إسماعيل ياشا - أخبار تركيا
عملية السلام الداخلي التي أطلقتها الحكومة التركية لإنهاء النزاع المسلح مع حزب العمال الكردستاني وصلت مراحل متقدمة، ومع دعوة رئيس الحزب المسجون في جزيرة “إمرالي”، عبد الله أوجلان، في رسالته الأخيرة التي تمت تلاوتها في مدينة ديار بكر خلال احتفالات عيد النوروز، إلى عقد مؤتمر استثنائي للحزب لإعلان إلقاء السلاح وإنهاء القتال ضد قوات الأمن التركية، فتحت صفحة جديدة واقتربت العملية أكثر من أي وقت مضى من هدفها النهائي الذي سيطوى هذا الملف الشائك.
أوجلان طلب من قادة حزب العمال الكردستاني عقد مؤتمر استثنائي لإعلان إلقاء السلاح، ولكنه لم يحدد موعد هذا المؤتمر، بل ترك تحديد موعده لقادة حزبه. وحتى هذه اللحظة لم يتم إعلان موعد هذا المؤتمر، ويبدو أن بعض قادة حزب العمال الكردستاني المقيمين في جبال قنديل بشمال العراق غير مستعدين لإلقاء السلاح، كما أن زعيم حزب الشعوب الديمقراطي صلاح الدين دميرتاش يبدو غير متشجع لتلبية دعوة أوجلان.
تركيا تتعرض اليوم لهجمات شاملة تشارك فيها قوى داخلية وخارجية لزعزعة أمنها واستقرارها قبيل الانتخابات البرلمانية التي ستجرى بعد حوالي شهرين، كما أن المنطقة تشهد تطورات ساخنة وتتضارب فيها المصالح وتنقلب الموازين. ومما لا شك فيه أن هناك ضغوطا تمارس على قادة حزب العمال الكردستاني ووعودا هائلة تنهال عليهم من قوى إقليمية ودولية ليواصل الحزب قتاله ضد قوات الأمن التركية ولا يترك السلاح، ومن المؤكد أن تفتح تلك الوعود شهية بعض قادة الحزب.
وبالإضافة إلى ذلك، فإن هناك قادة في صفوف حزب العمال الكردستاني مرتبطين بالنظام الإيراني، مثل “جميل باييك”، وهؤلاء لا يرغبون بطبيعة الحال في إلقاء السلاح، وفي الوقت نفسه لا يستطيعون أن يرفضوا دعوة أوجلان بشكل علني إلا أنهم يمكن أن يماطلوا في التلبية لدعوته وأن يقدِّموا شروطا تعجيزية لعقد مؤتمر لإعلان إلقاء السلاح.
القيادي في حزب العمال الكردستاني، جميل باييك، أكَّد في مقابلته مع الصحفيين أن الحزب لن يقرر إلقاء السلاح قبل أن يلتقي أوجلان عناصر حزبه ويشترط إطلاق سراح زعيم الحزب، وهذا ما لا يمكن قبوله من قبل الحكومة التركية، كما أن باييك يعرف جيدا أن أنقرة لن تقبل مثل هذه الشروط. وبمعنى آخر، هذا الشرط في حقيقته رفض لدعوة أوجلان بشكل غير مباشر.
التصريحات التي تصدر من معسكر حزب العمال الكردستاني في جبال قنديل بشمال العراق تشير إلى أن الحزب غير مستعد لإلقاء السلاح قبل أن تتضح الصورة في المنطقة عموما وفي العراق وسوريا على وجه الخصوص، لأن قادة الحزب يرون أنه يمكن أن يلعب دورا هاما في القتال ضد تنظيم الدولة الإسلامية والمجموعات الجهادية في العراق وسوريا، بمباركة الدول الغربية ودعمها، ويأملون أن يفتح هذا الدور للحزب مساحات واسعة للتحرك والمناورة وتحقيق أحلامه.
عملية السلام الداخلي في تركيا تتمتع بتأييد شعبي، من الأتراك والأكراد، وتصل نسبة المؤيدين لجهود الحكومة التركية باتجاه المصالحة التاريخية مع حزب العمال الكردستاني لطي صفحات هذا الصراع الدموي إلى 68 بالمائة. والحكومة عازمة على المضي قدما حتى النهاية لإنجاح هذه العملية على الرغم من كل العقبات التي تقف أمامها، مستندة إلى هذا التأييد الشعبي، بالإضافة إلى دعم قادة كردستان العراق لهذه العملية، إلا أن مهمتها لن تكون سهلة.
ومن المتوقع أن لا يلقي حزب العمال الكردستاني سلاحه، في ظل الظروف الإقليمية الراهنة، وإن تم إعلان إنهاء القتال ضد قوات الأمن التركية، لأن السلاح ورقة رابحة في هذه المنطقة الملتهبة وتعطي لقادة الحزب امتيازات وفرصا للتفاوض والابتزاز، ولن يلتفت إليهم أحد من القوى الإقليمية والدولية إن أعلنوا التخلي عن السلاح، لأنهم ببساطة لن يعودوا صالحين للتوظيف والاستغلال.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس