ترك برس
نشر موقع مودرن دبلوماسي، مقالًا لإيمليا أفداليني، الباحث المتخصص في الشأن الروسي، حول دوافع التحركات التركية في الخارج، اعتبر فيه أن روسيا ستظل التحدي الرئيسي لتركيا على المدى الطويل؛ لأنها تزيد نفوذها في جنوب تركيا وشمالها.
ويستهل أفداليني مقاله بأن ما يردده الكثيرون حول تدخل تركيا العسكري في سوريا إنما هو انعكاس لسياسة الدولة الخارجية الطموحة لإعادة أجزاء من الإمبراطورية العثمانية التي انتهى وجودها بعد الحرب العالمية الأولى ليس صحيحًا.
وأوضح أنه بدلًا من ربط السياسة الخارجية الحالية لتركيا بماضيها العثماني، فإن جغرافية البلاد ربما تكون أقوى دافع وراء التحركات الجيوسياسية لأنقرة في العقد الماضي.
وأضاف أن تركيا تتاخم خمس مناطق جغرافية متفاوتة الأهمية الجيوسياسية: البحر الأسود والبلقان والبحر الأبيض المتوسط وجنوب القوقاز وسوريا والعراق. والقاسم المشترك بين هذه المناطق هو أزمات ذات حجم متبادل تؤثر مباشرة في حدود تركيا.
هذه الجغرافيا، كما يقول أفداليني، تفرض سياسة خارجية نشطة لأنقرة التي كانت تستجيب لمختلف الأزمات على طول حدودها. وتملي النظرية الجيوسياسية البسيطة أنه لضمان مصالحها في المناطق الخمس، تحتاج تركيا إلى أن تكون نشطة ومستجيبة لمختلف المشاكل على طول حدودها.
ومن هذا المنطلق يبدأ أفداليني في شرح تحركات تركيا في كل من سوريا وجورجيا وأوكرانيا.
ويقول إن اللغز السوري هو أحد الأمثلة الواضحة على أن للمشاكل تأثيرًا غير مباشر على داخل تركيا، وهو السيناريو الذي سعت أنقرة لتجنبه منذ عام 2011، من خلال عمليات عسكرية محدودة ومتوسطة في شمال سوريا. وهذا يضع أنقرة في منافسة مباشرة مع روسيا في الوقت الذي تسعى فيه الأخيرة إلى تحقيق أهدافها الاستراتيجية المتمثلة في ضمان سيطرة بشار الأسد.
المسألة الأخرى التي تقلق تركيا، وإن طغت عليها الأزمة السورية في الوقت الحالي، هي الوضع الأمني المتدهور في منطقة البحر الأسود.
وأوضح أنه على الرغم من أن تركيا وروسيا تتعاونان على كثير من الجبهات، فإنهما ما يزالان متنافسين جيوسياسيين مع مصالح متنافسة في كثيرمن المناطق الحيوية استراتيجيًا في جميع أنحاء اليابسة الأوراسية.
وأضاف أن موقع تركيا الجغرافي يمنحها أطول شاطئ على البحر الأسود والتحكم الطبيعي في مضيق البوسفور والدردنيل، وهو ما يجعل البلاد قادرة على عرض قوتها العسكرية والاقتصادية عبر البحر الأسود بأكمله.
وأردف أن ضم روسيا لشبه جزيرة القرم الأوكرانية في عام 2014 بالإضافة إلى مصالح أنقرة وموسكو الطبيعية في توسيع منطقة نفوذها في البحر الأسود، لا يترك مجالًا كبيرًا للبلدين لإيجاد تسوية تأسيسية على المدى الطويل.
ورأى أفداليني أن هذه التطورات الأساسية في جنوب وشمال تركيا سيكون لها تأثير دائم على رؤية تركيا لجوارها، حيث يضغط الوجود العسكري الروسي على تفكير أنقرة.
ولحل هذه المعضلة، من مصلحة تركيا أن تكون أوكرانيا قوية، بحيث يمكن أن تكون حاجزًا لطموحات روسيا في منطقة البحر الأسود. وقد أبرزت زيارة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان لأوكرانيا في فبراير / شباط هذا التفكير التركي عندما تم التعهد بدعم الجيش الأوكراني.
في جنوب القوقاز أيضًا، تواجه تركيا روسيا، حيث إن لكليهما وجهات نظر متباينة إلى حد ما حول المنطقة.
ومنذ انهيار الاتحاد السوفييتي، عملت تركيا بنشاط على إعادة ربط منطقة جنوب القوقاز بسوقها المتنامي لاستهلاك الطاقة من خلال بدء تسهيل العديد من مشروعات الطاقة والبنية التحتية بين الشرق والغرب.
واستطرد أن مشروع تاناب لنقل الغاز الأذري، وخط السكك الحديدية باكو - تبليسي - قارص، بالإضافة إلى نموذج التعاون الثلاثي المتنامي مع جورجيا وأذربيجان أداة أخرى لأنقرة لتأمين وتعزيز مصالحها الجيوسياسية الحيوية.
وخلص أفداليني إلى أنه مع تزايد التوتر في منطقة الشرق الأوسط في العقد الماضي، ستواصل تركيا الاضطلاع بدور حاسم في جيوسياسية المنطقة. وستظل روسيا التحدي الرئيسي لتركيا على المدى المنظور لأنها تزيد نفوذها في جنوب تركيا وشمالها.
وختم بأن تركيا من أجل الحد من هيمنة روسيا، ستستخدم موقعها الحيوي كعضو في الناتو بالإضافة إلى عدة خيارات، من بينها دعم دورها في شمال سوريا وأوكرانيا وجورجيا من خلال تعاون اقتصادي أقوى وربما عسكري.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!