عبد العليم الكاطع - خاص ترك برس
السويد بلد العلماء والباحثين وموطن جائزة نوبل. تخالف العالم كله وتسير في اتجاه معاكس واضعة استراتيجية مختلفة لمحاربة فايروس كورونا. فقد رفضت الحكومة تطبيق إجراءات الحظر وتعطيل الأعمال وتطبيق حالة الطوارئ وفرض حظر التجوال. وامتنعت عن تطبيق أي من القرارات التي جرى تطبيقها في باقي دول العالم لمحاربة انتشار فايروس كورونا.
الإجراءات التي اتخذتها السويد منذ بداية الأزمة
ما عملته السويد هو أن أوقفت المدارس الثانوية والجامعات ومنعت التجمع لأكثر من 50 شخصًا ونصحت الأشخاص الذين يستطيعون العمل من المنزل البقاء في المنزل. نصحت الناس بأهمية التباعد الاجتماعي وترك مسافة متر بينك وبين من ترغب بالتواصل معهم. ودعت إلى الاهتمام بالنظافة وغسل اليدين بانتظام وقامت بزيادة حماية دور رعاية المسنين ومنعت الزيارات. وجهت حزمة كبيرة من المليارات لدعم الاقتصاد والقطاع الخاص.
المطاعم والمقاهي والمحلات، والمدارس الابتدائية والحضانات ومراكز الأعمال والبنوك والشركات كلها لا زالت تعمل بشكلها الطبيعي.
الإجراءات التي فرضتها السويد تعتبر شيئا لا يذكر إذا ما قارنته بالإجراءات التي اتخذها باقي دول العالم؛ المتقدمة منها أو الدول التي تحسب على دول العالم الثالث. مما جعل السويد عرضة للانتقاد من دول الاتحاد الاوربي وباقي دول العالم.
هل هذه الاجراءات كافية؟ هل تعلم السويد شيئاً وتخفيه عن العالم؟ هل تضحي السويد بشعبها؟ والكثير من الاسئلة والنظريات.
تجربة السويد تستحق الدراسة!
بنظري أن هذا الشيء هو أقصى ما يمكن فعله في الوقت الحالي.
على مبدأ ليس في الإمكان أبدع مما كان... السويد ليست الصين أو ألمانيا أو إيطاليا لا على المستوى التعداد السكاني ولا على مستوى الإمكانيات الطبية (عدد الكوادر الطبية) وكما يعرف الكثير من المقيمين في السويد أن هناك نقصاً كبيراً بالكوادر الطبية حتى قبل أزمة الكورونا. وفوق كل هذا تعد السويد بلداً عجوزاً حيث أن نسبة كبار السن الذين هم فوق 65 سنة كبيرة تزيد نسبتهم على 40%. ضمن هذه الظروف يصبح الأمر أكثر حرجا بالنسبة للحكومة السويدية.
وإضافة على هذا كله توجد لدينا معضلة رفاهية الديمقراطية.
ليس من السهل على الحكومة اتخاذ إجراءات صارمة تحد من حرية المواطنين فهيكلية السويد السياسية تختلف عن باقي الدول واتخاذ القرارات يحتاج إلى الكثير من الوقت والاجتماعات والدراسة. كما أن الحكومة لا تملك الكثير من الصلاحيات وتحتاج لموافقة البرلمان قبل اتخاذ هكذا قرارات - منذ بداية الأزمة قام البرلمان بمنح الحكومة صلاحيات واسعة لإغلاق المدارس والجامعات وفرض الحجر على المدن إن لزم الأمر - ومع ذلك لم تقدم الحكومة على استغلال هذه الصلاحيات.
ربما من السهل على العالم بشكل عام وعلى شعوبنا العربية بشكل خاص التخلي مبادئ الديمقراطية والحد من حرية المواطنين، لكن الامر مختلف جداً عند السويديين، حتى وإن كان تحت غطاء الصالح العام.
توضيحات
جميع المراكز البحثية تصرح أن تطوير لقاح للفايروس يحتاج إلى وقت طويل والخبراء يقولون إن الأزمة قد تطول إلى أشهر طويلة. سُلطات الدول تحذر المواطنين أن الفايروس قد يصيب ثلثي السكان وأن ارتدادات الأزمة قد تستمر لسنوات.
تُدافع السويد عن استراتيجيتها وترى أنه من الصعب أن نحجرعلى الشعب لمدة طويلة قد تطول إلى أشهر، ويكفي أن يكون الالتزام ذاتياً ومن الضروري على الأشخاص الذين تظهر عليهم الأعراض أن يلزموا بيوتهم وأن نقوم بحماية كبار السن وأصحاب الأمراض المزمنة. فهي ترى أن منع انتشار العدوى ليس ممكناً بل مستحيل - حتى مع تطبيق إجراءات الحظر - وما يمكننا فعله هو الحد من انتشار العدوى والعمل على تأخيرها وتسطيح منحنى انتشار الفايروس وتجنب انهيار الرعاية الصحية.
يقول أندرس تيغنيل بروفيسور علم الأوبئة والفيروسات والناطق باسم هيئة الصحة السويدية: "نحن واثقون أننا نعمل بشكل صحيح. في الواقع كثيرون قد يحسدون السويديين على برودة أعصابهم".
بين الخوف والثقة!!
بدا واضحاً أن الآراء تتأرجح حتى داخل السويد بين الخوف والثقة، خصوصاً الجالية العربية حيث ظهر بشكل واضح القلق الكبير من إجراءات الحكومة السويدية، وأخذوا يطالبون الحكومة باتخاذ إجراءات صارمة وفرض الحجر الصحي وإيقاف المدارس والعمل. حيث يعتبرون أن النموذج الصيني في التعامل مع الفايروس وحده هو طريق النجاة ويعبرون كل دولة لا تتبع هذا النموج هي دولة شاذة ومصيرها الفناء.
وهذا يعود إلى خبرتهم بحكومات الدول التي جاؤوا منها التي تكذب حتى بدرجات الحرارة كما يقول فيصل القاسم.
لكن الأمر بالنسبة للسويديين ليس كذلك فالشعب لديه ثقة كبيرة بالسياسين والحكومة، كما قلنا إنه ليس من السهل بالنسبة للحكومة تقييد حرية الشعب وحركة المواطنين ومن الأفضل أن تكون الإجراءات معتمدة على الضمير الفردي.
أظهر استطلاع قامت به (Axiom Insight) حول نظرة المجتمع إلى أزمة كورونا أن 75% يثقون بالهيئات الرسمية و90% يثقون بالأكاديميين كمصدر للمعلومات. كما تظهر الاستطلاعات أن غالبية السويديين يثقون بالحكومة وأن الإجراءات التي قامت بها الحكومة متوازنة بين الدعم الصحي والاقتصادي.
وترى هيئة الصحة السويدية أن هناك خطراً في فرض إجراءات وقيود صارمة بسرعة كبيرة. وهناك تخوف ألا نتمكن من الاستمرار بهذه الإجراءات لفترات طويلة فالأمر لا يقتصر على الاقتصاد فقط وإنما أيضاً بمدى ما تحدثه هكذا تغييرات كبيرة في حياة الناس. والتحدي هو أن تفرض الإجراء الصحيح في الوقت المناسب.
بمعنى آخر كم تستطيع الدول والحكومات الصمود وتحمل تكاليف القطاعات الصحية والقطاعات المستهلكة التي تعمل بأقصى استيعابها واستطاعتها.
هذا السياق كله نتحدث فيه عن دول منتجة ومحققة للاكتفاء الذاتي طبياً وغذائياً بنسب كبيرة. وليس هذا هو الحال في عالمنا العربي أو الدول غير المنتجة للغذاء والدواء.
وفي هكذا ظروف ليس السهل تقييم الإجراءات التي تتبعها الدول فلكل دولة ظروف مختلفة وكل الإجراءات مدروسة ومبنية على آراء الخبراء والكثير من التحليلات والإحصائيات.
الموضوع كبير ومعقد جداً والخطر تعدى القطاعات الصحية ليشمل الاقتصاد والمجتمع والأمن. الفايروس يضع دولاً عظمى واقتصاد العالم على حافة الانهيار.
الأمن الغذائي والدوائي لكثير من الدول في خطر وخصوصاً تلك الدول الغير المنتجة، وامتلاك المال لم يعد كافياً بل نجاتك أنت وشعبك يعتمد على ما تملكه من علوم ومراكز أبحاث وتكنولوجيا وخطوط إنتاج.
الصدمة والخوف وعدم وضوح الرؤية يجعل الحكومات تتصرف بشكل متخبط وغير متزن. هذا على مستوى الدول.
كيف هو الحال مع الناس العاديين الذين فقدوا أو سيفقدون حياتهم أو حياة أقربائهم أوأرزاقهم وأعمالهم. كل هذا لا يجعلنا نعلم على وجه اليقين أي تجربة هي الصحيحة!
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس