إسماعيل ياشا - عربي 21
وزير الخارجية التركي مولود تشاووش أوغلو قال يوم الجمعة الماضي للصحافيين في أنقرة، إن الشخص الذي ساعد الفتيات البريطانيات على دخول سوريا هو مواطن سوري يعمل لصالح جهاز استخبارات دولة داخل التحالف، ولكنه لم يكشف عن تلك الدولة.
وسائل الإعلام التركية كشفت فيما بعد عن هوية العميل السوري محمد الرشيد وجهاز الاستخبارات الذي يعمل لصالحه، وذكرت أنه كان على اتصال مع استخبارات كندا، وكان يزور السفارة الكندية في العاصمة الأردنية بانتظام لتقديم كافة المعلومات عن الشباب الأجانب الراغبين في الانضمام لتنظيم الدولة، واعترف بأنه فعل كل ذلك أملا بالحصول على الجنسية الكندية.
كان من المفترض أن تقدم كندا وغيرها من دول التحالف إلى السلطات التركية المعلومات التي تحصل عليها حول الأشخاص الذين يشتبه بهم لمنع تسللهم إلى الأراضي السورية، ولكنها لم تفعل ذلك. ولو كان جهاز الاستخبارات الكندية أبلغ أنقرة ما قدَّم إليها طبيب الأسنان السوري محمد الرشيد من معلومات، لكانت قوات الأمن التركية قبضت على الفتيات البريطانيات وأعادتهن إلى بلادهن، ولكن كندا تسترت عليهن، بل إنها قامت عبر العميل السوري الذي يعمل لصالحها بتسهيل وصولهن إلى الأراضي السورية التي يسيطر عليها تنظيم الدولة.
ماذا يفعل جهاز استخبارات كندا في المناطق الحدودية؟ ولماذا يقوم بتسهيل عبور الشباب إلى الأراضي السورية للانضمام إلى تنظيم الدولة؟ هذا السؤال يجب أن يجيب عنه المسؤولون الكنديون.
وهناك سؤال آخر يطرح نفسه، وهو: هل جهاز الاستخبارات الكندية يحتفظ لنفسه بالمعلومات التي يحصل عليها من العميل السوري، أو أن هناك أجهزة استخبارات أخرى ينسِّق معها ويزوِّدها بتلك المعلومات؟
شخصيا، أعتقد أن تلك المعلومات يتم تبادلها مع أجهزة استخبارات غربية وعربية، وليس مستبعدا أن تتم عملية تهريب مواطني الدول الأوروبية إلى الأراضي السورية لانضمامهم إلى تنظيم الدولة بالتنسيق والتعاون مع تلك الأجهزة، إما لهدف اختراق التنظيم أو لاستغلال هذا الموضوع إعلاميا وسياسيا للفت الانتباه من جرائم النظام السوري إلى الخطر الذي يشكله تنظيم الدولة على المجتمعات الغربية، بالإضافة إلى ممارسة الضغوط على تركيا واتهامها بدعم هذا التنظيم وتسهيل مرور عناصره عبر أراضيها حتى تقبل أنقرة بوأد الثورة السورية ودعم الحل السياسي الذي يريده الغرب ويرمي إلى إعادة تأهيل النظام السوري.
التقارير التي نشرت في وسائل الإعلام الغربية واتهمت تركيا بعدم ضبط حدودها مع سوريا وتسهيل العبور للانضمام إلى تنظيم الدولة لا تعد ولا تحصى، مع أن تركيا طالبت مرارا وتكرارا الدول المعنية بتقديم المعلومات عن الأشخاص الذين يشتبه بهم، لترفض دخولهم أراضيها وتعيدهم إلى بلادهم، إلا أن تلك الدول لم تستجب لهذه المطالبة، بل اتضح الآن أن بعضها كانت تتعمد إخفاء ما تحصل عليه من معلومات وتتآمر على جهود ضبط الحدود.
زعيمة المعارضة الكندية والنائبة عن الحزب الديمقراطي الجديد، ميغان ليسلي، أكدت تورط استخبارات بلادها في تهريب عناصر تنظيم الدولة، وقالت إن تركيا محقة بشأن تورط عنصر من جهاز الاستخبارات الكندية في قضية البريطانيات الثلاث، بينما رفض وزير الأمن العام الكندي ستيفن بلاناي التعليق على الموضوع، بحجة أنه يتعلق بالأمن الوطني. وبعد هذا الاعتراف، ترى هل ستتهم وسائل الإعلام الحكومة الكندية بالتعاون مع تنظيم الدولة كما اتهمت الحكومة التركية، أم أنها ستلعب دور القرود الثلاثة؟
وزير الخارجية الأمريكي جون كيري في مقابلة مع "سي بي إس نيوز"، قال إن الولايات المتحدة ستضطر في النهاية للتفاوض مع الرئيس السوري بشار الأسد. وهذا التصريح وحده يعد أكبر دعم لتنظيم الدولة، لأنه يدفع الشباب السوريين الرافضين للنظام السوري باتجاه هذا التنظيم ويكشف عن مؤامرة خبيثة تستهدف الثورة السورية. ولذلك، فقد كان الرد التركي على ما قاله كيري غاية في الوضوح، حيث استنكر وزير الخارجية التركي مولود تشاووش أوغلو، قائلا: "ما الذي يمكن التفاوض عليه مع الأسد؟ ما الذي ستتفاوضون عليه مع نظام قتل أكثر من 200 ألف شخص، واستخدم الأسلحة الكيميائية؟". وقال رئيس الوزراء التركي أحمد داود أوغلو: "إذا جلستم مع الأسد وصافحتموه، فلن يمحى ذلك من ذاكرة الضمير الإنساني، فلا فرق بينه وبين هتلر أو ميلوسوفيتش".
الحدود بين تركيا وسوريا طويلة، وتنشط في المناطق الحدودية عشرات من وسائل الإعلام لتغطية الأحداث والمؤسسات الخيرية لإغاثة اللاجئين. ومن الطبيعي أن يرتبط بعض العاملين في تلك الوسائل والمؤسسات بأجهزة استخبارات أجنبية وأن يعملوا لصالحها. وتحاول تركيا قدر المستطاع ضبط الحدود ومراقبة الأنشطة، ومع ذلك، فإنه لا يمكن إنهاء جميع الأنشطة والتحركات في المناطق الحدودية، لأن مثل هذه الخطوة تضر السوريين أكثر من غيرهم.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس