ناصر ناصر - خاص ترك برس
لم يكن طلب الحكومة الشرعية في طرابلس برئاسة فايز السراج من تركيا دعمًا عسكريًا في مواجهة تواصل هجوم الجنرال المتمرد خليفة حفتر وما تلاه من موافقة تركية مبدئية على ذلك إلا الحلقة الأولى، والتي لن تكون الأخيرة في مسلسل التصعيد المستمر في منطقة شرق البحر المتوسط، وبغض النظر عمن بدأ هذا التصعيد إلا أن أحد أبطاله المركزيين هو الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، والذي وقع على مذكرة تفاهم أمني واقتصادي مع حكومة الوفاق، الأمر الذي أثار موجة عارمة من ردود الفعل الإقليمية والدولية، فما حقيقة دوافع الموقف التركي؟ وهل هو حاجة تركية ولقاء مصالح بينها وبين حكومة السراج؟ أم أنه بحث تركي عن دور نشط وفاعل في المنطقة والإقليم؟
تحاول تركيا فكّ ما تعتبره حصارًا عليها من قبل الثلاثية التي تحولت إلى رباعية في الفترة الأخيرة وهي إسرائيل ومصر وقبرص واليونان، الدول الأربعة تلتقي على أمرين اثنين: أما الأول فهو موضوع الغاز، وأما الثاني فهو المعارضة لدرجة العداء للرئيس التركي أردوغان، وقد دخلت روسيا على خط الأزمة الليبية - بدعمها لحفتر - كلاعب يحاول فرض أجندته المتعارضة إلى حد كبير مع المصالح الليبية التركية المشتركة.
وقد أشار الباحث الإسرائيلي في الشؤون التركية خاي إيتان كوهين في القناة 11 قبل يومين إلى ما اعتبره الرسالة المركزية التي أراد أردوغان إيصالها لإسرائيل بتوقيعه مذكرة التفاهم الليبي التركي وهي: "لا يمكنكم مد أنبوب غاز إلى اليونان دون موافقة تركيا"، أي دون مراعاة مصالح تركيا في المنطقة وبقصد تهميشها وتجاوز مصالحها.
بغض النظر عما عرف تاريخيا بأن البحر المتوسط هو حوض تركي عثماني إلا أن الحاضر والمستقبل يقول بأن تركيا بحاجة للغاز وللتنقيب عنه في مياهها ومياه حلفائها الاقتصادية، كي تخفف اعتمادها شبه الكامل على واردات الغاز من روسيا ومن غيرها، وهي بحاجة لتحالفات مع دول كليبيا لمواجهة المحاولات المعلنة والواضحة من قبل الرباعية لحصارها وتجاهل مصالحها، كما ظهر في السابق من تصدير الغاز الإسرائيلي عبر مصر ومن ثم إلى أوروبا، ويظهر الآن من الاتفاق المتبلور بين اليونان وإسرائيل لمد خط أنبوب غاز مباشرة من إسرائيل إلى اليونان ومن ثم لأوروبا، وهو ما نجح الاتفاق التركي الليبي في إحباطه وهو في مهده، ومن عجائب السياسة أن هذا يخدم مصالح روسيا - المعارضة لسياسة تركيا في ليبيا - في احتكار تصدير الغاز لأوروبا.
من جهة أخرى ترى الباحثة الإسرائيلية المختصة في الشأن التركي جيلان لندشتراوس بأن الاتفاق مع ليبيا ليس موجهًا بالدرجة الأولى نحو إسرائيل وإنما لليونان وقبرص، وادّعت وجود محاولات تركية أولية في هذه الأيام - أراها تكتيكًا ذكيًا من قبل الأتراك - لبدء تفاوض مع إسرائيل على مد أنبوب غاز من خلال تركيا وليس اليونان، ولكن الباحثة استبعدت في نفس الوقت استجابة متخذي القرار في إسرائيل لهذه الإشارات التركية بسبب ما أسمته الزيادة المستمرة في الشكوك وعدم الثقة في القيادة التركية، وهكذا تكون إسرائيل قد حسمت أمرها وحاليًا على الأقل لصالح تحالف مصر واليونان وقبرص، ولكنها بقيت عاجزة عن كسب الفيتو التركي الذي تعزز من الاتفاق مع ليبيا على أي مشاريع إسرائيلية لتصدير الغاز لأوروبا.
هل سيؤدي التضارب في المصالح التركية الإسرائيلية لمواجهة عسكرية بين الطرفين - على اعتبار أن المرشح الوحيد لمواجهة تركيا من بين أوساط الرباعية هو إسرائيل - خاصة بعد التقارير التي أشارت قبل نحو ثلاثة أسابيع إلى قيام تركيا بطرد سفينة إسرائيلية من منطقة قبرص الشمالية، وما نقلته صحيفة يديعوت أحرنوت قبل أيام 18 كانون الأول/ ديسمبر عن مصادر أمنية رسمية قولها "إن قام أردوغان فعلًا بإرسال قوات عسكرية تركية إلى ليبيا، فان هذا يعتبر تصعيدًا"، وقد يكون هذا التصريح هو ما دفع وزير الخارجية الإسرائيلي كاتس للتهدئة والقول "لن تكون هناك مواجهة مع تركيا".
فعلا يمكن القول بأن أضرار التسليم الإسرائيلي بالفيتو التركي هي أقل من أضرار أي مواجهة عسكرية معها.
قد لا تتنافى الحاجة التركية الراجحة من عقد اتفاقات وتحالفات لضمان حاجاتها ومصالحها الاقتصادية الشرعية في الغاز وغيره مع سعي تركيا للعب دور الدولة المركزية في المنطقة والإقليم من خلال الانفتاح وتعزيز العلاقات الخارجية مع المحيط الإقليمي وتحديدا العربي والإسلامي، وهو الأكثر انسجاما مع إرث تركيا التاريخي والحضاري، وقد تكون حاجة التفاهم مع ليبيا نموذجا متميزا للقاء المصالح والقيم معًا على حدٍ سواء مما قد يبشر بعلاقة تركية ليبية وثيقة في الحاضر وفي المستقبل ما نجحت في تجاوز العقبة الروسية ومعارضة الرباعية الإقليمية.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مواضيع أخرى للكاتب
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس