ترك برس
احتضن معرض الدوحة الدولي للكتاب، في قطر، ندوة "الثقافة التركية بين العمق التاريخي والانفتاح الحضاري"، خصصت لتدارس أوجه التمازج بين الثقافتين التركية والعربية، ومراحل التبادل الثقافي وحركية الترجمة التي شملت الآداب والعلوم والفلسفة اليونانية.
وفي كلمة له خلال الندوة، قال السفير التركي بالدوحة فكرت أوزر، إن الترجمة في إمكانها أن تخلق مجالا خصبا وواسعا لبناء مشروعات ثقافية تنهل من التراث الحضاري المشترك على أسس ومنطلقات جديدة، إذ إن تركيا اليوم حريصة على تعزيز التبادل الثقافي مع العالم العربي، بدليل ارتفاع أعداد المثقفين الأتراك الذين يقبلون على تعلم اللغة العربية، من أجل فهم أوسع للآداب الحديثة والعلوم والفنون، بحسب ما نقله موقع "الجزيرة نت".
ولفت السفير التركي إلى أن جائزة الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني للترجمة والتفاهم الدولي تبقى إحدى المبادرات التي تستحق التنويه -حيث تخصص جوائز كبرى لتشجيع الترجمة، ومن بينها الترجمة من التركية إلى العربية- تبدو حاجة ملحة لبذل جهود كبرى تتصدى لترجمة أرشيف "يضم نحو 150 مليون وثيقة" عن الدولة العثمانية وتاريخها في المنطقة العربية.
وأشار تقرير "الجزيرة نت" إلى أنه وتعزيزا لهذا المسار، وضعت وزارة الثقافة في تركيا قائمة تضم 250 كتابا عن الثقافة العربية لترجمتها إلى التركية، وقد أنجز منها نحو 150 كتابا حتى الآن، لكن حركة الترجمة العكسية ما زالت خجولة.
كما يوجد عدد هائل من المخطوطات العربية النادرة بالمكتبات التركية مثل السليمانية، وطوب قابي (الباب العالي)، ومكتبة سراي يلدز، ومكتبة السلطان محمد الفاتح، ومكتبة السلطان أحمد، وتحتاج تلك المخطوطات إلى تحقيق علمي يسهم في إثراء المشروع الحضاري للأمة المسلمة.
بدوره، قدّم أستاذ التاريخ بجامعة قطر مصطفى الخطيب لمحة تاريخية عن الدولة العثمانية والظروف التي صاحبت نشأتها، تحدث عن مراحل توسع الدولة العثمانية، حيث كانت في فترات تتجه غربا نحو أوروبا وتهتم بما فيها من إنتاجات علمية وفكرية، وفي فترات أخرى تعود إلى عمقها العربي، مثلما حدث في عصر السلطان سليم الأول، وخلال تلك الفترة استلهمت من المنطقة العربية ملامح حضارية مثل الأوقاف والمستشفيات وفن العمارة.
وأرجع الخطيب ذلك إلى أن الأتراك ظلوا متأثرين بالحضارة الإسلامية منذ دخولهم الإسلام في القرن السابع الميلادي، وفي تلك الفترة ظهرت أول ترجمة للقرآن الكريم إلى التركية، كما انتشر كثير منهم في البلاد الإسلامية من أجل تعلم اللغة العربية، وبدأ بعضهم يؤلف بها، مثل العالم عبدالله بن المبارك التركي (ت: 181هـ/ 797م)
وبحسب الخطيب، فإنه منذ ذلك الحين دخلت كلمات وعبارات عربية إلى اللغة التركية بشكل ملحوظ، حيث تشير تقديرات الدارسين إلى وجود ستة آلاف كلمة في القاموس التركي من أصل عربي، كما اعتمد السلاجقة والعثمانيون اللغة العربية لغة للعلم والدين والسياسة، لذلك تعلموها وعلموها في المدارس، وسارت تركيا على الطريق نفسه في تعليم اللغة العربية إلى أن سقطت الخلافة.
أما أستاذ اللغة التركية بجامعة قطر إبراهيم أدهم أوغلو، فاختار تسليط الضوء على نموذج حديث من التبادل الثقافي الناجح مع قطر، مشيرا إلى علاقات طويلة ترجع إلى قرون خلت، ليس على المستوى الرسمي فقط، وإنما الشعبي أيضا، فالدولة العثمانية كان لها ارتباط وثيق بمنطقة الخليج وقاعدة عسكرية في قطر، وهناك أرشيف عثماني يؤرخ لمراحل متعددة من صد العدوان والغزوات الأجنبية، خاصة من البرتغال. مرّ التلاقح الحضاري العربي التركي بمنعطفات تاريخية كبرى أثرت في جوانب كثيرة من حقول المعرفة، كما تحكمت التحولات السياسية التي عاشتها المنطقة العربية طوال قرون مضت في مصير تراث مشترك، تتصاعد الدعوات اليوم لإحيائه أكثر من أي وقت مضى.
وأوضح التقرير أن حركة الترجمة ظلت ذلك الجسر الذي يربط الثقافتين العربية والتركية، غير أن واقعها اليوم ضعيف وغير مؤثر، كما أن الباحثين العرب لا يضعونها ضمن اهتماماتهم، بقدر توجههم نحو الترجمة من اللغات الأكثر انتشارا في العالم، وكذلك ثمة عدد من الترجمات من اللغة التركية لم تكن بشكل مباشر، بل من خلال لغة وسيطة مثل الإنجليزية والفرنسية.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!