ترك برس
رأى خبراء ومحللون أتراك أن تركيا ستصبح دولة شريكة وإستراتيجية في مشاريع الطاقة الحالية والجديدة، وأن اكتشاف حقل "صقاريا" في البحر الأسود، سيساهم بشكل كبير في زيادة أمن الطاقة على الأراضي التركية.
والإثنين، قال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، في تصريحات بالعاصمة أنقرة، البشرى السارة التي قدمها للأمة بشأن اكتشاف الغاز الطبيعي في البحر الأسود، "تعتبر ذات أهمية حاسمة لمستقبل بلدنا".
وأضاف الرئيس أردوغان: "هناك مؤشرات قوية تشير إلى وجود موارد أكبر في المنطقة. وهذا يعني أنه نأمل أن يكون هناك المزيد من الأخبار السارة".
وأوضح أن اكتشاف الغاز الطبيعي في البحر الأسود له أهمية بالغة بالنسبة لمستقبل تركيا، مبينا أن الغاز المكتشف سيكون في خدمة المواطنين الأتراك عام 2023. كما أعرب عن أمله بأن تتلقى تركيا أنباء طيبة وسارة مماثلة في البحر المتوسط أيضا.
ولفت الانتباه إلى الجهود المستمرة لنقل تركيا إلى مكانتها الصحيحة في كافة المجالات، قائلاً: "كل نجاح نحققه يعزز ثقة أمتنا بنفسها ويساعدها على القيام بمشاريع أكبر".
وتابع "أنشأنا تركيا قادرة على اتخاذ قراراتها بنفسها في المجالات السياسية والاقتصادية والعسكرية وتحديد أهدافها وتنفيذ مشاريعها الخاصة.
بمشيئة الله تعالى تجاوزنا المرحلة الصعبة، وقد حان الوقت الآن لجني ما زرعناه ولرؤية ثمار جهودنا والتمتع بمكافأة تضحياتنا".
في هذا الصدد، يرى البروفيسور محمد أفه بيرسلي أوغلو، رئيس قسم الطاقة المستدامة بجامعة إزمير الاقتصادية (غرب)، إن احتياطي الغاز المكتشف سيخلق فرصة اقتصادية كبيرة لتركيا.
وقال بيرسلي أوغلو: "عند مقارنة استهلاك وإنتاج الغاز الطبيعي في تركيا حاليا، فإن الفرق يبدو كبيرا، لكن الاحتياطي الذي أُعلن اكتشافه، سيقلل اعتماد تركيا على الطاقة الأجنبية، ويقوي من شوكتها الاقتصادية".
وأفاد خلال تصريحات لوكالة الأناضول بأن استهلاك تركيا السنوي من الغاز في 2019 بلغ 44.9 مليار متر مكعب، نحو 99% منه مستورد من الخارج.
وأردف: استيراد الطاقة يكلف تركيا أزيد من 41 مليار دولار، والغاز المستورد يشكل قسما كبيرا من هذا المبلغ.
واستطرد: "فاتورة الاستيراد المرتفعة هذه، والاعتماد على مصادر الطاقة الأجنبية، كانتا بمثابة نقطة الانطلاق لسياسة الطاقة والتعدين الوطنية التركية، والتي دخلت حيز التنفيذ عام 2017".
وأوضح أنه "في إطار هذه السياسة تم الوصول إلى النتيجة الأولى للتنقيب عن النفط والغاز بالبحر الأسود وشرقي البحر الأبيض المتوسط، عبر أسطول وطني تركي يضم ثلاث سفن تنقيب، هي يافوز والفاتح والقانوني، وسفينتين بحث سيزمي (بالموجات الزلزالية)، هما بربروس خير الدين باشا وأوروتش رئيس".
وشدد على أن هذا الاكتشاف سيساهم بشكل كبير في زيادة أمن الطاقة في تركيا، وتقليل الاعتماد على الغاز المستورد، وخفض الفجوة بين استهلاك وإنتاج الطاقة.
وتابع: "رغم أنه لابد من وجود استثمار كبير وفترة متوسطة الأجل لاستخراج هذا الغاز، إلا أن هذا الاكتشاف مهم للغاية بالنسبة لتركيا".
وأضاف أن "استمرار تركيا في تطوير وتحسين استراتيجيات صديقة للمستثمرين تحتوي على إطار قانوني منظم للسوق، سيكون أحد العناصر المهمة للغاية".
ورأى أنه "من الواضح أن تركيا لن تواجه أزمات مهمة في مسألة تطوير مصادر الغاز الطبيعي في البحر الأسود، عبر توافر نظام ضريبي تنافسي وسوق حرة وهيكل سياسي مستقر".
قال بيرسلي أوغلو إن السبب الرئيسي خلف تصور أن تطوير موارد الغاز الطبيعي بالبحر الأسود مكلف للغاية، يتعلق بالاستثمارات الواجبة لتطوير وتشغيل الموارد في هذه المناطق.. ينبغي قبل أي شيء إجراء تغييرات ولوائح هيكلية في قانون البحار، ووضع إطار قانوني ملائم للاستثمار.
وشدد على ضرورة جعل الإطار القانوني مناسبا في هذا السياق، والحفاظ على الاستقرار، ونوه إلى إخفاقات لازمت رومانيا في هذا الصدد.
ومضى قائلا إن "خصائص سوق الغاز الطبيعي، والإطار التشغيلي في ظل قيود الأسعار، والسياسات الضريبية، وقيود التصدير، هي عوامل مهمة تحدد اهتمام المستثمرين الكبار بالمشاريع الخارجية وشهيتهم للاستثمار".
