ناصر ناصر - خاص ترك برس
خرجت أطراف الملف السوري راضية، وإن بطرق وأشكال مختلفة من اتفاق موسكو 5-3 بين الرئيسين أردوغان وبوتين، والقاضي بوقف إطلاق النار في منطقة إدلب، وإيجاد ممر آمن بعمق 6 كيلومترات شمال وجنوب محور m4، وتسيير دوريات تركية روسية مشتركة، وهذه في الغالب حالات الاتفاق بين أطراف كبرى ومتكافئة، فالروس يستطيعون القول بأنهم أوقفوا الاندفاع التركي والاستنزاف للجيش السوري في عملية درع الربيع دون أن تتراجع قوات النظام المدعومة برًا وجوًا من موسكو وطهران وحزب الله.
أما النظام السوري فيمكنه القول إنه استعاد مناطق جديدة وبسط سيطرته على أجزاء أخرى من سوريا على حساب المعارضة، فماذا يمكن أن يقول الأتراك "وعلى الهامش الفلسطينيين أيضا" عن الاتفاق؟
تابع الفلسطينيون أو معظمهم أو كثير منهم على الأقل باهتمام بالغ تطورات التصعيد الأخير في إدلب، وقد تكون قلوبهم في وادٍ وعقولهم في وادٍ آخر، ولقد رجحت الأولى كفة المواقف الشعبية، بينما رجحت الثانية توازنات المواقف الرسمية ،حتى جاء اتفاق موسكو ليوقف هذا التناقض الظاهر، ويختم التصعيد وإن مؤقتا على الأقل بتوازن معين ومعقول، فالقتال في هذه المنطقة وبين تلك الأطراف قد لا يخدم قضية الفلسطينيين والعرب والمسلمين الأولى، التي تسعى لحشد كافة طاقات العالم والأمة لنصرتها، فما بالك إن كانت أطراف القتال تدعم وإن بدرجات وأشكال مختلفة قضية القدس والأقصى.
استطاعت تركيا في هذا الاتفاق تثبيت مكاسب سياسية واستراتيجية كبيرة جدا ووقف إمكانية خسارتها، فوثيقة موسكو أكدت اتفاقية سوتشي التي تعتبر وعلى نطاق واسع الغطاء السياسي والإقليمي والدولي، والذي يعطي شرعية هامة للوجود التركي على الأراضي السورية، وتحديدًا في نظر أطراف الملف السوري، وأهمها روسيا وإيران، وتبقى إشكالية تركيا ومعضلتها في الوظيفة التي أوكلها لها "اتفاق سوتشي" وهي مواجهة ما يسمى "بالقوى الإرهابية" في إدلب. فهل وكيف سيتغير التعامل التركي مع هذه المعضلة في مرحلة ما بعد درع الربيع؟
قد تكمن المصلحة التركية في "استمرار عملية مواجهة القوى الإرهابية" في إدلب، وبشكل أدق في قبول أطراف الملف السوري بجدية استمرار المواجهة وليس في حسمها على الأقل في المرحلة القريبة القادمة، وذلك بغض النظر عن قدرة تركيا على حسم هذه القوى عسكريًا واستيعاب النتائج السياسية، أو رغبتها الصادقة في إنهاء كافة أشكال ومظاهر الإرهاب في المنطقة.
لقد أصبح الإرهاب ورقة تستخدمها كافة الأطراف الصديقة والعدوة العادلة والظالمة لمصالحها وأهدافها الخاصة والعامة، والسؤال التركي يبقى مفتوحًا: ماذا بعد حسم "القوى الإرهابية" في إدلب؟ ومن سيقطف ثمار هذا الحسم؟
طالما لم تكن صورة الإجابة واضحة، فمن المستبعد أن يتم الحسم - على افتراض القدرة عليه في المرحلة القريبة – والأخطر من ذلك من سيسبق من؟ اتضاح صورة الجواب على السؤال التركي، أم اندلاع مواجهة صعبة أخرى بين تركيا وروسيا ومعها حلفاء النظام السوري؟
لا يتعلق الأمر بالحكمة والحزم التركي فقط، إنما بنوايا وإرادات الأطراف الأخرى ومنها وعلى رأسها أمريكا، التي لا تبدو راغبة في استقرار الأوضاع في سوريا كما ظهر جليا في إعاقتها لبيان داعم لاتفاق موسكو في الأمم المتحدة أمس، واستعدادها لتزويد تركيا بالذخيرة للقتال لا للباتريوت للردع وكسر التوازنات.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مواضيع أخرى للكاتب
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس