ترك برس
يصادف اليوم الثلاثاء، الذكرى السنوية 500 لوفاة السلطان سليم الأول "ياووز"، تاسع سلاطين الدولة العثمانية، خليفة المسلمين الـ 74، وأوّل من حمل لقبي "أمير المؤمنين" و"خادم الحرمين الشريفين" من آل عثمان.
تسلم السلطان سليم الأول الخلافة من محمد الثالث المتوكل على الله، آخر خليفة عباسي بعد دخوله عاصمة المماليك (القاهرة) بمراسم مهيبة. حسب تقرير نشرته وكالة الأناضول التركية.
تمكن من توحيد العالم الإسلامي تحت سقف واحد، وشهد حكمه الذي استمر أكثر من ثماني سنوات، أحداثا شكلت نقاط تحول في التاريخ العثماني.
ولد ياووز سليم، في سنجق أماسيا يوم 10 أكتوبر/ تشرين الأول 1470، حيث كان أباه بايزيد الثاني أميرًا على السنجق (أحد التقسيمات الإدارية في الدولة العثمانية)، وتلقى تعليمه على يد أبرز علماء الدولة في ذلك العصر.
بعد صعود والده إلى العرش، جرى تعيين سليم الأول أميرًا على سنجق طرابزون، حيث أسدى خدمات مهمة للدولة العثمانية في هذا السنجق ما بين 1487 إلى 1510 ميلادية.
تمكن سليم الأول خلال وجوده في طرابزون، متابعة التطورات على طول الحدود العثمانية مع الدولة الصفوية، وخاصة أنشطة الشاه إسماعيل الصفوي، والتي ساهمت في تشكيل الخطوط الرئيسية للدولة العثمانية على الصعيدين السياسي والديني.
عندما علم الأمير سليم الأول عزم السلطان بايزيد الثاني تعيين شقيقه أحمد وليًا للعهد بدلاً منه أو من أخيه قورقوت، بعث رسالة إلى والده تحتوي عبارات قاسية.
تمكن سليم الأول، من الصعود إلى عرش الدولة العثمانية بدعم من الإنكشارية في إسطنبول، الذين أعلنوا دعمهم صراحة لسليم، ومنعوا أخاه أحمد من دخول إسطنبول، ما اضطر بايزيد الثاني من التنازل عن العرش لسليم الأول في 24 أبريل/ نيسان 1512.
كان الهدف الأول لسليم الأول هو وضع حد للتهديدات الدينية والسياسية الصادرة عن الشاه إسماعيل الصفوي، والتي بدأت تشكل خطرًا على الإمبراطورية العثمانية.
خرج السلطان سليم من أدرنة في 20 مارس/ آذار 1514 على رأس حملة اتجهت صوب الحدود مع الدولة الصفوية، تكللت بنصر كبير للسلطان سليم وجيشه على الشاه إسماعيل الصفوي في معركة جالديران في 23 أغسطس/ آب 1514.
واصل تقدمه في أراضي أذربيجان ووصل إلى عاصمة الدولة الصفوية تبريز يوم الجمعة 6 سبتمبر/ أيلول 1514، حيث بدأت مساجد المدينة بقراءة خطب الجمعة باسم سليم الأول.
في تبريز تمكن السلطان سليم من استمالة القبائل التركية والكردية في المنطقة ضد الصفويين، وجلب الآلاف من العلماء والفنانين إلى إسطنبول.
بعدها، قاد سليم الأول حملة عسكرية انطلقت من إسطنبول إلى مصر عبر بلاد الشام في 5 يونيو/ حزيران 1516، وذلك لرد الصاع للسلطان المملوكي الأشرف قانصوه الغوري، الذي تحالف مع الصفويين وضد الدولة العثمانية في جالديران.
تمكن سليم الأول من تشتيت شمل جيش المماليك في معركة قصيرة دارت على سهل مرج دابق (شمال حلب)، في 24 أغسطس/ آب 1516، ليواصل بعدها طريقه إلى مصر عبر دمشق أولاً ثم القدس وغزة، ليلحق بجيش المماليك هزيمة قاسية في الريدانية يوم 22 يناير/كانون الثاني 1517.
دخل سليم الأول القاهرة في 15 فبراير/ شباط 1517 بمراسم مهيبة، وجلس على عرش مصر خلال مراسم أقيمت في قصر يوسف.
