د. علي حسين باكير - العرب القطرية
قبل حوالي ثلاث سنوات ونيّف، كانت تركيا على وشك الخروج تماماً من المسرح السوري مع خسائر هائلة على المستوى السياسي والاقتصادي والأمني. العمليات الإرهابية من قبل تنظيمي «داعش» و»حزب العمال الكردستاني» كانت لا تزال تنفّذ في قلب تركيا، وميليشيات «واي بي جي» الكردية قاب قوسين أو أدنى من اقتطاع الشمال السوري. أمّا المعارضة السورية فقد بدت على وشك التلاشي بسبب التخاذل الدولي والالتزام الروسي والإيراني بدعم تمدد نظام الأسد في وقت وصل فيه عدد اللاجئين السوريين إلى أوجه داخل تركيا.
رويداً رويداً استطاعت تركيا أن تستعيد بعضاً من التوازن، وأن تثبّت قدمها في الملف السوري، نتيجة لمناورات سياسية وعسكرية معقدّة وغاية في الصعوبة، لا سيما مع تثبيت النفوذ الروسي والإيراني في سوريا من جهة، وتحالف أميركا مع ميليشيات «واي بي جي» الكردية من جهة أخرى. بعد ثلاث عمليات عسكرية كبرى آخرها عملية «نبع السلام»، استطاعت تركيا أن تحقق مجموعة من الأهداف لعل أهمّها إنهاء حلم ميليشيات (واي بي جي) في إنشاء دويلة شمال سوريا، وتطهير الحدود التركية - السورية من أي تواجد لعناصر «داعش» و»واي بي جي»، وتوسيع سيطرة المعارضة السورية على مزيد من الأراضي، وإتاحة الفرصة للمزيد من اللاجئين للعودة.
هذه المعطيات حسّنت من دون شك من موقع ودور تركيا في سوريا، وكذلك الأمر بالنسبة إلى المعارضة التي أصبحت الآن تمتلك شيئاً سياسياً وعسكرياً. لكن في المقابل، هناك عدد كبير من الأهداف التركية لم يتحقق بعد، لعل أبرزها معالجة جذور الأزمة السورية المتمثلة في نظام الأسد نفسه، وحل أزمة اللاجئين، وتحقيق التسوية السياسية استناداً إلى القرارات الدولية ذات الصلة. وفي هذا السياق بالتحديد، لا شك أنّ أنقرة اضطرت إلى أن تدفع في مكان لقاء تفادي الصدام مع أميركا وروسيا، كما بينّت الاتفاقات التي تمّت مؤخراً مع الطرفين. فيما يتعلق بروسيا تحديداً، لطالما حاولت موسكو خلال الأعوام الثلاثة الأخيرة دفع أنقرة للاعتراف بنظام الأسد بشكل سريع، من خلال التواصل السياسي المباشر معه. وبالرغم من أن أنقرة رفضت ولا تزال ترفض مثل هذا الأمر بحسب وزير خارجيتها، إلا أنّ اتفاق سوتشي الأخير يشي في عدّة أماكن منه إلى انتصار روسي في هذه النقطة ولو جزئياً. فروسيا استطاعت في نهاية المطاف إعادة إدخال بروتوكول أضنة كوسيلة لشرعنة التدخل العسكري التركي، لكنّ هذا يفترض كذلك نوعاً من الاعتراف بنظام الأسد، لا سيما مع نشر قوات حرس حدود سورية في بعض المناطق. من الواضح أن تركيا راوغت من خلال مطالبة الجانب الروسي بالتواجد مع هذه القوات من جهة، وأن تكون موسكو صلة الوصل وهو ما يفيد ببقاء التزام تركيا بعدم التواصل السياسي المباشر مع نظام الأسد. لكن هذه التكتيكات التركية قد تصطدم بشكل متزايد برغبة موسكو في الدفع باتجاه إعادة شرعنة الأسد، وإن بشكل تدريجي، مع إجبار تركيا في نهاية المطاف على التسليم بهذا السيناريو.
من غير المعروف بعد ما هو الطرح التركي المضاد، لكن تقديري أنّ أنقرة تحاول أن تؤجل قدر الإمكان حصول ذلك، على أمل أن تؤدي العملية السياسية في نهاية المطاف، بالإضافة إلى الانتخابات التي تلي إعداد دستور للبلاد، بالتخلّص من الأسد، أو التخلّص من هذه الأزمة بطريقة مقبولة في حينه.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس