ترك برس
تشتهر منطقة "أفانوس" في ولاية "نيفشهير" وسط تركيا بحرفة صناعة الأواني الخزفية (تشانكجي)، التي يواصل حرفيوها إنتاج قطع فنية في غاية الروعة والإبداع، استعدادا لمرحلة ما بعد فيروس كورونا لمواكبة الطلبات، حيث يصدر خزف أفانوس إلى 70 دولة في العالم.
يعمل صناع الخزف في أفانوس في دكاكين بسوقها التاريخي، الذي هو عبارة عن مغارات متشعبة محفورة داخل تلة صخرية تتوسط المدينة، ولا تزال مركزا لصناعة الخزف والفخار منذ مئات السنين. يعتز أهالي هذه المدينة بمقولة قديمة يرددونها دائما ويكتبونها على اللافتات: "حتى الأعمى يعرف طريقه إلى أفانوس من بقايا الفخار المكسور على طول الطريق".
يملك حرفيو أفانوس معرفة عميقة وقديمة بقيمة الأواني الخزفية التي قد يجهلها من يقتنيها من خارج أفانوس حتى لو كانت مصنوعة فيها، حيث يقومون بصنعها أمام الزبون بنماذج وأنماط مختلفة وفقا لما يطلبه الزبون.
وقد أخذت صناعة الخزف التقليدي في أفانوس منحنى آخر مع انتشار ورشات الخزف اليدوي في المدينة مؤخرا، حيث يتم فيها تطوير القوالب والزخارف الموروثة عن البيزنطيين، والسلاجقة، والعثمانيين، وحتى الحثّيّين، ممزوجة في إطار عصري حديث.
تختلف مدة صنع كل قطعة حسب حجمها وزخارفها، ومنها ما قد يحتاج إلى شهرين من العمل، وقد يحتاج المتدرب على هذه الصنعة عامين من التدريب حتى يتقن عمل قطعة فنية واحدة.
تحولت هذه الحرفة إلى ثقافة مجتمع في المدينة، فقد كان يطلب من العريس في الماضي أن يصنع إناء من الفخار وغطاء له، وكان ينبغي عليه صناعة الغطاء أولا ثم الإناء الذي يلائمه وإلا لن يستطيع الزواج لأن لا أحد يقبل به، لعدم إتقانه الحرفة.
كما انعكس ارتباط أهالي أفانوس بهذه الحرفة على ثقافة الطعام أيضا، فاشتهرت المدينة بكباب الجرة التي تقدم في معظم مطاعمها، حيث توضع الخضراوات مع اللحوم المختلفة حسب الطلب في جرة فخار لتنضج في الفرن على نار هادئة.
وخلال فترة ركود السوق التي رافقت تفشي فيروس كورونا، يعمل حرفيو المدينة على تصميم نماذج جديدة بزخارف جديدة بهدف توسيع منتجاتهم، مواصلين إنتاج المزيد من القطع الفنية النادرة التي تجذب انتباه السياح، حيث تمتد جذور هذه الحرفة إلى عهد الحثّيّين قبل خمسة آلاف عام.
وفي حديث لوكالة الأناضول، صرح الحرفي، الأسطى حسن تشول، بأن حرفيي المدينة يبذلون قصارى جهدهم لاستغلال هذه الفترة الأكثر هدوءا في تاريخ السياحة فيما قد يحقق لهم أرباحا وفيرة، وقال: "ركزنا على استغلال فترة الهدوء في مرحلة أزمة فيروس كورونا فيما قد يعود علينا بالربح الكثير. ستعود السياحة لأيامها السابقة المزدحمة، لذلك عندما سنقدم أعمالنا الجديدة والمتنوعة لضيوفنا التي أعددناها سابقا، لا شك أننا سنحقق أرباحا".
وقال الحرفي أوغوز كوتشمان، الذي يمتهن هذه الحرفة ويعشقها منذ طفولته، حتى أنه لم يتوقف عن العمل بالتراب والطين فترة تفشي الوباء، بأنه يعرض في متجره منتجات من الأواني الخزفية فريدة من نوعها تجذب السياح القادمين لزيارة كابادوكيا.
وأضاف كوتشمان: "أصنع نماذج خاصة بكابادوكيا، وأبيعها للسياح المحليين، لذلك لم ينقطع عملي وإنتاجي في فترة الوباء. قريبا سيفتتح موسم السياحة وسيزيد إنتاجنا، وأنا لا أفرق بين شتاء وصيف لأنني لا أتوقف عن الإنتاج، وأعمل مع أصدقائي من الحرفيين جاهدين للفت الانتباه لمنتجاتنا بأنماطها المختلفة والمتنوعة لضيوف كابادوكيا. تعلمنا مهنة الأواني الخزفية من أجدادنا وسننقلها إلى أحفادنا، فهذه مهنة متوارثة من جيل إلى جيل".
وصرح يوسف تميز، الذي يعمل بإنتاج الأواني الخزفية منذ 22 عاما، بأن الحرفيين استمروا بالإنتاج على الرغم من أن المبيعات المحلية والدولية توقفت في أثناء الأيام الصعبة التي مرت بها البلاد، حيث ذهبت معظم المنتجات المصنعة للتخزين.
وتابع تميز قائلا: كانت تمر علينا أيام تزدحم بالسياحة ولا نتمكن من تلبية جميع الطلبات فيها، ونتوقع أن تعود حركة السياحة قريبا، لذلك واصلنا إنتاجنا وقمنا بتخزين منتجاتنا في المستودعات، لتجهيزها للعرض في الأسواق عند استقبال السياح".
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!