عاد سليم الأول إلى إسطنبول، برفقة الخليفة العباسي المتوكل على الله، وبعض الشخصيات البارزة من علماء وحرفيين وتجار ومجموعة من الأمانات المقدسة، متقفيًا نفس الطريق الذي أتى منه.
ولما وصل السلطان دمشق أمر بإقامة ضريح ومسجد على قبر العالم الإسلامي محي الدين بن عربي، ونزلًا بجوارهما.
عاد إلى اسطنبول في 25 يوليو/ تموز 1518، بعد حملة استغرقت عامين، ليبدأ في أبريل/ نيسان 1519، بتزويد الأسطول العثماني بسفن جديدة وصناعة مدافع للقوات البحرية استعدادًا لحملة رودوس.
غادر إلى أدرنة في 18 يوليو/ تموز 1519 بعد انتشار وباء الطاعون في إسطنبول، إلا أن حالة الصحية بدأت بالتدهور على الطريق ولم يستطع الذهاب أبعد من جورلو (بلدة بين إسطنبول وأدرنة)، بسبب ورم كبير في ظهره، حيث توفي في 22 سبتمبر/ أيلول 1520.
** خادم الحرمين الشرفين
ظلت وفاة سليم الأول طي الكتمان، حتى جاء ابنه سليمان (القانوني) من مانيسا إلى إسطنبول، حيث استقبل سليمان ورجال الدولة جثمان سليم الأول، الذي وصل إسطنبول في 1 أكتوبر 1520، وصلي عليه في جامع الفاتح (وسط إسطنبول).
بعد أداء الصلاة، تم دفن سليم الأول في مكان يسمى قصر ميرزا، حيث أمر السلطان سليمان في وقت لاحق، ببناء قبر ومسجد عرف باسم "مسجد السلطان سليم".
شكل عهد السلطان سليم الأول، الذي استمر ما يزيد قليلاً عن 8 سنوات، نقطة تحول مهمة في التاريخ العثماني، بما شهده من أحداث مهمة، حيث أوقف التهديدات التي تواجه الدولة من حدودها الشرقية، وتبنى الفقه السني الذي أصبح يرسم الخطوط الرئيسية للفكر الديني في الدولة العثمانية.
كما شهد عهده تحولات مهمة في الحياة السياسية والاجتماعية، وكان أول خلفاء المسلمين وأول من حمل لقب "خادم الحرمين الشريفين" من بني عثمان.
** حملة مصر شكلت نقطة تحول في التاريخ العثماني
قال عضو الهيئة التدريسية في جامعة السلطان محمد الفاتح التركية، فخم الدين باشار، إن السلطان سليم رأى التهديدات الصادرة عن الصفويين والمماليك منذ أن كان أميرًا على سنجق طرابزون.
وأضاف باشار أن سليم الأول تعامل بحزم مع تلك التهديدات بعد صعوده على عرش الدولة العثمانية، ووجه جل اهتمامه لحماية حدود الدولة من التهديدات المحتملة.
وذكر باشار أن سياسة التوسع التي اتبعها المماليك في الوصول إلى الأناضول وتأثيرهم على القبائل التركية في المنطقة مثل أبناء ذو القدر وأبناء رمضان (في المنطقة ما بين جنوبي تركيا وشمالي سوريا) أزعج العثمانيين.
ولفت باشار إلى أن السلطان سليم الأول، عمد على إنهاء إمارة أبناء ذو القدر، والسيطرة على أراضيها، بعد هزيمته للشاه إسماعيل الصفوي في جالديران.
وتابع: تسببت أنشطة السلطان سليم في شرق وجنوب شرق الأناضول، بقلق السلطان المملوكي قانصوه الغوري، الذي سيطر على بعض المدن المهمة في تلك المنطقة.
وعند دعم قانصوه الغوري الشاه إسماعيل الصفوي وعقدهما اتفاق تحالف، قرر السلطان سليم الأول القضاء تمامًا على التهديد المملوكي.
وأشار باشار إلى أن الحملة التي قادها سليم الأول ضد المماليك، أسفرت عن دخول بلاد الشام والحجاز ومصر في الحكم العثماني.
كما أن الانتصارين العسكريين الذين تحققا بقيادته في مرج دابق والريدانية، أنهى الدولة المملوكية بشكل تام، وفتح الطريق أمام الدولة العثمانية للتقدم إلى شمال إفريقيا بعد آسيا وأوروبا.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!