وتابع أن "رومانيا فشلت في استخراج غازها في البحر الأسود بسبب قيود التصدير والضرائب المرتفعة التي فرضتها. وأكدت شركة إيكسون موبيل، في يناير/ كانون الثاني (الماضي)، قرار خروجها من مشروع Neptun Deep offshore، الذي توقف لمدة طويلة، وكانت رومانيا تديره، بالتعاون مع شركة OMV Petrom".
وأردف: "صرحت شركة بتروم، في أبريل/ نيسان الماضي، بأنها لا تزال ملتزمة بالمشروع، لكنها بحاجة لتغييرات ضريبية، مثل مشروع النفط والغاز الأصغر في البحر الأسود، الذي تسيطر عليه شركة الأسهم الخاصة Carlyle Group LP. ".
وأوضح أن "الضريبة التي فرضتها رومانيا على الموارد الطبيعية من المناطق البحرية في البحر الأسود تتراوح بين 15٪ و50٪، إضافة إلى رسوم امتياز بين 3٪ و13.5٪ من قيمة الإنتاج".
وزاد بأن "هدف الحكومة من هذا التطبيق الضريبي الثقيل هو رغبتها في الحصول على حصة عالية من الإيرادات من هذه المناطق على المدى القصير، وبالتالي تحسين صورتها اقتصاديا".
بدوره رأى البروفيسور مصطفى إيلباش، رئيس قسم هندسة أنظمة الطاقة بجامعة غازي بالعاصمة أنقرة، مدير مركز أبحاث وحدة الطاقة التركية، أن نتائج الدراسات السيزمية لسنوات عديدة بالمنطقة الاقتصادية الخاصة بتركيا، على مسافة 150 كليومتر من ساحل منطقة اريلي بـ "زونغولداق" غرب البحر الأسود، "قد أتت بثمارها".
وأضاف إيلباش أن "سفينة التنقيب العميق فاتح نفذت عمليات الحفر، منذ يوليو/تموز الماضي، واكتشفت كميات كبيرة من احتياطي الغاز الطبيعي. ونهنئ دولتنا وشعبنا بهذا الاكتشاف".
وتابع: "عندما نستعرض اكتشافات الغاز التي توصلت إليها تركيا قبل ذلك وقرب المنطقة التي تنقب فيها السفينة فاتح وكذلك اكتشافات رومانيا في منطقة XIX 2 Neptün العميقة، نرى أن فرصة تطوير حقل غاز صاقاريا كبيرة جدا".
ومضى قائلا إن "حقل صاقاريا يقع قرب منطقة نبتون الرومانية، لكن تكاليف استخراج الغاز تختلف من موقع إلى آخر ومن منطقة إلى أخرى. وحتى إذا تعذر تطوير موقع ما، فإنه يمكن تطوير موقع آخر على بعد بضعة كيلومترات منه".
واستطرد: "ولعلنا نرى هذا في حوض ليفياثان الإسرائيلي. فبينما كان مستحيلا تطوير مواقع بالمنطقة نفسها، كان ذلك ممكنا في مواقع أخرى قريبة. وحقول منطقة نبتون ليست بالمواصفات الجيولوجية نفسها. ويمكن القول إن شركة الغاز الوطنية الرومانية Romgaz قد انتهت من أعمال التطوير مع شركات Exxon Mobil و OMV في هذه المنطقة".
وأكد إيلباش أن "تركيا لديها القدرة والخبرة التقنية اللازمة لتطوير وإنتاج هذه الموارد، كبناء المنصات ومد الأنابيب. وكما هو الحال في قطاع الطاقة بجميع أنحاء العالم، سيكون هناك تعاون تقني وخدمي من وقت إلى آخر، مثلما حدث في سفينة Pioneering Spirit Platform الخاصة بمد الأنابيب".
واستطرد: "ستكون تركيا قادرة على استخراج ونقل واستخدام أو تصدير هذه الموارد بعلمائها ومهندسيها وفنييها وبإمكانيات التقنية الخاصة".
وقال إن "اكتشاف احتياطي حقل غاز صاقاريا بسفن بحث وتنقيب تركية يعد نجاحا كبيرا وسيؤثر بشكل كبير على مستقبل الدولة والأمة التركية".
وأردف أن تركيا تستورد 99 بالمئة من الطاقة التي تستهلكها.. والاعتماد على الخارج في مجال الطاقة يؤثر سلبا على تركيا اقتصاديا وسياسيا".
وتابع: "ستكون هناك حاجة لاستثمار من 2 إلى 3 مليارات دولار لتطوير احتياطي غاز طبيعي يبلغ 320 مليار متر مكعب، ويمكن تحقيق عائد خلال 7 سنوات".
وأفاد بأن "هذا سيوفر دخلا اقتصاديا مهما، ويقضي بشكل كبير على التبعية للخارج في مسألة الطاقة، وستتمكن تركيا من المساومة مع الدول التي تستورد منها الطاقة".
وأضاف بأن "تركيا ستصبح دولة شريكة وإستراتيجية في مشاريع الطاقة الحالية والجديدة بدلا عن كونها دولة مضطرة ومحتاجة".
وختم بأن "الدخل المادي لهذا الاحتياطي سيقوي تركيا اقتصاديا ويجعلها تمضي بخطى حازمة كقوة إقليمية.. وأود أن أشكر بهذه المناسبة الرئيس رجب طيب أردوغان وكافة العاملين في مجال الطاقة".
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!