ترك برس
يتواصل الجدل في الشارع التركي بشأن مشروع "قناة إسطنبول" العملاق الذي تخطط الحكومة إطلاقه في المستقبل القريب وسط انتقادات كبيرة من أحزاب معارضة.
مناهضو مشروع قناة إسطنبول الجديدة الموازية لمضيق البوسفور، استدعوا العديد من القضايا الحساسة في المجتمع التركي لتعزيز موقفهم الرافض لها شعبيا.
وكان آخر ما تناوله هؤلاء، القول إن افتتاح القناة سيؤثر بالسلب على خصوبة الرجال. بدورها تؤكد الحكومة التركية أن القناة حصلت على تقييم إيجابي من 52 مؤسسة ومعهدا مختصا.
فقد فقال البروفيسور التركي جمال صيدام، في حديث لشبكة الجزيرة القطرية، إنه بمجرد بدء حفر قناة إسطنبول ستنتج روائح كريهة شبيهة برائحة البيض الفاسد جراء انبعاث غاز ثاني أكسيد الكبريت المتراكم في بحر مرمرة.
وأكد المحاضر في قسم الهندسة البيئية بجامعة "هجي تبه" بالعاصمة التركية أنقرة أن ثاني أكسيد الكبريت له تأثير سلبي على الجهاز التناسلي للذكور، وأنه يقلل من فاعلية الجهاز التناسلي الذكري بنسبة 25- 30%.
وأشار صيدام إلى أن القناة التي ستمر من خلال سدّين مائيين، ستنقل معها النفايات العضوية التي تجمعت في التربة عبر مئات السنين إلى بحر مرمرة، الأمر الذي سيعرض البحر الداخلي التركي لكثير من الأخطار.
ووفقا لجمال صيدام فإن قناة إسطنبول الجديدة ستقضي على بحر مرمرة بالكامل، باعتباره بحرا داخليا يتأثر بشدة بالبحار المفتوحة عليه وهي البحر الأسود شمالا وبحر إيجة في الجنوب الغربي.
وأوضح أن افتتاح القناة سيرفع مستوى المياه في البحر الأسود بمعدل خمسة إنشات (12.7 سنتيمترا)، الأمر الذي سيوّلد حالة ضخ كبيرة وتيارا عظيما يمر عبر البوسفور ليحمل محتويات البحر الأسود إلى مرمرة ويشوه خصوصيته.
وقال "لدينا بحر يفيض على بحر، وبالتالي فإن بحرة مرمرة سيموت إذا تم فتح القناة الجديدة التي وضعتنا أمام وضع مائي وبيئي خطر جدا، لأن خبراء الحياة البحرية لم يتم استشارتهم بها".
من ناحيتها، قالت الطبيبة بتول سيفانتش اختصاصية الصحة الإنجابية في مستشفى الفاتح، إن لغاز ثاني أكسيد الكبريت تأثيرات مؤكدة على خصوبة الرجال والنساء معا، موضحة أن كثيرا من الانبعاثات الغازية الصناعية تقلل من كفاءة عمل أجهزة جسم الإنسان ومن ضمنها الجهاز التناسلي.
وأشارت سيفانتش في اتصال هاتفي مع "الجزيرة"، إلى أن غاز ثاني أكسيد الكبريت ومجموعة كبيرة من أكاسيد العناصر القلوية والكربون تقلل من كفاءة نقل الجهاز الدوراني للأكسجين فتتسبب في ضعف فسيولوجي عام في وظائف أعضاء الجسم من جهة وتتسبب في خلق تشوهات في النطف الذكورية من جهة أخرى.
ولفتت الطبيبة التركية النظر إلى أن بلادها كانت تعاني قبل عقدين من الزمن من ارتفاع مستوى تلوث الهواء بمادة ثاني أكسيد الكبريت وتحديدا في المدن الكبرى كإسطنبول وأنقرة، لكن هذا التلوث تراجع وانحسر إلى حدوده الطبيعية وفقا لمعايير الصحة العالمية بفعل إجراءات الرقابة الصارمة على المصانع والمنشآت المطلقة للعوادم.
وأوضحت سيفانتش أن الحديث عن انبعاث ثاني أكسيد الكبريت من القناة غير مفهوم إلا إذا كان يقصد به عوادم الآليات والمعدات التي تقوم بعمليات الحفر، مبينة أن الحديث هنا يجري عن انبعاثات محدودة ومؤقتة يصعب التحقق من تأثيراتها الصحية على المدى الطويل أو المتوسط.
سبق أن شهدت مدينة إسطنبول تنفيذ عدد كبير من المشاريع العملاقة المتعلقة بالحفريات، ومن ضمنها قطار مرمراي ونفق أوراسيا اللذين استخدمت فيهما أضخم الحفارات في العالم دون رصد أي تأثيرات سلبية لانبعاثات غازية سمية.
لكن المعارضين لمشروع القناة ومن ضمنهم صيدام يشددون على أنها ستسبب أضرارا لا يمكن إصلاحها على مستويات البحر والغابات والمياه الجوفية في إسطنبول.
وتبذل المعارضة التركية جهودا خارقة لمنع تنفيذ مشروع شق القناة البحرية الموازية للبوسفور، ولا سيما بعدما تمكن حزب الشعب الجمهوري المعارض من الفوز برئاسة بلدية إسطنبول الكبرى في سبتمبر/أيلول الماضي.
واستدعى رئيس البلدية أكرم إمام أوغلو الروح القومية التركية في صوته المرتفع لمناهضة القناة، معلنا أن المشروع يمنح الأجانب (غير الأتراك) والعرب تحديدا مساحات واسعة من الأراضي التركية عبر الاستثمار في محيط مشروع القناة.
كما سبق لأكرم إمام أوغلو الذي يقود حملة معارضة شرسة لمشروع القناة أن قدم 15 سببا لمعارضته للمشروع يرتبط أغلبها بقضايا ذات طابع شديد الحساسية في المجتمع التركي، كالقول إن شق القناة سيزيد من مخاطر تعريض المدينة للزلازل والهزات الأرضية المدمرة.
لكن أكرم إمام أوغلو توقف عن إثارة هذا الملف تحديدا بعد تعرض المدينة مؤخرا لعدد كبير من الهزات الأرضية التي خلقت مزاجا عاما يرفض توظيف هذا التهديد في إطار المناكفات السياسية.
ويروج معارضو مشروع القناة أن حفرها سيأتي بدمار شامل على مخزون مياه الشرب التركية، قائلين إن عمليات الحفر ستؤدي إلى اختلاط مياه البحيرات العذبة التي تشرب منها المدينة بمياه البحر.
كما يقولون إن حفر القناة سيأتي على جزء كبير من ميراث المدينة الثقافي والتراثي من قصور وأحافير تنتشر في مسار القناة فوق التراب وفي باطنه.
بدوره، أعلن وزير البيئة والتحضر التركي مراد كوروم أن القناة التي ستسمح بمرور 185 سفينة يوميا بأمان، حصلت على تقييم إيجابي من 52 مؤسسة ومعهدا مختصا، خاصة في قطاع البلديات ومن ضمنها مراكز تتبع لبلدية إسطنبول الكبرى.
وأشار كوروم في تصريحات صحفية إلى أن مشروع شق القناة لم يكن ليرى النور لو لم يتم دعمه بالتقارير التي قيّمت المشروع بإيجابية.
وحتى اليوم، لم تعلن السلطات الرسمية التركية تاريخا دقيقا لبدء الحفريات في القناة، لكن وزير المواصلات والبنية التحتية جاهد تورهان أكد أن في حال بدء المشروع في 2020 فسينتهي في 2026، وأن قيمته ستبلغ 25 مليار دولار بواقع 15 مليارا لشق القناة وعشرة مليارات دولار للإنشاءات المجاورة له.
وأشار إلى أن محتوى الحفريات والطمم الناجم عنها سيستخدم لطمر المنحدرات الواقعة بين بحيرة دورسو والبحر الأسود وتحويلها إلى متنزهات طبيعية.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!