اللاجئين.
الآن بعد أن أصبحت هناك لعبة جديدة في سوريا، حيث تم تهميش القوى الأوروبية، يمكننا أن نتوقع أن تتعرض تركيا للنقد الشديد بسبب مزاعم الترحيل القسري. وعلى الرغم من أن الاتفاق مع روسيا يؤكد على العودة الطوعية، فإن رغبة تركيا المعلنة في إعادة توطين اللاجئين السوريين تلقى انتقادات.
وعلاوة على ذلك، فإن تلك الدول الأوروبية التي تبذل كل ما في وسعها لتجنب استعادة مواطنيها الذين انضموا إلى تنظيم (داعش) ستكون هي نفسها التي تدق أجراس الإنذار بشأن مقاتلي داعش المحتجزين في المناطق التي ستتراجع فيها ميليشيا ي ب ك.
يتلخص الموقف الأوروبي بمقولة: "سأبقي يدي نظيفة ولكنني سأواصل رعاية الآخرين؛ لن أقبل باللاجئين، لكنني سأخبر الآخرين كيف يجب عليهم معاملة اللاجئين". هذا الموقف لن يعيد الأوروبيين إلى اللعبة، لكنه سيجعلهم عاجزين وغير فاعلين في المنطقة.
في الوقت الراهن تعد الدول الأوروبية أكبر الخاسرين في سوريا. وبينما يزعم البعض أن الولايات المتحدة هي أكبر الخاسرين، لكنني أخالف هذا الرأي، ففي حين أن "المؤسسة" الأمريكية غير راضية عن الطريقة التي تتكشف بها الأمور، فإن الاتجاهات الحالية في سوريا قد لا تتعارض بالضرورة مع رؤية ترامب.
يرغب ترامب في التركيز على الحروب التجارية في آسيا، بدلًا من انشغاله بالحرب العسكرية في الشرق الأوسط. إوذا كان مقتنعًا بالحفاظ على موطئ قدم عسكري صغير في سوريا، فإن ذلك ليس له علاقة بموارد النفط والغاز السورية، وهو الأمر الذي لا تحتاجه الولايات المتحدة وأكثر من ذلك فيما يتعلق بنوايا الصين المحتملة في المنطقة. من المثير للاهتمام أن نلاحظ أنه عندما أجرى الصحفي الإسرائيلي زئيف حافيتس مقابلة مع وزير الخارجية الأمريكي، مايك بومبيو، خلال زيارته للقدس الأسبوع الماضي، فوجئ بسماعه يحذر إسرائيل من الصين.
إسرائيل هي الخاسر الأكبر في سوريا بجانب الأوروبيين. وفي حين أن قرار ترامب بالتخلي عن الصفقة النووية مع إيران كان مكسبًا كبيرًا بالنسبة للإسرائيليين، فإن الدلائل تتزايد أنهم، مثل السعوديين، قد يضطرون إلى الاعتماد بشكل أقل على ترامب لاحتواء إيران "في الميدان".
وإذا عدنا إلى الأوروبيين، نجد أنه في حين أن النخب الحاكمة في تركيا قد تشعر بالاستياء الشديد تجاه الأوروبيين، فإنها ما تزال تتطلع إلى العمل معهم خاصة فيما يتعلق بإعادة توطين اللاجئين وإيجاد حل سياسي للحرب في سوريا.
وفي هذا الصدد، كانت مبادرة عقد اجتماع رباعي الأطراف بين تركيا والمملكة المتحدة وفرنسا وألمانيا مبادرة مدروسة وفي الوقت المناسب. وإذا كان الأوروبيون الخاسر الأكبر في الميدان، فإنهم سيكونون الفائز الأكبر من إعادة توطين اللاجئين واستعادة الحياة الطبيعية في سوريا.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس